
إسطنبول: نعيمة لحروري
في السياسة، كثيرا ما يتحول القمع إلى وقود يشعل شعبية المعارضين، ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسير على خطى الرئيس السينغالي السابق ماكي سال، الذي حاول إسقاط خصمه عثمان سونكو بالاعتقال والمحاكمات، لكنه انتهى إلى تسليم السلطة لرجل من معسكر سونكو.
اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أبرز منافسي أردوغان، جاء بتهم الفساد والتلاعب بالمناقصات وتزعم منظمة إجرامية.
هذه التهم تبدو وكأنها سيناريو مكرر لما واجهه سونكو في السينغال، الذي بدأ مشواره كمنافس قوي، وانتهى خلف القضبان بتهم وُصفت بأنها سياسية، ما أدى إلى موجة احتجاجات ضخمة أطاحت عمليا بماكي سال، بعدما فاز مرشح سونكو، ديوماي فاي، بالرئاسة.
ما يجعل قصة السينغال درسا شديد الأهمية لتركيا هو أن القمع السياسي لم يُضعف المعارضة، بل زادها شعبية وجعلها أكثر تنظيما.
وعندما حاول ماكي سال إقصاء سونكو عبر القضاء، انتهى الأمر بأن الشعب صوت لصالح خليفته، الذي كان هو الآخر معتقلا، في مشهد سياسي غير مسبوق.
إمام أوغلو، مثل سونكو، شخصية شعبية صعدت بسرعة في مواجهة نظام مستقر لسنوات طويلة. وطريقة اعتقاله، مصحوبة بقيود على وسائل التواصل الاجتماعي، تعكس مخاوف أردوغان من التأثير الإعلامي لقضيته. لكن ما يغفله أردوغان، ربما، هو أن مثل هذه الخطوات قد تصب في صالح إمام أوغلو، كما حدث مع سونكو، الذي وظف الاضطهاد السياسي لتحويله إلى مكاسب انتخابية.
ورغم التشابه في الأساليب، يظل هناك فرق جوهري: في السينغال، كان هناك حد أدنى من احترام المسار الديمقراطي سمح للمعارضة بإيجاد بديل.
أما في تركيا، فالمشهد أكثر تعقيدا، حيث يسيطر أردوغان وحزبه على مفاصل الدولة، ما قد يجعل المواجهة أشد شراسة وأطول زمنا.
ومع ذلك، إذا استمر الضغط على إمام أوغلو وتحول إلى رمز للمظلومية السياسية، فإن شعبية أردوغان قد تتآكل بشكل أسرع، تماما كما حدث لماكي سال. فالشارع الانتخابي لا ينسى بسهولة، وكثيرا ما تكون صناديق الاقتراع هي الرد الأكثر قسوة على الأنظمة التي تعتقد أن السجون تُسكت الخصوم.