
يونس جنوحي
قضينا الآن سنة إلا “ربع” في ضيافة سنة 2025. سنة “مجنونة” بكل المقاييس، اختبر فيها العالم حدودا لم يصل إليها من قبل، وبلغة الأرقام البعيدة عن التفاؤل و”التبشير”.
لم يعد يفصلنا عن نهاية السنة الحالية سوى ثلاثة أشهر فقط لا غير..
بإجماع الخبراء الاقتصاديين، أقوى قرار اقتصادي هذه السنة، فرض الولايات المتحدة الأمريكية للرسوم الجمركية على السلع الصينية.
انخفض احتياط الصين من النقد الأجنبي إلى 3 تريليون دولار، حسب إحصاءات يوليوز الماضي، ليفقد 25 مليار دولار مقارنة مع يونيو فقط.. والخسائر مرشحة للارتفاع.
ورغم أن معدل هذا الانخفاض يبدو متواضعا -لم يتعد 0،76 بالمئة- إلا أنه، بحسب ما نشرته صحيفة “ميكونغ نيوز” المتخصصة، يشير إلى وجود نقط ضعف هيكلية في الاقتصاد الصيني، ولها تأثير أعمق على الاقتصاد.
معنى هذا أن الاحتياطي الصيني من الدولار، بدأ في التآكل. والأمر لا يتعلق بـ”مزاجية” أو “تقلّب” في الأرقام والإحصائيات. بل يعكس تراكم تأثيرات التعثر المسجل على مستوى الطلب الدولي على السلع الصينية، ثم عواقب سياسة الحكومة الصينية.
بحسب ذات الصحيفة، فإن إدارة الدولة للنقد الأجنبي (SAFE) ، عزت الانخفاض المُسجل خلال شهر يوليوز، إلى مستوى تحويلات أسعار الصرف وتغيرات أسعار الأصول المالية، مشيرة إلى أن الأسواق المالية العالمية كانت متقلبة بسبب تحول بيانات الاقتصاد، وتوقعات السياسة النقدية في الاقتصادات الرئيسية. كما أن تعزيز مؤشر الدولار الأمريكي، أدى بدوره إلى زيادة الضغط على تقييم احتياطي الصين من العملة، حيث ارتفعت الأصول المقومة بالدولار بينما انخفضت الحيازات بعملات غير الدولار.
حسب قراءة الخبراء، فإن الأمر يتعلق بحقائق أخرى خفية، أكثر مدعاة للقلق بشأن المستقبل. وعنوانها الأبرز أن “المحرك الاقتصادي الصيني يتفتت”.
طالما اعتمد النموذج الاقتصادي الصيني، الذي يقوم على الصادرات أساسا، على الطلب القوي في السوق العالمية. لكن خلال ثلاث أرباع السنة الحالية، سُجل تراجع في “الشهية” العالمية وإقبالها على السلع الصينية.
انخفاض الإقبال الغربي، وارتفاع أسعار الفائدة، ثم تراجع الواردات، وتأثير القوانين الجديدة بعد وباء “كورونا”، كلها ساهمت في ما يقع الآن.. بالإضافة إلى التوتر على المستوى السياسي، خصوصا “الزلزال” الحاصل في العلاقات الصينية الأمريكية والعلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي. جل الدول الأجنبية اتجهت نحو “تنويع” مصادر الاستيراد، وجعلت الصين خيارا ثانيا بعد أن كانت تنفرد بالصدارة في عدد من الدول.
هناك مؤشرات أخرى تتعلق بركود داخلي في الاقتصاد الصيني. والدليل أن بنك الشعب الصيني، زاد من حجم حيازة الذهب، وهو ما وصفه الخبراء بـ”التعديل الهامشي”، و”الرمزي”، والذي يعني أن هناك قلقا حكوميا صينيا بشأن استقرار الأصول المالية، التي تقاس بالدولار، وعدم ثقتهم في النظم المالية العالمية.
الحضور الصيني في القارة الإفريقية ارتبط دائما بتمويل مشاريع البنيات التحتية في عدد من الدول الإفريقية.. دول كثيرة في إفريقيا صارت مدينة للصين، بشكل يصبح معه أمر تسوية هذه الديون، ولو على المدى البعيد، مستحيلا.
الصين اشتهرت خلال العقد الأخير بمبادرة “الحزام والطريق”، كأداة للتأثير السياسي، والضغط أيضا. وهذه المبادرة تقوم أساسا على “تأكيد النفوذ النقدي”. وما يقع الآن من تراجع على مستوى الاقتصاد الصيني، قد يحد مستقبلا من تأثير هذه المبادرة، وهو ما سوف يجعل الصين مجبرة على تقليص شعاع هذه الاستراتيجية، وإعادة مراجعة أولوياتها.
أسوأ ما قد يقع مستقبلا، هو محاولة تغطية هذا التراجع، باللجوء إلى المواجهات السياسية التي لا يزال الصينيون يتحدون فيها الولايات المتحدة، ويعتبرون أن الصين أكبر بكثير من الجالس في كرسي الرئاسة داخل البيت الأبيض.
هناك حكمة صينية قديمة تقول إن المرء يجب أن يحرص على ألا يكون مكان العشب عندما تتصارع الفيلة.. وما يقع الآن بين الصين والولايات المتحدة لا يمت لصراع الفيلة بشيء.. بل بمعركة اقتصادية طويلة الأمد، لن يتأذى منها سوى من يحاول إنكار وجود الأزمة!





