الرأي

أمريكي في غرفتي

وسيم أشقر طويل. اسمه دجون، يصغرني بعشرة أشهر ويناديني بـ «Petite soeur»، جاء ليمكث معنا بضعة أشهر للتعرف على عائلة مغربية وشعب المغرب وثقافته. أتذكر اليوم الأول الذي دخل فيه بيتنا، أول شيء قام به قبل ترتيب ملابسه في الدولاب هو وضع مجموعة من الصور على المكتبة الصغيرة في الركن، يظهر فيها جون يعانق فتاة جميلة قال دون أن أسأله إنها خطيبته. اللئيم، لم يترك لخيالي فرصة التحليق بعيدا.
لا بد أنهم أخبروه أن العائلة التي سيمكث معها بها شابة في عمره. قررت معاقبته، كان يظن أنني سألتصق أو أغرم به. المسكين، في ظرف أسبوع سيجمع صور فتاته عندما لاحظ أن آخر شيء يمكن لي أن أفعله هو الاهتمام بشؤونه. لم أكن أبالي به، انتقاما لكبريائي أتعمد تجاهله، كان يصر على مناداتي بـ»أختي الصغيرة» وهو يتبعني في أرجاء المنزل، حينها أذكره أنني أكبره سنا وأنني لست أخته بعدها أجيبه على أسئلته. كان المسكين يتحمل مزاجي المتقلب طمعا في صداقتي وأخوتي: «اخرج من غرفتي أيها الأشقر.. ابحث لك عن مكان آخر تبيت فيه.. هذه غرفتي.. لا تدخلها..» تعلو وجهه وعنقه حمرة، وفي ارتباك واضح يبدأ المسكين في جمع أغراضه مرددا: داكوغ بوتيت سوغ» قبل أن ينتهي أكون قد غادرت البيت لتبديل الساعة. دعوته يوما إلى السينما، فجأة نشب خلاف وعلت أصوات شجار في القاعة، قفز دجون مذعورا، فطمأنته قائلة: اهدأ يا دجون لا توجد أسلحة نارية في المغرب. فارتاح.
تجول في المغرب شماله وجنوبه، ركض قرابة الساعة ـ دون انزعاج ـ للفرار من لص تربص به بسوق بطنجة، وباندهاش ولذة أكل الخبز المدفون مع الجمر في الرمل في الجنوب، درس اللغة العربية بجامعة القرويين، وبعدها قام بزيارة لجامعة الأخوين واستغرب عندما وجد الكل يتكلم الإنجليزية، حتى الحارس وعامل النظافة، فقال لم أكن محتاجا لا للعربية ولا للفرنسية، ورأيت هناك طلابا بسيارات جميلة باهظة الثمن.
قبل انقضاء السنة صار دجون يتكلم الدارجة بطلاقة وتعلم العربية الفصحى نطقا وكتابة، حتى أنه طلب مني يوما كيف يمكن له تعلم «المعاني: أن تقول كلاما وتقصد به شيئا آخر» فأجبته أنا وصديقتي دفعة واحدة: خاص يكون دمك مغربي. ظل دجون يزور بيتنا للاطمئنان على العائلة وخصوصا والدتي التي كانت تربطه بها علاقة «أم بابنها»؛ بعدها عرفنا على عائلته الصغيرة التي جاءت في عطلة.
قبل أن يغادر دجون المغرب جاء لتوديعنا، نزل الدرج دون أن يدير ظهره لأمي، يلوح لها بيده والدموع تنغمر من عينه وعينها.
في آخر حديث لي معه، سألته إن كان سيصحب معه «حبيبته»: واش غاتدي معاك صحبتك لمريكان؟ فأجاب بالحرف: سوف أراسلها. أنا لا أعرف لماذا يريد أغلب المغاربة الذين صادفتهم الهجرة الى أمريكا.. المغرب بلد جميل.
كم كنت محقاً يا دجون. فعلا المغرب بلد جميل. لكن… وأمريكا أيضا جميلة. لكن… تا زين ماخطاتو لولا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى