الرئيسية

أفراح المقبرة

حسن البصري

شاءت الأقدار أن يلفظ عبد الوهاب سحيتة، اللاعب السابق للوداد البيضاوي وشقيق اللاعب الدولي عبد المجيد سحيتة، أنفاسه الأخيرة قبل «الديربي» بساعات، وهو الذي كان يمني النفس، في سجاله الكروي، بلقاء خال من الأحقاد.
وتشاء الصدف أن يدفن جثمان الفقيد بعد صلاة عصر يوم الأحد في مقبرة «الشهداء»، في جنازة «وي كلو»، بسبب تزامن الدفن مع مباراة الوداد ضد الرجاء. كانت أصداء هتافات مرتادي المقهى المجاور تصل إلى مسجد المقبرة حيث صلى ثلة من الوداديين وقليل من الرجاويين على جثمان الراحل، قبل أن يوارى الثرى.
اعترف كثير من الحاضرين بانفلات تركيزهم وضعف منسوب الخشوع، حين يتسلل صراخ الوداديين والرجاويين من المقهى إلى المسجد، خاصة وأن المباراة كانت تعيش على إيقاع الإثارة.
كل نفس ذائقة الموت إلا «الديربي» فهو حي يرزق، في مقبرة «الشهداء» يرقد وداديون ورجاويون ومقاومون في معارك الغريمين، هناك يسكن مؤسسو الفريقين إلى جانب لاعبين ومدربين صنعوا الفرجة وغادرونا إلى دار البقاء. غير بعيد عن قبر ظلمي دفن عبد الوهاب، وفي ممر مجاور يرقد بيتشو ومكوار والأب جيكو وغيرهم من الأسماء التي تخلصت من ألوان الكرة وانتهى بها الأمر جثة ملفوفة في كفن أبيض.
على امتداد الممر المؤدي إلى مكان الدفن، كان حديث «الديربي» حاضرا بين المشيعين، حتى حفارو القبور كانوا يسألون عن نتيجة مباراة تهم الأحياء قبل الموتى، وحين لفت أنظار المشيعين قبر طلي باللون الأخضر اندلع جدل الألوان قبل أن يجزم الرجاويون بأن الأخضر يغطي الجثامين قبل الأكفان.
هنا يمتزج الحديث عن الرعب بالماورائيات والميثولوجيا والتاريخ والجغرافيا، وبالرغم من قدسية الفضاء وهدوئه يخرج البعض عن النص، فيعبث بالتقاسيم الصارمة والوجوه الحزينة ويستعير لها قناع السخرية، وحين تواجهه نظرات الاستهجان يذكر بلازمة «اضحكوا فإن القبور مأوانا».
قبل أن يغادر المشيعون المقبرة، داهمهم الحفارون ومساعدوهم وكتاب الشواهد وعمال النظافة والمتسولون والمشجعون الذين لفظهم الملعب، تعالت الابتهالات والدعوات للأحياء قبل الأموات، بينما كان الجميع يعيشون حالة فرح صادرها فضاء المقبرة، إنها الفرحة بـ»ديربي» بلا غالب ولا مغلوب.
شاءت الأقدار أن يسلم المعطي بوعبيد، الرئيس السابق للرجاء البيضاوي، الروح لبارئها ليلة مباراة «الديربي» البيضاوي، المواجهة التي كان يتحاشى متابعتها ميدانيا ويحرص على سماع نتيجتها بعد أن يعلن الحكم عن نهايتها. في ليلة الفاتح من نونبر 1996، لفظ المعطي آخر أنفاسه، وفي اليوم الموالي كان الجميع على موعد مع «ديربي» في المقبرة. بعد انتهاء مراسيم الدفن بمقبرة سيدي مسعود، توجه المشيعون صوب مركب محمد الخامس، ولأول مرة في تاريخ «الديربي» اتفق جمهور الفريقين على قراءة الفاتحة على روح الفقيد.
في تلك المباراة، حضر مدرب الوداد رفقة اللاعبين وتوجهوا صوب المنصة لتقديم فروض العزاء للمسيرين ونجل الراحل، قبل أن يتوجهوا للملعب من أجل حصة الإحماء في مشهد اقشعرت له الأبدان.
يذكر الوداديون والرجاويون لقاءهم في مقبرة بالقنيطرة في اليوم الموالي لـ«ديربي» لفظ فيه اللاعب يوسف بلخوجة أنفاسه الأخيرة، بين القبور تطايرت شظايا الوعود بين مباراة تضامنية عالمية وبين تخصيص ريع القمة البيضاوية لعائلة الراحل، وبين رصد راتب شهري مدى الحياة لوالد الفقيد. تبخرت الوعود عند القبور، بل إنها دفنت مع الراحل في مثواه الأخير. كلما زار الوالد قبر ابنه يوسف همس عند شاهده قائلا: «نم قرير العين، إنهم يكذبون على الأموات والأحياء».
غير بعيد عن مقبرة «الشهداء» يوجد ملعب الصخور السوداء يزعج بصخبه الموتى، وبمحاذاة مع ملعب «تيسيما» في سيدي عثمان تصادفك مقبرة سباتة، وقرب ملعب «العبدي» بالجديدة تمتد مقبرة سيدي موسى، إنها الصدف التي تجعل الموتى ينصتون لنبض الكرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى