
مع اقتراب نهاية الولاية التشريعية الحالية، ما زالت ملفات حارقة محتجزة برفوف البرلمان، ومنها تقارير أنجزتها لجان موضوعاتية أو استطلاعية حول بعض القضايا التي أثارت ضجة في أوساط الرأي العام، لكن «لوبيات» نافذة داخل المؤسسة التشريعية مارست ضغوطات على «نواب الأمة» لإقبار هذه التقارير.
وتم إقبار التقرير الذي أعدته اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول مقالع الرمال والرخام، على غرار تقارير سابقة لم تخرج إلى الوجود، وذلك بضغط من «لوبيات» أرباب المقالع، وضمنهم برلمانيون يستفيدون من رخص «ريع» مقالع الرمال والرخام، خاصة أن اللجنة البرلمانية رصدت استمرار ظاهرة الريع في قطاع المقالع، فضلا عن تفشي عمليات النهب والسرقة التي تتعرض لها المواد المستخرجة من المقالع، وعدم التصريح بالكميات الحقيقية المستخرجة من المقالع المرخصة، ما يكبد خزينة الدولة خسائر مالية فادحة تقدر بنحو 900 مليون درهم سنويا من المبالغ المستحقة.
وخلصت اللجنة البرلمانية إلى أن قطاع المقالع مرتبط باقتصاد الريع، وهو ما يتطلب تعزيز المنظومة الشاملة للحكامة من شفافية ومنافسة حرة ونزيهة، والوضوح والسلاسة في كل الإجراءات المرتبطة بالقطاع، وأكدت أن قطاع المقالع يجمع بين مقاولات تشكل نموذجا خطيرا للريع.
ولا نستغرب من تراجع المداخيل الضريبية، لأن هناك برلمانيين نافذين هم أنفسهم يملكون عشرات المقالع، ويشكلون جماعة ضغط داخل المؤسسة التشريعية للدفاع عن مصالحهم، أبرزهم برلماني معروف من جهة مراكش آسفي، يتزعم «لوبي المقالع» الذي ينهب رمال البر والبحر.
والخطير في الأمر أن هذا اللوبي القوي تمكن من فرض تعديلات على قانون المالية في عهد الحكومتين السابقتين، أسفرت عن تقليص الرسوم المفروضة على المواد المستخرجة من المقالع.
وبذلك يكون البرلمان قد تحول إلى بؤرة للدفاع عن المصالح الشخصية، فبعدما تفجرت فضيحة «الفراقشية» الذين استفادوا من الدعم العمومي والإعفاءات الضريبية والجمركية عن استيراد الأغنام والأبقار، اندلع صراع قوي بين نواب برلمانيين حول نيل العضوية في اللجنة الاستطلاعية التي شكلها المجلس حول استيراد الأغنام والأبقار، لأن بعضهم استفادوا من عملية الاستيراد عن طريق شركات مسجلة بأسمائهم، أو بأسماء أبنائهم وزوجاتهم.
كما أن عددا من البرلمانيين يملكون ضيعات فلاحية هم أعضاء بالمجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم مخطط المغرب الأخضر، رغم أنهم استفادوا من أموال الدعم في إطار هذا المخطط.
ويبقى السؤال الحارق، لماذا لا يتم تفعيل النظام الداخلي لمجلس النواب، الذي يمنع تضارب المصالح الشخصية، حيث يلزم كل نائبة أو نائب له مصلحة شخصية ترتبط بمشروع أو مقترح قانون أو لجنة نيابية لتقصي الحقائق، أو مهمة استطلاعية مؤقتة، يوجد في حالة تضارب المصالح قد يؤثر على تجرده أو استقلاليته، بإخبار رئيس مجلس النواب، قبل الشروع في مناقشة مشروع أو مقترح قانون، أو القيام بمهمة البحث والتقصي أو مهمة استطلاعية، أو طرح القضايا المرتبطة بتضارب المصالح.
ويمنع النظام الداخلي للمجلس النائبات والنواب من استعمال أو تسريب معلومات توجد في حوزتهم بصفة حصرية حصلوا عليها بمناسبة ممارسة مهامهم النيابية، بهدف تحقيق مصلحة شخصية، أو مصالح فئوية معينة.
لكن، يبدو أن هذه المقتضيات ستبقى مجرد حبر على ورق، ما دام «أصحاب الشكارة» يستحوذون على مقاعد مجلس النواب، ويستغلون المؤسسة التشريعية للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية.





