حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

رهان ملكي لبناء عدالة صحية شاملة عبر ورش إصلاح المنظومة الصحية

يُعد إصلاح قطاع الصحة من أبرز الأوراش الاجتماعية التي واكبت عهد الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش سنة 1999، إذ أضحت العدالة الصحية ركيزة أساسية ضمن المشروع الملكي لبناء مغرب منصف ومتوازن، يضمن الحقوق الأساسية لكل مواطن، وفي مقدمتها الحق في العلاج والرعاية الصحية الكريمة. وقد أفرزت السنوات الماضية دينامية إصلاحية غير مسبوقة همّت المنظومة الصحية بمختلف مكوناتها، وسط تحديات بنيوية لاتزال تفرض نفسها في الواقع الميداني، لكن الإرادة السياسية التي عبر عنها جلالة الملك، وتوجيهاته المتواصلة، تشكل اليوم بوصلة واضحة في مسار بناء منظومة صحية أكثر كفاءة وإنصافاً.

مقالات ذات صلة

من أبرز اللحظات المفصلية التي ستبقى موشومة في تاريخ القطاع الصحي بالمغرب، الخطاب الملكي ليوليوز 2020 الذي دعا فيه جلالة الملك إلى تعميم التغطية الصحية والاجتماعية لتشمل فئات واسعة كانت إلى وقت قريب تعيش خارج أي نظام للحماية، مثل الحرفيين، والمهنيين المستقلين، وعمال القطاع غير المهيكل، إضافة إلى تحويل ملايين المستفيدين من نظام المساعدة الطبية “راميد” إلى نظام التأمين الإجباري عن المرض (AMO). وقد شكلت هذه المبادرة الملكية انطلاقة فعلية لتحول جذري في فلسفة تدبير القطاع، من منطق الإحسان إلى منطق الحقوق، ومن التدبير القطاعي الضيق إلى رؤية وطنية شمولية تتقاطع فيها العدالة الصحية مع مقومات التنمية البشرية.

لتنزيل هذه الرؤية، بادرت الدولة إلى إطلاق ورش غير مسبوق لتعميم الحماية الاجتماعية، تمثل في تعميم التغطية الصحية على جميع المغاربة في ظرف وجيز، ما تطلب استثمارات ضخمة وإعادة بناء للمنظومة من حيث البنيات والموارد البشرية والنصوص القانونية. وقد خصصت الحكومة لهذا الورش غلافاً مالياً ضخماً، تجاوز 51 مليار درهم على مدى خمس سنوات، إلى جانب تعبئة آلاف الموارد الطبية والإدارية لضمان نجاح الانتقال التدريجي نحو التغطية الشاملة.

في هذا الإطار، أضحى المواطن المغربي اليوم يتوفر على حق دستوري في العلاج، مغطى بنظام تأمين، ويمكنه من ولوج المستشفيات العمومية والحصول على الأدوية والفحوصات بتكلفة مدعمة، وهو تحول نوعي في علاقة الدولة بالمواطن في ما يخص الخدمات الصحية.

غير أن الإصلاح لم يتوقف عند التغطية المالية، بل شمل أيضًا الجوانب الهيكلية والوظيفية للمرفق الصحي، عبر إصدار القانون الإطار رقم 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية، الذي يُعد بمثابة الميثاق الوطني الجديد للصحة. ويرتكز هذا القانون على أربع دعامات رئيسية: الحكامة الجيدة، من خلال إحداث الهيئة العليا للصحة والمجموعات الصحية الترابية؛ تثمين الموارد البشرية، عبر نظام جديد للوظيفة الصحية يوفر التحفيز والاستقرار؛ تأهيل العرض الصحي، من خلال بناء مستشفيات جامعية ومراكز جهوية وإقليمية حديثة؛ ورقمنة النظام الصحي، بهدف تحسين النجاعة وتتبع المسار العلاجي للمريض وضمان العدالة في التوزيع.

ويظهر أثر هذه الإصلاحات في المشاريع التي رأت النور في السنوات الأخيرة، من أبرزها تشييد مستشفيات جديدة في مراكش، الرباط، طنجة، أكادير، الدار البيضاء، وبني ملال، فضلاً عن إحداث 12 مجموعة صحية ترابية لتدبير الشأن الصحي على المستوى الجهوي في إطار اللامركزية، وتحقيق مبدأ القرب من المواطن.

لكن رغم هذا المسار الإيجابي، لا تزال التحديات قائمة، بل تتفاقم أحياناً بسبب فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والطموح السياسي من جهة، والواقع الميداني من جهة أخرى. ويكفي أن نشير إلى معاناة آلاف مرضى السرطان مع كلفة الأدوية الباهظة، من قبيل دواء “كيترودا” المناعي الذي يبلغ سعره حوالي 50 ألف درهم للجرعة الواحدة، والذي لا تتكفل به صناديق التأمين، ومنها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي CNOPS، رغم نداءات المرضى والأطباء. وقد شكلت مراسلة CNOPS لإحدى السيدات المصابات بالسرطان بالجديدة، لإبلاغها بأن هذا الدواء غير قابل للتعويض، صدمة حقيقية للرأي العام، وأعادت إلى الواجهة مطلب إحداث قائمة وطنية محدثة للأدوية القابلة للاسترداد، خاصة تلك المرتبطة بالأمراض الخطيرة والمزمنة.

وبالمقابل، لا تزال لوبيات الأدوية تضغط ضد مرسوم مرتقب تعتزم الحكومة إصداره لتخفيض أسعار الأدوية، بما في ذلك أدوية السرطان، رغم أن أسعارها في المغرب تفوق بستة أضعاف ثمنها في عدة دول أوروبية حسب تقارير المقارنة (benchmark)  .هذا الوضع يكرّس مفارقة صادمة: المواطن المغربي اليوم يتوفر على بطاقة تأمين، لكنه عاجز عن تحمّل تكلفة العلاج، في غياب آلية فعالة للتكفل الكامل.

إضافة إلى ذلك، يشهد المغرب نقصًا مهولًا في عدد الأطباء والممرضين، إذ تشير المعطيات إلى أن معدل الأطر الطبية لا يتجاوز 1.7 لكل 1000 نسمة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بمعدل لا يقل عن 4.4، ناهيك عن التمركز الجهوي الكبير الذي يجعل ثلاث جهات فقط تحتضن 42% من مجموع الأطباء، مما يُخلّ بمبدأ العدالة المجالية. وقد بادرت الدولة إلى فتح باب التوظيف المباشر، وتبسيط إجراءات معادلة الشهادات للأطباء المغاربة بالخارج، بهدف سد هذا الخصاص على المدى المتوسط.

ومع كل هذه التحديات، فإن الرؤية الملكية واضحة، كما عبّر عنها الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة: لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون صحة عادلة وناجعة وشاملة. لهذا، فإن الورش ما يزال مستمرًا، والإصلاح مستمر، وهو رهان وطني يتطلب انخراط الجميع، من حكومة، ومهنيين، ومجتمع مدني، لضمان إنجاح هذا المشروع الملكي، حتى يصبح الحق في الصحة واقعًا يوميًا ملموسًا في حياة المغاربة، لا مجرد شعار سياسي أو طموح نظري.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى