
حسن البصري
عندما أيقن خير الدين زطشي، رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، بأن الهزيمة في مؤتمر الكونفدرالية الإفريقية قدر محتوم، هتف في حنق شديد: «الخيانة يا جزائريين»، فنظمت على شرفه صحيفة الشروق حوارا صحفيا وزع فيه الاتهامات على معارضيه ووزير الرياضة الجزائري. وبرر مسببات انسحابه من سباق الانتخابات وكيف فاز رئيس الاتحاد المغربي فوزي لقجع بكرسي الفيفا في غفلة منه، فتبين أن ممثل الجزائر يرفض الخسارة الخارجية ويرضى بمنتهى الإذلال بهزيمته الداخلية.
غضبت حكومة الجزائر من زطشي، الذي غادر الرباط منسحبا مهزوما مكسور الوجدان، فكل ما فعله في المؤتمر الاعتراض على التقرير المالي، فقط لأن لقجع هو رئيس لجنة المالية في الكاف. ثار وزير الرياضة في وجه «خير» الدين وعاتبه في رسالة شديدة اللهجة على المغامرة الانتخابية، قائلا: «اعلم أن المشاركة في مثل هذه المواعيد، تتطلب تحضيرات ومشاورات مسبقة لتقييم فرص النجاح، خاصة وأن هذا الأمر لا يخص شخص المترشح فقط، بل يخص مصداقية الجزائر دوليا»، وذكره الوزير بأهمية المنصب وقال إن دخول معترك الانتخابات للحصول على عضوية الفيفا يتطلب تعبئة الجهاز الدبلوماسي الجزائري، سيما وأن المنافسة كانت من مصر والمغرب.
بعد عودته إلى الجزائر مهزوما، أعلن زطشي عن استعداده لتقديم تصريحات بتخفيضات غير مسبوقة، فتفرغ لقراءة توصيات المؤتمر بحثا عن ثقوب في الجدران، وحلل الأسماء والأفعال فتبين له أن كل اسم مرشح له فعل قاده إلى المنصب، واكتشف أن له حرف جر يسحبه بعيدا عن مناصب القرار القاري والعالمي كلما اقترب منها.
“لا شيء أصعب من الهزيمة إلا الخذلان”، هذه العبارة يحفظها المهزوم عن ظهر «كلب»، ينبح بها ويزيد في التفاصيل حين يقول إن الهزيمة من توقيع الأعداء والخذلان يصنعه الأصدقاء. لكن رئيس الاتحاد الجزائري يؤمن بأن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فانتدب محاميا وشرع في مقاضاة كل من سخر من انسحابه الذي لا يختلف كثيرا عن انسحاب فيلق انفصالي من الكركرات.. الدق تم.
يريد خير الدين زطشي، رئيس الاتحاد الجزائري، أن يحتفل بهزيمته النكراء، محاولا في حواراته أن يوهم الجزائريين بأن التوافق بدعة، وأن توزيع الكعكة جنحة، وأن «بروتوكول الرباط» من فعل فاعل مرفوع، فكشر عن أنيابه وغمرت محياه تقاسيم الحزن واعتقل في جفنيه صبيب دمع ساخن، ثم نسي نصيحة مستشاره الذهني «المهزوم إذا ابتسم، أفقد الفائز متعة الفوز».
كاد الرئيس المهزوم أن يصدر بلاغا بنبرة عسكرية، يكشف فيه عن تفاصيل المعركة حين يقول: «لقد أتيناهم من حيث أمرنا عساكرنا وترصدنا لهم ونصبنا لهم الكمين تلو الكمين لكنهم أفلتوا منا، لكن جهات داخلية قطعت عنا الدعم والذخيرة»، كان على الرجل أن يحضر المؤتمر بزي عسكري وعلى صدره نياشين معارك انتصر فيها باعتراض تقني.
في سلم الهزائم ثمة هزيمة لا نملك حيالها الشيء الكثير سوى الاحتراق كالحطبة اليابسة، وخسارة قابلة للابتلاع بجرعة ماء، فقد سئل ممثل الجزائر حين وطأت قدماه مطار هواري بومدين عن سر تصويته لصالح القانون الذي يمنع الأقليات غير المنضوية تحت لواء منظمة الأمم المتحدة من خوض المنافسات الكروية في القارة الإفريقية، تلعثم وقال إنه امتنع عن التصويت.
ضرب «خير» الدين كفا بكف وهو يسمع موتسيبي الجنوب إفريقي يضع يده في يد لقجع ويشيد بتطور الكرة المغربية، ويدعو المجتمع القاري لتنزيل التجربة المغربية في تربة إفريقيا. كان ممثل الجزائر يعتقد أن موتسيبي سيضمه إلى دائرة القرار كما وعده، لكنه لم يفعل فانسل خارج القاعة ليبتلع قرصا حيويا مضادا ويعود إلى قواعده متسللا تحت جنح الظلام خوفا من حراك كروي يردد على مسامعه لازمة «زطشي ارحل».
الهزيمة يتيمة لكن النصر له ألف أب يعملون في مجال الإعلام لذلك ظل يعتقد أن الانتفاضة سوف تلد مذيعا.




