
حين رفعت الحكومة المغربية ميزانية 2025، الموجهة لشراء وصيانة الأسلحة، بنسبة 6.9 في المائة لتصل إلى 133.453 مليار درهم، اعتقد المتتبعون أن الميزانية تخص فقط فواتير شراء الأسلحة، لكن هذه المخصصات تتعلق أيضا بخطة التصنيع، من خلال إنشاء وحدات صناعية وتصنيع الأسلحة بمشاركة مشغلين مغاربة وأجانب.
حسب المتخصصين في الشأن العسكري، فإن هذا الإنفاق المخصص للفترة 2025-2026، في مشروع قانون المالية لعام 2025، الذي وافقت عليه الحكومة المغربية بعد إحالته على البرلمان، مخصص “لاقتناء وصيانة معدات القوات المسلحة الملكية ودعم تطوير الصناعة الدفاعية”، حسب المادة 39 من المشروع.
سنلاحظ التأكيد على “الصناعة الدفاعية”، أي أن الغاية من التسليح هي الدفاع عن حوزة الوطن، وحمايته من كل من يتربص به، وهذه مبررات زيادة بنسبة 4.1 في المائة مقارنة مع ميزانية 2022.
الأمر لا يتعلق فقط بالتسليح بل تتضمن الميزانية خلق مناصب جديدة لموظفي الدفاع لعام 2025، حوالي 5792 منصبا، كثالث قطاع في التوظيف بعد وزارة الداخلية والصحة والحماية الاجتماعية. ويشمل تحسين أوضاع أفراد الجيش المغربي، عن طريق رفع أجورهم، حسب رتبهم العسكرية.
بموازاة مع ذلك، تمت الموافقة على إنشاء منطقتين للصناعة العسكرية مخصصتين لتطوير الاستثمارات المرتبطة بالدفاع والأمن، بما في ذلك إنتاج الأسلحة والذخائر، في إطار ما سمي بـ”توطين الصناعة العسكرية”.
هذا “التوطين” صنفه الباحثون في الشؤون الاستراتيجية على أنه “يعزز استقلالية المملكة المغربية في مجال الدفاع وتحقيق السيادة الدفاعية”.
ولعل التحولات الجيوسياسية الإقليمية والدولية هي التي فرضت الاستثمار في المجال العسكري، ومحاولة تقليص الاعتماد على الخارج في تأمين المعدات العسكرية، وهو الطرح ذاته الذي ذهب إليه كثير من المحللين السياسيين كمحمد بنطلحة الذي أكد على أهمية موقع المغرب الجغرافي ودوره في هذا التحول.
في الملف الأسبوعي لـ”الأخبار” رصد لمسار الانتقال من استيراد السلاح إلى صناعته، مع استحضار تاريخ المغرب في مجال التسليح.
برشيد تنتج المدرعات الدفاعية
وقع المغرب شراكات مع عدد من الدول الرائدة في مجال التسليح، لكن الشروع في إحداث مصنع للمعدات الدفاعية في ضواحي مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، بالشراكة مع الشركة الهندية، وهو أمر له دلالة استراتيجية هامة، ويشكل، حسب المحللين السياسيين، خطوة متقدمة في تعزيز قدرات المغرب في مجال الصناعات الدفاعية، سيما في ظل التوجه المتزايد نحو الاكتفاء الذاتي في الصناعات العسكرية، وهو طرح كثير من الدول التي تعيش في بؤر التوتر.
ويعد مصنع المركبات المدرعة في مدينة برشيد فصلا جديدا في الشراكة الاستراتيجية بين الهند والمغرب، حسب وزير الدفاع الهندي راجنات سينغ، الذي اعتبر مصنع “تاتا أدفنسد” الذي تم تدشينه يوم الثلاثاء الماضي، ثمرة تعاون آخر بين البلدين.
بحضور الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، ووزير الصناعة والتجارة رياض مزور، أشاد الوزير الهندي بامتنانه العميق للملك محمد السادس وللحكومة المغربية على الدعم المتواصل لهذا التعاون.
ويعد مصنع برشيد أول وحدة إنتاج متخصصة في صناعة مركبات مدرعة قتالية هندية يتم إحداثها خارج الهند، وهو ما يسير في اتجاه كلمة الوزير الهندي الذي كشف عن وجود شراكة بين البلدين أبرمت منذ سنوات شملت عدة قطاعات.
“المشروع لا يعد مجرد استثمار صناعي، بل هو التزام مستدام تجاه الابتكار والتنمية المشتركة، مشيرا إلى أن هذا المشروع سيوفر فرص عمل مؤهلة، إلى جانب مساهمته في تعزيز التعاون التكنولوجي والصناعي بين الرباط ونيودلهي”، يقول الرئيس المدير العام لشركة “تاتا أدفنسد”، الذي أوضح أيضا أن الإنتاج من المركبات المدرعة القتالية سيخصص جزء منه للقوات المسلحة الملكية وجزء آخر للأسواق العالمية.
ويتوخى هذا المشروع، الذي تم إطلاقه بتوجيهات ملكية سامية، تمكين البلاد تدريجيا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الصناعي والتكنولوجي في ما يتعلق بالدفاع، فضلا عن كونه عاملا محفزا لتطوير منظومة صناعية مبتكرة ولخلق فرص شغل.
“ويعد المصنع الجديد، الأول من نوعه في المنطقة، ويهدف إلى تعزيز قدرات المغرب في مجال التصنيع العسكري وتطوير صناعات محلية ذات قيمة مضافة عالية، حيث من المرتقب أن تصل نسبة المكونات المحلية في المدرعات المنتجة إلى 50 في المائة خلال المراحل الأولى من المشروع”، حسب شروحات مدير هذا المرفق في حواراته الصحفية. كما يساهم المشروع في نقل التكنولوجيا والخبرات الهندية إلى الكفاءات الوطنية، ويرسخ مكانة المغرب كقطب إقليمي في الصناعات الدفاعية. كما يندرج في سياق الجهود التي تبذلها المملكة لتعزيز استقلاليتها الدفاعية وتقليص تبعيتها الخارجية في مجال التسلح، مع الانفتاح على شراكات دولية مبنية على تبادل الخبرات ونقل المعرفة.
الدرون الحربي بلمسة مغربية
في يناير 2025، حطت شركة “بايكار” التركية، عملاق الصناعة التكنولوجية للطائرات المسيرة، الرحال في المغرب حين أسست شركة لها تحت اسم “أطلس ديفنس”، وفق نشرة الإعلانات القانونية والقضائية والإدارية الصادرة بالعدد 5857 من الجريدة الرسمية، وأصبحت تدير مصنعا مخصصا لصناعة الطائرات المسيرة المسلحة، جاعلة من المغرب أجد عملائها المفضلين. علما أن نشاطها يتضمن مجموعة واسعة من العمليات الصناعية والتكنولوجية.
وترتبط الشركة التركية بموردين متخصصين في صنع الطائرات المسيرة “بيرقدار”، وتخطط بقيادة الشقيقين المؤسسين، لتصميم وإنتاج وتطوير وصيانة الطائرات بدون طيار، إلى جانب تطوير وبيع البرمجيات والمعدات المخصصة لهذه الطائرات. وتشمل أنشطتها أيضا إنتاج وبيع قطع غيار الطائرات المسيرة، وتصميم وتطوير أنظمة ومنتجات تكنولوجية تخدم قطاع الدفاع.
ووفقا لموقع “الدفاع العربي” فإن الشركة التركية تسعى إلى توسيع عملياتها لتشمل تصميم وتصنيع وتجميع وصيانة الطائرات والمروحيات والمركبات الجوية الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، تخطط الشركة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة، بما يسهم في تعزيز الابتكار التكنولوجي في قطاع الدفاع بالمغرب، مع تصميم وإنتاج وتجميع الأجهزة الإلكترونية والبرمجيات والأجهزة والأنظمة الميكانيكية.
وحسب المصدر ذاته، فإن المدة القانونية لهذه الشركة هي 99 عاما، برأسمال قدره 2,5 ملايين درهم مقسم على حصص يمتلكها مؤسسو عملاق صناعات الدرونات، لطفي حانوك بيرقدار.
من خلال منشور لها، عبر موقع “إكس” حول نتائجها السنوية، أكدت الشركة أنها سلمت المملكة المغربية، في غشت الماضي، طائرات مسيرة من طراز “بيرقدار تي بي 2″، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل في هذا الصدد، كما أوضحت الشركة التركية أن طائرتها المسيرة المسلحة تجاوزت مليون ساعة تحليق.
وأضاف المنشور أن “بيرقدار تي بي 2″، بتحليقها في الجو أكثر من مليون ساعة، باتت المركبة الجوية المحلية الأولى التي تحلق لأطول فترة في تركيا.
وتأسست شركة بايكار سنة 1984 على يد المحامي أوزدمير بايكار، وهي شركة تركية متخصصة في صناعة الطائرات المسيرة وتقنيات الطيران المتقدمة. ومنذ بدايتها، وضعت بايكار رؤية طموحة لتطوير تكنولوجيا الطائرات بدون طيار التي تجسد الابتكار والجودة العالية، وحازت على شهرة واسعة في مجالات تطوير الأنظمة الطيرانية المتقدمة والخدمات ذات الصلة.
ويرجع السبب الرئيسي وراء تأسيس الشركة إلى الحاجة المتزايدة لتقنيات الطيران المستقلة ولأجهزة تتيح مراقبة واستطلاع الأرض والجو بكفاءة عالية. لقد كان الهدف من إنشاء بايكار هو تقديم حلول مبتكرة وموثوقة لتلبية متطلبات الأسواق المحلية والعالمية على حد سواء. بدأت الشركة عملها بتطوير طائرات مسيرة صغيرة الحجم، ولكنها سرعان ما توسعت لتشمل أنظمة متقدمة ومتطورة.
ونجحت في تصميم وإنتاج نماذج متنوعة من الطائرات المسيرة التي أثبتت كفاءتها في التطبيقات المدنية والعسكرية. على سبيل المثال، تعد طائرة “بيرقدار تي بي2” واحدة من الطائرات المسيرة التي حققت نجاحا كبيرا بسبب قدراتها المتقدمة في المهام الاستطلاعية والهجومية.
صناعة الطيران بالقرب من مطار محمد الخامس
قبل سنوات تم تدشين وحدتين صناعيتين جديدتين تنشطان في قطاع صناعة الطيران، الوحدة الجديدة تابعة للشركة المغربية للدراسات وتصنيع أدوات الطيران، المتخصصة في الأدوات وتصنيع القطع الأساسية لصفائح الطائرات ووحداتها الفرعية، المتواجدة بالمنطقة الصناعية بوسكورة، على مساحة قاربت ألفي متر ونصف باستثمار يقارب 50 مليون درهم. بمساهمة من مجموعة من الفاعلين في مجال الطيران مثل بوينغ وبومبارديي. ويتعلق الأمر بمصنعين متميزين متخصصين في تصنيع أجزاء دقيقة لها صلة بصناعات الطيران والصباغة، وهي المجالات المطلوبة بشكل كبير في جميع أنحاء العالم. علما أن 140 مقاولة تنشط حاليا في قطاع صناعة الطيران المغربية، وتحقق رقم معاملات محدد في 17 مليار درهم، ومعدل إدماج في حدود 34 بالمائة ونموا يزيد عن 20 بالمائة سنويا.
ولم يكتف المغرب ببناء الوحدات الصناعية بل عززها بمؤسسات تكوينية في نفس المجال لتحسين أدائه وتوفير الموارد البشرية المؤهلة، وبالتالي تعزيز مكانة المغرب كأول مركز إفريقي في مهن الطيران، من خلال المعهد المتخصص في مهن معدات الطائرات ولوجستيك المطارات بالنواصر بتزكية وتصديق من الشركة الأميركية “هاس أتميشن” للمعهد المتخصص في مهن المطارات كمركز مرجعي للتكوين على الآلات ذات التحكم الرقمي، خاصة في قطاع صناعة الطيران.
ويعد هذا المركز أول مركز في أفريقيا مصادق عليه من طرف “هاس” في تكنولوجيا التحكم الرقمي، وتهم هذه المصادقة مهارات المتدربين ومضامين التكوين. مما سيجعل من المعهد المتخصص في مهن معدات الطائرات ولوجستيك المطارات مركزا مرجعيا للشركة الأمريكية في المغرب، خاصة في المهن المرتبطة بصناعة معدات الطائرات.
صواريخ جو-جو الخفيفة.. صناعة مغربية ثقيلة
كشفت صحف مغربية عن شروع المغرب في تصنيع صواريخ جو-جو القصيرة المدى “إيريس ـ تي” على المروحيات، وأن الإنتاج من التصنيع المحلي في المغرب، وأن هذا التقدير تشاركه عواصم دول غربية في العاصمة الرباط، وقرر المغرب في وقت سابق إطلاق صناعة حربية، لكنها بقيت في مراحلها الأولى.
ولا ينفي هذا الواقع، حسب “موقع الدفاع العربي” نية المغرب في بناء منظومة تسليحية محلية، وبدأت لتنتهي بعض مراحلها بتشجيع الاستيراد والعمل العسكري المباشر دون التفات إلى إطلاق تصنيع عسكري، خصوصا بعد التحولات الأخيرة في المشهد الجيو ستراتيجي.
لطالما كان التفوق الجوي، منذ الحرب العالمية الثانية، شرطا أساسيا لتحقيق النصر في الحرب ضد خصومٍ وحدتنا الترابية، وتعتبر صواريخ الجو-جو عنصرا أساسيا للتفوق الجوي فإنها لا يمكن اعتبارها كذلك على نحو منعزل لأن أداء المقاتلات التي تطلق هذه الصواريخ هو أمر حاسم أيضا.
ومن هذا المنطلق، شرع المغرب في التفكير بجدية في التسليح الذاتي من خلال إنتاج هذا الصاروخ الذي سيمكن إلى جانب أدوات أخرى من تحقيق هذا المبتغى، بعد أن كانت الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا مهيمنة في هذه التكنولوجيا على مدى عقود، فيما تشكِل الصين والهند منافستين مع توليفة من الأسلحة المستوردة، أو المصنعة بموجب ترخيص، أو المستنسخة في ترساناتها.
مصنع للطائرات المروحية الخفيفة في جنوب المغرب
بعدما كان التسليح مرتبطا بالقوى العظمي، قررت شركة “فلاي أرغو” البولونية، المتخصصة في صناعة الطائرات المروحية الخفيفة، إحداث مصنع بالمغرب، حيث صادق مجلس إدارة الشركة على هذا القرار، الذي يأتي تزامنا مع التطورات الأخيرة في ملف الوحدة الترابية للمغرب، عقب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على كامل أقاليمه الصحراوية.
وأكد رئيس مجلس إدارة الشركة كرزيشتوف مايكوفسكي، في أكثر من منبر صحافي، أن “اختيار الشركة الاستثمار في المغرب يرجع إلى الاستقرار السياسي للمملكة”، موضحا في أعقاب جلسة عمل مع سفير المغرب ببولونيا، وعضو مجلس إدارة الشركة يانوش موزال، تم خلالها توقيع إعلان لاتخاذ الخطوات اللازمة بهذا الخصوص، أن اختيار الشركة إحداث مصنع لها بالمغرب يرجع أيضا لوجود بيئة مناسبة للاستثمار”.
وتسعى الشركة المتخصصة في تجميع المروحيات الخفيفة إلى نقل الإنتاج الحربي إلى دول ظلت تتطلع لمصانع التسليح في الدول العظمى، كما تؤكد أن حضور المغرب القوي بالقارة الإفريقية يشكل عاملا مهما بالنسبة لتطور الشركة، مبرزة أن اهتمامها بتنفيذ استثمارات مباشرة بالمغرب يعد جزءا من أجندة وضعتها بالتنسيق مع القطاعات المعنية.
وقام سفير المغرب في بولونيا بزيارة لمقر الشركة، وأشاد بقرار مجلس إدارة “فلاي أرغو” بإحداث مصنع لتركيب المروحيات الخفيفة جدا والاستثمار في الأقاليم الجنوبية المغربية، لافتا إلى أن هذا القرار اتخذ عقب عدة لقاءات مع أعضاء مجلس إدارة الشركة وفاعلين اقتصاديين بولونيين، وأوضح، في تصريح مماثل، أن الاستثمار الذي سينفد بشراكة مع مجموعة أو مقاولة مغربية يندرج في إطار جهود التنمية الاقتصادية التي انخرطت فيها المملكة بقيادة الملك محمد السادس.
وللدفع أكثر بالمشروع تبادل الطرفان الزيارات بحضور رئيس صندوق التنمية البولوني وصناديق خاصة أخرى لتوفير الاعتمادات اللازمة لتمويل هذا المشروع، وبإجراء أول زيارة استكشافية للمغرب ابتداء من مطلع سنة 2020.
وسبق لجريدتنا أن تناولت الموضوع في حينه من خلال اتصال بالسفير المغربي الذي أكد زيارة موقع بناء المصنع وشيكة، مشيرا إلى أن المجموعة البولونية عبرت عن إعجابها باستراتيجية المغرب للتنمية الاقتصادية، خاصة على مستوى الجهات الجنوبية، وشدد السفير على أهمية القرار الأمريكي الأخير، بخصوص الاعتراف بسيادة المغرب على كافة أقاليمه الصحراوية، في جلب الاستثمارات إلى الصحراء المغربية، مؤكدا أن العديد من الشركات الكبرى عبرت عن رغبتها في الاستثمار بهذه الأقاليم.
معرض مراكش الدولي للطيران يكشف خطط التسليح الذاتي
كشفت شركة “لوكهيد مارتن” المصنعة لطائرات إف 16، خلال معرض مراكش الدولي للطيران، أن المغرب يرغب في أن يقوم بتطوير طائرات هذا الصنف محليا بأياد مغربية، “على غرار ما تم القيام به خلال ورش تطوير طائرات ميراج إف 1، وطائرات إف 5”. ستمكن بذلك صفقة التطوير المعادلة لحوالي مليار دولار من استفادة الصناعة العسكرية المحلية من نقل للتكنولوجيا، يمكن تثمينها في المستقبل، لتطوير صناعة الطيران العسكرية بالمملكة.
وحسب الباحث عبد الحميد حارفي، فإن التسليح الذاتي من شأنه تعزيز الريادة المغربية إقليميا وقاريا، من خلال “حصول المغرب على قدرات قتالية من هذا النوع بتسليح من الجيل الحديث، يعزز مكانته كقوة إقليمية وقارية، ويمنحه القدرة على لعب دور محوري في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة والقارة، والمشاركة إلى جانب حلفائه الغربيين لمواجهة الأخطار المشتركة. وهو ما أكد عليه الكونغرس ضمن ما تم نشره، بالتذكير بالدور الذي لعبه طيران القوات المسلحة الملكية عندما كان مرابطا بالإمارات، في مواجهة “داعش” بالتراب العراقي والسوري، ضمن التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة. القوات المسلحة الملكية ستتمكن من الحصول على قدرات مهمة لحماية مصالح المملكة وحلفائها بالقارة الإفريقية”.
ويسعى المغرب إلى تصنيع قنابل ذكية يصطلح عليها “قنابل مجنحة” صغيرة القطر بمدى قد يصل إلى 100 كلم، ذات دقة عالية وصعب مواجهتها من قبل الدفاعات الجوية المعادية. هذه القنبلة سيصبح المغرب من خلالها سادس بلد مستعمل لها ضمن ناد صغير جدا من القوى العالمية يضم كلا من أمريكا، السعودية، إيطاليا وهولاندا. وستمكن هذه القنابل من تحييد الأهداف البرية الثابتة، مثل قواعد الدفاع الجوي بعيد المدى، دون أن تتمكن الدفاعات المعادية من مواجهتها”.
وبهذا سيضيف إلى ترسانته القتالية المكونة من أنواع متعددة من الصواريخ والقنابل الذكية، قدرات عالية مجربة في ساحات القتال، ستسمح له بتأكيد قوته العسكرية على المستوى القاري.
وكان الكونغريس الأمريكي قد وافق على نقل التكنولوجيا الصناعية للمغرب إذا استدعت الضرورة والتدخل لتكريس أمن واستقرار القارة ومواجهة التحديات الإرهابية، يضيف ذات المصدر.
باب المكينة.. أول مصنع للسلاح في المغرب
يعتبر باب المكينة بفاس من المعالم التاريخية العسكرية العمرانية العريقة بالمغرب والتي تحولت لمزار سياحي تشرف عليه وزارة الثقافة، ويشهد إقامة حفلات مهرجان فاس الدولي السنوي.
ابتداء من 1844 بدأ تنظيم الجيش المغربي على النمط الأوروبي واستيراد السلاح المتطور، من أجل تفادي تكاليف الاستيراد وذلك من خلال إنشاء مصانع للسلاح تقرر إنشاء مصنع أكثر تطورا بفاس.
كان السلطان محمد بن عبد الرحمان يمتاز بميولاته الثقافية والصوفية، حيث حرص على تأسيس أول مطبعة في تاريخ المغرب سماها المطبعة المحمدية، إلا أن ولده وولي عهده، الحسن بن محمد، كان يعتقد أن الثقافة لا تكفي وحدها لتقوية الدولة وأن السلاح هو الأساس، وحصل على ورقة بيضاء في هذا المجال من والده، لكنه لم يتمكن من تحقيق أمنيته إلا بعد أن أصبح ملكا على المغرب سنة 1873، فدخل في مفاوضات مع الحكومة الإيطالية التي أوجدت له الخبير “نوطير” وتم الاتفاق على إنشاء أول معمل للسلاح بفاس، ومعمل للرصاص في مراكش، ودام بناء المعملين ثلاث سنوات، ولو قدر للزائر أن يرى معمل السلاح بفاس وضخامة بنيانه لتساءل: هل يمكن لنا اليوم أن ننجز منشأة من تلك الضخامة في ثلاث سنوات، وتكون إنتاجاتها غزيرة؟
سافر مولاي الحسن الأول إلى دولة أوروبية من أجل عقد اتفاقيات عسكرية لشراء الأسلحة ونقل التقنية وهو ما كان يتوفر في إيطاليا، وتوج هذا الاهتمام في سنة 1886 وهو التاريخ الذي تم فيه الاتفاق بين المغرب وإيطاليا على إقامة مصنع للسلاح في فاس بخبرات إيطالية وإرسال بعثات عسكرية مغربية إلى إيطاليا.
وكان يشرف عليه ثلاثة مهندسين إيطاليين، تم منحهم جميع الامتيازات من مسكن ورواتب وإمكانية للتنقل، وبعد الكثير من الدراسات تم اتخاذ قرار بناء المصنع في رحاب القصر السلطاني على نهر فاس قرب موقع بوجلود، وكان المصنع من تصميم الكولونيل بريكولي وظل محاطا بسرية تامة، وبدأت أشغال البناء في 1889 وانتهت في 1893.
كانت الوحدة الصناعية تنتج مائة بندقية مع حربتها شهريا، ومصانع الرصاص تنتج 300 ألف رصاصة شهريا، وكان بمعمل السلاح بفاس جانب لضرب العملة.
لقد كان انشراح الحسن بن محمد كبيرا وهو يزور المعمل ويرى الخبراء الفرنسيين والإيطاليين منكبين على الإنتاج مستعملين اليد العاملة المغربية، وحتى يفوز لنفسه بشرف التاريخ، فقد أمر بأن يكتب على بوابة المعمل بالنقش “دار السلاح أنشأها الأمير مولاي الحسن”، تأكيدا على أن فكرة إنشاء ذلك المعمل كانت حلمه عندما كان أميرا وأنجزه عندما أصبح ملكا.
وحسب الأستاذ بنطلحة الباحث في العلوم السياسية، فإن التقنين خطوة مهمة نحو البدء في الصناعة العسكرية، مؤكدا أن الجيش المغربي يفكر في مشروع وطني للصناعة العسكرية المغربية، زيادة على الاهتمام بتطوير برامج البحث العلمي والهندسي، والعمل على تطوير قدراته العسكرية والأمنية على المستوى الأفريقي والدولي.
البندقية.. رفيقة المغاربة في رحلاتهم
يعود الفضل للصمود المغربي ضد الغزاة إلى استعمال البنادق. الروايات التاريخية، وحتى الصور التي التقطها الفرنسيون للأسرى المغاربة، تؤكد أن البنادق المستعملة من طرف المغاربة كانت كلها محلية الصنع، ولم يكن المغاربة يستعينون وقتها بأي بنادق أو أسلحة أجنبية. لكن بعض المؤرخين أكدوا أن تصنيع البنادق في المغرب كان تقليدا لطريقة عمل البنادق المستوردة التي ظهرت في المغرب لأول مرة. هذه النسخة المغربية من البنادق، كانت كفيلة بجعل المغرب يصمد أمام التدخل الأجنبي.
والمثير أن وسط هذه الحرب لم تكن الدولة المغربية تمول صناعة البنادق رغم أن الأخيرة ساهمت في الحد من التوغل الأجنبي داخل البلاد، بل على العكس، كان المخزن يفرض ضرائب على كل الذين تتوفر لديهم بنادق، وكان الكثيرون، خصوصا أصحاب الزعامات، يمتنعون عن أداء الضريبة للدولة، ويتوعدون بحمل نفس البنادق ضدها، إن استمر رجال المخزن في مطالبة الناس بأداء ضرائب لأنهم يتوفرون على بنادق لحماية أنفسهم.
الإقبال على البنادق، كما جاء في كتاب “تاريخ الضعيف”، كان كبيرا في الفترة التي كانت فيها مجاعات بعد سنوات من الجفاف. الإقبال على السلاح كان بسبب السطو على المخازن أو قيادة “الحركات” المتمردة ضد الدولة ما بين سنوات 1850 و1900. أي أن حوالي خمسين سنة، مرت كلها في الصراعات من أجل توفير الحبوب في مخازن القبائل، التي ورغم المجاعة الشديدة والجفاف، كانت مطالبة بأداء الضرائب للدولة، خصوصا في السنوات الأخيرة من أيام الحسن الأول وما بعد وفاته بفترة. هذا الأمر أدى إلى ارتفاع الطلب على السلاح، خصوصا وأن المال وقتها لم يكن ينفع في شراء الحبوب التي كانت منعدمة في السوق، فتوجه أصحاب المال إلى اقتناء الأسلحة لاستعمالها للحصول على الحبوب التي كانت مخزنة وهو ما جعل البلاد تعيش فوضى حقيقية.
المال لم يكن متوفرا للعوام، لكن الأعيان والزعامات، كانوا يتوفرون على احتياطي مهم من النقود، وقد دفعوها في تلك الفترة من أجل اقتناء البنادق للرجال لحماية حدود النفوذ. المستفيد لم يكن إلا صانعو البنادق، فيما تضرر الجميع من انتشارها في كل مكان.
يقول أحد مؤرخي بريطانيا أيام إدوارد السابع في رسالة أهداها إلى القصر بمناسبة رحلة له لاستكشاف شمال إفريقيا، بتشجيع من الدولة بعد أن حصل على منحة لهذا الغرض: “أحس أني تورطت في زيارة المغرب. لأيام طويلة لم أستطع مغادرة طنجة وفكرت في العودة إلى المركب لاستكمال الرحلة نحو الجزائر ومصر، حتى لا أضيع المزيد من الوقت هنا. أخبروني أنه يستحيل أن أتقدم خارج طنجة في اتجاه العاصمة رغم أنهم يتوفرون على الخيول. لا يمكن السفر في العربة هنا لأنهم ببساطة لا يتوفرون على عربات وحتى لو أحضرت معي واحدة فإنها ستتعرض لطلقات البنادق لأنها جسم غريب بالنسبة لهم. سيطلقون النار على العربة ويسرقون الخيول. لقد التقيت أحد الفرنسيين هنا، وتحدثت معه وأخبرني أن قطاع الطرق أصبحوا يتوفرون على البنادق، وأنهم يستهدفون حياة الأجانب بشكل كبير. أخبرني أن السفر داخل المغرب دون تنكر في لباس تقليدي، يعد انتحارا حقيقيا، لأن البارود سيستقر في صدر كل من يسافر عبر الطرق. لكني ذهبت إلى العرائش، وقضيت أسبوعا هناك، وتأكدت فعلا أن الطرق غير آمنة. في مدخل العرائش، رأيت بعيني كيف أن كل الرجال الذين كانوا يمتطون الخيول، كانوا يحملون بنادق على أكتافهم”.





