أولوية الأولويات
أعلنت مذكرة جديدة للمندوبية السامية للتخطيط عن تسجيل ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ11.7 في المئة، بالإضافة إلى الارتفاع الذي هم على الخصوص أثمان «المحروقات» بـ0,5 في المئة، بينما يواصل التضخم اتجاهه الوحيد نحو الارتفاع مسجلا زيادة بـ5.4 في المئة في سنة، وهذه وغيرها بعض من المؤشرات التي قد تمهد لسنة غذائية أصعب من التي سبقتها في مجال الأسعار، خصوصا في حالة استمرار التقلبات المناخية التي أصبحت معطى هيكليا يتحكم في مستوى منتوجنا الفلاحي، ولهذا فشعور الأسر المغربية بالذعر والتوجس من المستقبل المجهول له ما يبرره، لأن الإنتاج السنوي للمواسم الزراعية وارتفاع سلاسل الانتاج العالمية لا يُمكن البلاد من التكيف الفوري والناجع مع الوضع رغم كل المجهودات الاستثنائية المتخذة من لدن الحكومة.
إن الأمن الغذائي وتوفير الاكتفاء الذاتي من الغذاء وتحقيق استدامة موارده ومعقولية أسعاره، ينبغي أن تكون أولوية استراتيجية ثابتة بالنسبة للحكومة خلال السنة المقبلة. ولا نبالغ إذا قلنا أن أهم أولوية بالنسبة للمواطن في ظل هذا السياق الصعب الذي نعيشه منذ أربع سنوات ليس هو تشييد البنية التحتية أو تصحيح مسارات بعض القطاعات ذات التركة الثقيلة، بل هو تأمين مائدة المواطن اليومية وبأسعار مقبولة، أما هدف تحقيق المواطن لأمنه الصحي والتعليمي فذلك أصبح من الكماليات.
وما ينبغي أن تستوعبه الحكومة جيدا أن الأجندة المتخمة بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي أعلنتها، لا يجب أن تصرف النظر عن الأولوية الغذائية غير القابلة للتردد في ظل ظروف عالمية متوترة وتقلبات مناخية تفرض نفسها بقوة. نقول هذا الكلام لأنه مرتبط بالاستقرار الاجتماعي للبلد ولا يمكن أن يكون موضوعا ثانويا في أجندة الحكومة.
وربما لا يشعر بعض أعضاء الحكومة والمسؤولين بناء على أوضاعهم المالية المريحة، بأن مخالب الأزمة انغرست في جسم المواطن وأن الأزمة بدأت تتمدد سنة بعد أخرى داخل أطباق الطعام أمامهم، ويكفي أي مسؤول أن يدخل فجأة بيتا من بيوت أسر مغربية كثيرة من محدودي الدخل حتى يستطيع الوقوف على المعنى الحقيقي للأزمة، وكما قال الصينيون قديما «الطعام سماء للشعب»، وهذا يعني أن توفير الطعام هو الحاجة الأساسية اليوم، وكل ما سواه لنا الوقت لاستدراكه مستقبلا.