شوف تشوف

الرأي

احتيال في الملاعب

حسن البصري
وقع المغرب، أول أمس الاثنين، على اتفاقية تتعلق بالتلاعب بالمسابقات الرياضية المعروفة باسم «اتفاقية ماكولين»، والتي تعد آلية قانونية دولية غايتها منع وكشف ومعاقبة التلاعب بالمسابقات الرياضية، وتعزيز التعاون بين الهيئات العمومية المعنية والمنظمات الرياضية والفاعلين في مجال الرهانات الرياضية.
لأول مرة يوقع ديبلوماسي مغربي في شخص شكيب بن موسى، سفير المغرب في فرنسا، اتفاقية ذات بعد رياضي، حيث تعهد نيابة عن الرياضيين المغاربة، أمام الحقوقي بيورن بيرغ، نائب الأمين العام لمجلس أوروبا، بتطهير المشهد الرياضي. ولأول مرة ينوب ديبلوماسيان وهما بن موسى وإدريس القيسي، قنصل المملكة في ستراسبورغ، عن مسؤولي الرياضة المغربية في تعهد تاريخي بنظافة الذمة في الملاعب.
يتضح أن قضية التلاعب بنتائج المباريات أصبحت شأنا للديبلوماسية المغربية، التي لا تتردد في غسل وجه الرياضة المغربية كلما سمحت الظروف بذلك، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي أصبح واعيا بأن المتلاعب في الملاعب لن يتردد في التلاعب بالشأن المحلي.
يجمع بيورن بيرغ بين السياسة والرياضة وحقوق الإنسان، لكنه يؤمن بأن الأيادي النظيفة لا تتغير في كل المجالات، وفي مناظراته ظل بيرغ يؤكد أن الذي يتلاعب بنتيجة مباراة قادر على التلاعب في الصفقات وفي الانتخابات وفي حياته الخاصة.
قال بيرغ في مناظرة الإسكندرية قبل الجائحة، إن الحكومات مطالبة بتبني قضايا حقوق الإنسان والعمل على تنظيف كل القطاعات حتى التي تبدو للبعض مجرد ترف أسبوعي، خاصة في ظل اجتياح الكرة للحياة الخاصة للبشرية جمعاء، وأصبح بمقدور مباراة «كلاسيكو» بين الريال و«البارصا» أن تؤجل اجتماعا لرؤساء الدول، وبات من السهل تحويل رأس مواطن إلى كرة قابلة للتلاعب بها.
انتظرنا بلاغا في الموضوع من القطاع الرياضي، فكانت القنصلية العامة للمملكة بستراسبورغ سباقة إلى إصدار بلاغ، قالت فيه إن «التوقيع على هذه الوثيقة كفيل بتمكين المغرب من تجديد التزامه بالمساهمة في الحفاظ على قيم الأخلاق والنزاهة، وكذا تمسكه بتطبيق مبادئ الحكامة الرياضية الرشيدة».
تنص «اتفاقية ماكولين» على حزمة واسعة من الآليات المعيارية والتطبيقية المقسمة على تسعة فصول، والتي تتعلق بالوقاية، الزجر، التعاون الدولي وتبادل المعلومات، مع رصد آليات للتتبع والتقييم.
حبذا لو خضع أعضاء لجان الأخلاقيات لدورة تكوينية من أجل تنزيل حقيقي لآليات التصدي لـ«احتيال الملاعب»، حتى لا تصبح الاتفاقيات مجرد حبر على «مرق».
دخلت هذه الاتفاقية، التي تشكل المعيار الوحيد للقانون الدولي في مجال التلاعب بالمسابقات الرياضية، حيز التنفيذ في الفاتح من شتنبر 2019. وقد جرى التوقيع عليها من طرف دول عديدة، رغم أنها تزامنت مع مناخ الجائحة، لكن لا أحد من أعضاء لجنة الأخلاقيات يعرف مضمونها وأسباب نزولها.
ومن المفارقات العجيبة أن يشارك مسؤول رياضي مغربي في أشغال اللجنة الدولية لمحاربة الفساد الرياضي بمدينة ليون الفرنسية، ويقدم إلى جانب مدير العصبة مداخلة حول التجربة المغربية في مكافحة فساد الكرة، وحين انتهى من خطبته العصماء علم أن فضيحة تلاعب قد تسربت غير بعيد عن معقل فريقه، فابتلع لسانه وقال لرفيق دربه: «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا».
قبل أن نجهز أسطول تطهير الملاعب من الكائنات الفاسدة، علينا أن نعيد النظر في مكونات لجان الأخلاقيات، ونحدد معايير الانتماء إليها وندعم استقلاليتها، حتى لا تصبح مجرد «مضاف إليه» في المنظومة الرياضية.
كل من تتبع فيلم «احتيال في الملاعب» سيقف على مافيا أخرى فاقت في سطوتها أكبر مافيات الإجرام، وسيعرف أن كرتنا ما زالت تحت سيطرة سياسيين فوضوا سماسرة لبيع وشراء وكراء الذمم، أثناء البطولة وفي الانتخابات.
لقد اخترع أديسون المصباح الكهربائي واخترع غراهام بيل الهاتف، لكن لابد من الوقوف لتحية مخترع المكنسة والمشط والمصفاة.
إلى أن يتم تنزيل توصيات الاتحاد الأوروبي، أنصحكم بممارسة لعبة البلايستيشن، الرياضة الخالية من التلاعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى