حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقارير

شوارع الرباط.. «التهيئة المغشوشة»

عيوب في مشاريع بملايير الدراهم تكشف الغش في الإنجاز وضعف المراقبة

لم تفلح الملايير، التي تم رصدها في إطار برامج إعادة تهيئة العاصمة الرباط، ورغم الإشراف المباشر لشركة «الرباط الجهة للتهيئة» الموضوعة تحت وصاية ولاية الرباط، في درء العديد من العيوب التقنية التي همت هذه الأشغال، حيث إن  جولة قصيرة في عدد من الأحياء والشوارع تكفي لكشف حجم العيوب التقنية التي تشوب عددا من مشاريع البنية التحتية، التي يفترض أنها نُفذت وفق أعلى معايير الجودة والسلامة.

هذه المشاريع، التي أُطلقت في سياق رؤية شاملة تهدف إلى جعل العاصمة «مدينة الأنوار» وواحدة من أكثر الحواضر المغربية جاذبية من حيث العمران والتجهيزات، تعاني من اختلالات ظاهرة للعيان. فبدل أن تتحول هذه الأوراش إلى واجهات حضرية تعكس صورة مدينة حديثة، باتت في نظر كثير من المواطنين، عنوانا لسوء الإنجاز، وغياب المراقبة الفعلية خلال الأشغال وبعدها.

 

النعمان اليعلاوي

 

على الرغم من كون بعض أشغال التهيئة والترميم والتي همت محاور رئيسية بالرباط، كشارع محمد الخامس وحيي الرياض وأكدال، قد سطر كهدف لها النهوض بواقع سكان المدينة وجودة البنية التحتية فيها، إلا أن الواقع تكشف عن صورة مغايرة، وهي التي تتمثل في عيوب جمة تبدو للعيان ولزوار العاصمة على عدة مستويات، وتسائل مسؤولية الجهات الوصية في تتبع إنجاز هذه الأشغال ومعاقبة المخالفين.

 

 

أزقة عتيقة.. وعيوب جديدة

رغم مرور أقل من ثلاث سنوات فقط على انتهاء أشغال مشروع تأهيل المدينة العتيقة للرباط، الذي أشرفت عليه شركة الرباط للتهيئة بكلفة مالية ناهزت90  مليون درهم، برزت إلى السطح مجموعة من العيوب التقنية والمشاكل الميدانية التي أثارت استياء السكان والتجار، وفاقمت منسوب الشك في نجاعة هذه الأشغال التي رُوّج لها كجزء من مشروع «الرباط مدينة الأنوار».

في جولة ميدانية بشارع القناصل (لكزا) ومدخل المدينة من جهة «باب الأحد»، تتضح الاختلالات في جودة التبليط وتماسك الرصيف، حيث بدأت بعض قطع الأحجار في التحرك تحت أقدام المارة، ما يتسبب في تطاير مياه آسنة عند المشي، ويُحول التجول في هذه المنطقة السياحية إلى مغامرة غير مأمونة، خاصة في ظل انبعاث روائح كريهة وتكاثر البعوض.

عدد من تجار السوق المركزي عبروا عن استيائهم الشديد من الوضع الحالي، مشيرين إلى أن تجمع المياه تحت الأرضية أدى إلى ظهور أوحال وروائح مزعجة، ما أثر سلبا على نشاطهم التجاري، خصوصا خلال الصيف. وقال أحد التجار لجريدة «الأخبار»:
«اضطررنا إلى إغلاق محلاتنا لعامين كاملين أثناء الأشغال، على أمل أن نحظى بفضاء مؤهل وبيئة مريحة للزبائن، لكن النتائج كانت محبطة. اليوم، نعاني من سوء جودة الأرضيات، كما أن إغلاق ممر السيارات بمنطقة باب الأحد زاد من عزلتنا الاقتصادية».

ورغم أن المشروع في جوهره حمل وعودا مهمة، حيث شمل ترميم المباني المهددة بالانهيار، معالجة واجهات المحلات، وتبليط الأزقة بالحجر التقليدي، إلا أن العديد من مكونات المجتمع المحلي تعتبر أن الإنجاز لم يكن في مستوى الانتظارات، سواء من حيث المردودية أو من حيث الاستدامة.

مشروع «الرباط مدينة الأنوار» الذي امتد من سنة 2014 إلى 2023، رُوّج له كمخطط طموح لتحسين المظهر الحضري للعاصمة، وخلق دينامية سياحية وثقافية واقتصادية متجددة. لكنه، في نظر عدد من الفاعلين المحليين، عانى من مشاكل هيكلية على مستوى التنفيذ، سواء من حيث تأخر الأشغال في بعض المقاطع، أو من حيث غياب الجودة المطلوبة في مخرجات مشاريع البنية التحتية.

وطالبت جمعيات محلية ومهنيون عبر عرائض وتصريحات الجهات الوصية، وعلى رأسها ولاية الرباط وشركة الرباط للتهيئة، بضرورة فتح تحقيق تقني مستقل للوقوف على أسباب هذه العيوب، وضمان إصلاحها دون أن يتحمل التجار والسكان من جديد كلفة الإغلاق والمعاناة اليومية.

 

شارع محمد الخامس.. الرصيف المغشوش

في قلب الرباط، وعلى مرمى حجر من مبنى البرلمان، يمتد شارع محمد الخامس، أحد أكثر الشوارع رمزية في المغرب. هذا الممر الذي يُفترض أن يكون عنوانا لحُسن التدبير وجودة التهيئة الحضرية، خضع خلال السنوات الأخيرة لأشغال إعادة تهيئة ضمن مشروع «الرباط مدينة الأنوار»، تحت إشراف شركة «الرباط الجهة للتهيئة». غير أن الواقع الميداني يكشف عن مفارقة صارخة بين طموحات المشروع ونتائجه على الأرض.

الزائر لهذا الشارع يلاحظ دون كبير عناء، عيوبا واضحة في تنفيذ الرصيف الذي لم يمض على إعادة تبليطه سوى فترة قصيرة. الأحجار التي جرى استعمالها في تغطية الرصيف بدأت تتفتت وتتآكل، كما ظهرت عليها تشققات في أكثر من موقع، ما يطرح علامات استفهام حول نوعية المواد المستعملة، ومدى احترام المعايير المفترضة في مشاريع بهذا الحجم، فمن حيث الشكل لا يبدو الرصيف متناسقا. الأحجار تختلف في الحجم واللون، وبعضها غير مثبت بإحكام، ما يؤدي إلى عدم توازن الأرضية، خاصة بالنسبة إلى كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. يقول أحد مرتادي الشارع، وهو موظف إداري اعتاد المرور اليومي من الممر المؤدي إلى محطة «الترامواي»: «الأرض غير متساوية، والأحجار تختلف من مقطع إلى آخر، كأن المشروع تم بشكل مرتجل، أو دون رقابة صارمة على جودة الأشغال».

المقلق في هذه الحالة أن شارع محمد الخامس ليس مجرد طريق حضري، بل هو واجهة رمزية تعبره وفود دبلوماسية وزوار رسميون، فضلا عن المواطنين والسياح. لذلك فإن أي خلل في تجهيزاته أو مظهره الخارجي يعتبر إخفاقا مضاعفا، لا يمس فقط بالبنية التحتية، بل أيضا بصورة المدينة ككل، حيث لا يقف الأمر عند ضعف جودة الأحجار، أو طريقة تركيبها، بل يشمل أيضا غياب العناية بالممرات الجانبية وبعض المرافق المرتبطة بالشارع، حيث تظهر بقع متسخة وأجزاء مغلقة دون إشارات واضحة، ما يُربك المارة ويطرح تساؤلات عن انتهاء الأشغال من عدمه.

 

شارع علال بن عبد الله.. خطر دائم

في قلب الرباط، وتحديدا بمقاطعة حسان، وعلى مقربة من ساحة البريد وشارع محمد الخامس، يتفرع شارع علال بن عبد الله، أحد المحاور التجارية والإدارية الحيوية التي لطالما شكلت جزءا من دينامية المدينة. هذا الشارع، الذي خضع بدوره لأشغال التهيئة ضمن مشاريع شركة «الرباط الجهة للتهيئة»، تحول اليوم إلى نموذج حي لاختلالات التخطيط وسوء تدبير أوراش البنية التحتية.

فعلى الرغم من مرور أشهر طويلة على انطلاق الأشغال، ما زالت عدة نقاط من الرصيف مغلقة في وجه الراجلين، بسبب تأخر إتمام بعض المقاطع، وهو ما اضطر السلطات إلى تثبيت حواجز معدنية مؤقتة حول مواقع الورش. غير أن ما يفترض أن يكون إجراء احترازيا، أضحى مع الوقت مصدر تهديد مباشر لسلامة المواطنين، خاصة في ظل غياب ممرات بديلة أو إشارات واضحة توجه حركة المارة.

النتيجة أن المئات من المارة يوميا يجدون أنفسهم مضطرين إلى السير على الطريق المخصصة للسيارات، في مشهد يختزل حجم الخلل في التنسيق بين الجهات المنفذة ومصالح السلامة الطرقية. الأطفال، كبار السن، والنساء الحوامل… جميعهم يسلكون وسط الطريق، في محاولة لتجاوز منطقة الورش، دون أن تتوفر أدنى شروط الأمان.

يقول أحد زبناء مقهى قريب من سينما «الفن السابع»: «منذ شهور ونحن نشهد هذا الوضع الغريب. لا ممر مؤقت، لا إشارات تحذيرية، لا رجال أمن مرور. كل يوم نرى أمهات وأطفالا يتجاوزون السيارات بصعوبة. من المسؤول إذا وقعت كارثة؟».

الأمر لا يتعلق فقط بعدم احترام آجال التنفيذ، بل بغياب شبه تام لمقاربة تحمي الراجلين وتُراعي تدفقهم في منطقة تعرف كثافة بشرية عالية، نظرا إلى وجود إدارات ومقاه ومحلات تجارية على طول الشارع. كما أن الإغلاق الجزئي المستمر لبعض أجزاء الرصيف يساهم في خنق الحركة التجارية للمحلات، التي تعاني أصلا من آثار ارتفاع الكلفة المعيشية وتراجع الإقبال، وما يثير الاستغراب أكثر هو أن الأشغال، التي يُفترض أن تتم وفق مراحل منظمة، لا تُظهر مؤشرات واضحة على موعد نهايتها، ولا توجد لوحات مشروع معلنة بتفاصيل التهيئة، في خرق صريح لحق المواطنين في المعلومة.

 

أشغال «لا متناهية» بأكدال والرياض

عادت أشغال البنية التحتية إلى حيي أكدال والرياض، المصنفين من بين الأرقى بالعاصمة الرباط، وسط ارتباك واضح في حركة السير، وتذمر متصاعد في صفوف المواطنين الذين تفاجؤوا بإطلاق أشغال جديدة في شوارع سبق أن خضعت، قبل سنوات، فقط لإعادة التهيئة.

في شارع فرنسا بحي أكدال، تحول الرصيف الرئيسي إلى ورش مفتوح، بسبب أشغال إعادة تبليط الأرصفة بالحجر الجديد. غير أن المارة، كما بعض أصحاب المحلات التجارية، تساءلوا عن الجدوى من هذه العملية، بالنظر إلى أن الرصيف ذاته سبق أن خضع، قبل سنوات قليلة، لأشغال التأهيل والتجديد ضمن مشروع «الرباط مدينة الأنوار»، وهو ما يجعل من إعادة الأشغال فيه اليوم محط علامات استفهام، خاصة في ظل محدودية التغيير الواضح في البنية التحتية.

يقول أحد المارة في تصريح لجريدة «الأخبار»: «هذه هي المرة الثالثة تقريبا التي تتم فيها إعادة الرصيف، خلال عشر سنوات. كل مرة يركبون حجارة جديدة ويزيلونها، ونحن نعاني من التحويلات والانقطاعات، بينما هناك أحياء في أطراف الرباط لم تُبلّط مرة واحدة منذ الاستقلال».

وتسببت الأشغال الجارية بشارع فرنسا في عرقلة حركة المرور، سيما في أوقات الذروة، حيث يصعب على الراجلين استخدام الأرصفة المغلقة، فيضطرون إلى السير في حاشية الطريق، فيما يعاني سائقو السيارات من تأخرات، بسبب التحويلات المؤقتة وغياب إشارات توجيهية واضحة.

أما في محيط مسجد بدر، أحد أبرز معالم حي أكدال، فقد ازدادت حدة الارتباك مع انطلاق أشغال حفر ضخمة في المنطقة، من أجل إنشاء موقف تحت أرضي للسيارات. ورغم أهمية المشروع في التخفيف من الضغط على الفضاءات السطحية، فإن وتيرة الأشغال والإغلاق الكامل لبعض الأزقة المجاورة أثارا احتجاجات لدى السكان، الذين باتوا يجدون صعوبة في الوصول إلى منازلهم أو إيجاد أماكن للركن.

في حي الرياض، المشهد لا يختلف كثيرا، فقد شملت الأشغال مجموعة من الشوارع الداخلية، بعضها تم إغلاقه كليا، مما أدى إلى تحويلات مرورية غير مدروسة زادت من الازدحام. بعض السكان اعتبروا أن الأشغال كانت مفاجئة وغير مسبوقة بأي إعلان مسبق، مما فاقم من مستوى التوتر، خاصة خلال ساعات العمل.

 

أسلاك كهربائية عارية..

في مشهد عبثي يتكرر عبر عدد من شوارع العاصمة الرباط، تتدلى أسلاك كهربائية مكشوفة من قواعد أعمدة الإنارة العمومية، بعضها متهالك، وبعضها الآخر يبرز من العوازل البلاستيكية دون حماية، وسط غياب تام لأي إشارات تحذيرية أو علامات تنبيهية. وضعٌ خطير بات يؤرق السكان ويُهدد سلامة المارة، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول معايير السلامة المعتمدة في مشاريع التهيئة، ومدى مراقبة مدى احترامها من قبل الجهات الوصية.

ورغم أن هذه الأعمدة تم تركيبها ضمن أشغال متقدمة في إطار مخطط هيكلي يهدف إلى توسيع الشوارع وتجديد منظومة الإنارة العمومية، إلا أن واقع الحال يُبرز خللا عميقا في تدبير مرحلة ما بعد الإنجاز. فلا يكفي تثبيت أعمدة عصرية، مزودة بتقنيات موفرة للطاقة، أو أنظمة ذكية للتحكم، إذا كانت الأسلاك مكشوفة على العلن، تلامس الأرض أحيانا أو تتدلى في متناول الأطفال.

في جولة قامت بها «الأخبار» في عدد من الأحياء من بينها حي اليوسفية، شارع الحسن الثاني، أجزاء من حي الرياض وشارع النصر، تم رصد عدة حالات لأعمدة غير مؤمنة، بأسلاك بارزة في قواعدها، بعضها موصول بصناديق كهربائية صغيرة دون تغطية، في مشهد لا يليق بمدينة يفترض أنها تسير نحو التحول إلى «عاصمة ذكية». الأكثر خطورة أن هذه الوضعيات تظهر حتى في أماكن تعرف حركة كبيرة للراجلين، مثل المداخل القريبة من المدارس، محطات النقل العمومي، والمرافق الإدارية.

تقول إحدى المواطنات القاطنات بحي الرياض: «كل صباح أمرّ من أمام عمود بأسلاك بارزة قرب مدرسة ابتدائية. أخشى أن يلمسه أحد الأطفال، أو أن يحدث تماس كهربائي في فصل الشتاء. هل ننتظر الكارثة لكي يتدخلوا؟».

وتُظهر هذه الحالة تقصيرا واضحا في المراقبة الدورية لأشغال المقاولات المفوض إليها تنفيذ مشاريع التهيئة، كما تعكس غياب سياسة صيانة واضحة المعالم، تضمن استدامة التجهيزات وسلامة المواطنين، بعد تسليم المشاريع. كما أن تحميل المسؤولية للمواطن عند وقوع الحوادث – في ظل هذه الاختلالات- يصبح مسألة غير عادلة من الناحية القانونية والأخلاقية.

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى