حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

عالم الجينات

بقلم: خالص جلبي
بقدر ما كانت افتتاحية فيلم «جوراسيك ـ بارك JURASIC PARK» مثيرة ومسلية، بقدر ما كانت خاتمته كارثة كاملة وفاجعة تدعو إلى التأمل؛ عندما أطلت هذه الأوابد (الديناصورات) التي انقرضت قبل 66 مليون سنة من ظهر اليابسة، وكأنها البناية الكبيرة المتحركة، تهز الأرض بوزن يزيد على 50 طنا وبطول يتجاوز 10 أمتار.
فيلم يخرج إلى الوجود حيوانات خطيرة تنفلت من أقفاصها بين الناس، تبطش ببعضها البعض وتفترس الناس، ذات هيكل مرعب ودماغ صغير قاصر، بأنياب بطول 18 سنتيمترا، وأظلاف أحد من مشارط الجراحين، وبوثبات تذكر بحيوان الكنغارو الأسترالي.
مخرج الفيلم (ستيفن سبيلبيرغSTEVEN SPIELBERG) راعته الحكاية الجديدة والإمكانيات التي تفوق الخيال في قصة الجينات (البروغرام الوراثي) في خلية كل كائن حي، والتي تشبه البذرة في الثمرة، فأقام العمود الفقري للفيلم على هذه الفكرة، ولكن قبل الوصول إلى طرافة عقدة الفيلم والعتبة الجديدة التي يخترقها علم الجينات، علينا أن نعرف ما هي الجينات أولا؟
في الستينات من القرن الماضي استطاع الثنائي العلمي (واطسون ـ كريك) أن يصلا إلى كشف يعتبر ولعله الكشف البيولوجي الأهم في القرن العشرين أن الكائنات الحية ومنها الإنسان تحافظ على نفسها، وتكرر وجودها من خلال خريطة هندسية سرية في غاية الدقة والخفاء والتعقيد، قد حُفظت في خزانة أمينة مقاومة، لا تصل إليها أيدي اللصوص والعابثين؛ فأما الخزانة فهي نواة كل خلية، وأما الشيفرة السرية للخلق (CODE) فهي وثيقة مكتوبة بلغة لا تشابهها أي لغة في العالم، ولا تقترب منها لا النقوش المسمارية ولا اللغة الهيروغليفية لقدماء المصريين.
والحروف المستخدمة لهذه اللغة السرية مكونة من أربعة حروف فقط، ومن هذه الحروف الأربعة تكتب اللغة الجديدة، وهذه الحروف الأربعة هي تراكيب عضوية لأربعة أحماض أمينية هي (السيتوزين والغوانين والثيميدين والأدينين ATCG)، فإذا أردنا ترميز هذه الأحماض الأمينية الأربعة بأربعة حروف كانت: (الألف والسين والجيم والتاء ـ أ .. س .. ج .. ت ..)، ومن تتابع هذه الحروف تتشكل كلمات الخلق الجديدة، ففي نواة الخلية يوجد مجلد ضخم مكون من 500 صفحة من تتابع هذه الحروف المبهمة (ا ا س ت ج ت ت ت ج س س ا ج ج س س ت س ا) التي تشكل لغة الخلق الكاملة، وبواسطتها تتشكل كل تراكيب البدن؛ من لون القزحية في العين، ولعاب الفم، وتراكيب الهورمونات، وتنوع مكونات بلازما الدم، وتباين الأنسجة، وإفراز الأنزيمات وهكذا.
وبالنسبة إلينا فإننا لا نفقه شيئا من هذه اللغة التي تنساب بدون فاصلة وهمزة أو إشارة تعجب، ولكن الخلق المستمر يمشي على هذا التتابع والنظم، وكل شيء يتشكل في جسم الكائنات، سواء كانت تفاحة أو ذبابة، بعوضة أو جرثوم، إنسان أم حيوان، فإن خريطة تكوين كل شيء فيه ترجع إلى اللوح المحفوظ الداخلي، الذي يملي أوامره حسب الحاجة في إصلاح أي عطب، أو إنجاز أي تركيب، أو ترميم أي نقص.
هذه الخريطة السرية المحفوظة بعناية فائقة داخل نواة كل خلية (وعدد خلايا الجسم في المتوسط حوالي 70 مليون مليون خلية) قد لُففت ووضعت على شكل خيط رفيع ملفوف بشكل (كبة)، وهذا الخيط الرفيع نفسه إذا نظر إليه تحت المجهر المكبر يبدو بشكل خيطين متجاورين يمتدان بنفس الطول والاستقامة، بجانب بعضهما البعض، فهما مثل عمودي السلم الذي تمسكه في الوسط (الدرجات)، ولكنه قد لف بشكل حلزوني، مثل مصاعد وسلالم البنايات العالية الداخلية.
هذا السلم هو في الواقع أشبه بعمود نبات سكر القصب، أي الحلقات المتصلة ببعضها البعض، وهي في الخلية كل حلقة مقابل حمض أميني (نووي)، وهكذا يتتابع ترابط وتسلسل الأحماض الأمينية ليمتد إلى حوالي ثلاثة مليارات هي كامل الخريطة الهندسية السرية المحفوظة للإنسان، وهي في بقية الكائنات أقل فقد تصل في البكتيريا إلى بضع آلاف فقط (ومثلا فقد أعلنت مجلة «صورة العلم» الألمانية في عددها العاشر عام 1995 م عن فك الشيفرة الكاملة لـ«جرثوم الإنفلونزا الدمويةBACTERIUM HAEMOPHILUS INFLENZA»، وتبين أنها تتكون من (1,8) مليون حامض أميني (نووي)، وتتكون من 1743 جينا (كلمة كاملة)، وهم في طريقهم إلى قراءة النص الكامل للوح هذا الجرثوم، فالكثير من الجينات ذات وظيفة مجهولة).
والآن إذا نظرنا إلى التكوين الكامل للكائن الحي فإنه خليط مرعب من التراكيب، معقد في غاية التعقيد، ولكن المسؤول عن تكوين كل شيء، أو تعويض أي نقص، أو إصلاح أي عطب من عضلة أو عصب أو هورمون، فإن أمره يعود إلى الخريطة الهندسية الأولى الموجودة في نواة الخلية، التي تتربع على العرش تعطي الأوامر. ويحدث كل هذا وفق اللوح المحفوظ، أي التركيب الكامل لكل شيء في البدن، فالمليارات الثلاثة من الجينات هي كلمات الخلق الأساسية، وكل مجموعة من عدد محدد من الأحماض الأمينية الأربعة التي ذكرناها هي شيفرة خاصة بإنجاز محدد؛ فقد نرى (ا ا ا ت ت س ج س ج س ج س ت ت ت ج س س س)، وتعني هورمونا ما مثل الأنسولين المسؤول عن حرق السكر، أو التستوستيرون، الهورمون المسؤول عن الذكورة لدى الرجال، أو تركيب الكوليسترول (شحم الدم) وهكذا.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى