الافتتاحية

اعتقال احتياطي

كشف تقرير حديث للمندوبية العامة للسجون أنه مع نهاية سنة 2018، سجلت سجون المملكة وجود 83 ألفا و757 معتقلا، منهم 51 ألف شخص محكومون بشكل نهائي، و32 ألفا معتقلون احتياطيون. وإذا كان حجم الاعتقال يبدو عاديا، ولا يصل حتى إلى المعدلات المعمول بها عالميا، فإن الرقم الرهيب الذي كشفت عنه مندوبية التامك بخصوص الاعتقال الاحتياطي يطرح أكثر من علامة استفهام حول نجاعة السياسة الجنائية المتبعة، والتي تجعل أكثر من 40 في المائة من المعتقلين غير محكوم عليهم، يلتهمون ميزانية الدولة ويرفعون نسبة الاكتظاظ إلى 1,89 متر للسجين ويساهمون في وقوع انتهاكات تطول حقوق السجناء، والتأثير سلبا على ظروف إيوائهم وتحمل الموظفين سواء المكلفين بالجانب التربوي أو الحراسة، ناهيك عن أنه يشكل أهم المعيقات التي تواجه المجهودات المبذولة من قبل الإدارة المكلفة بالسجون، من أجل تحسين أوضاع وظروف عيش السجناء.
ويبدو واضحا من خلال أرقام المندوبية أن الاعتقال الاحتياطي لم يعد تدبيرا استثنائيا سالبا للحرية، يتجسد في وضع بعض المتهمين بالسجن بسبب غياب ضمانات حضورهم، بل أصبح قاعدة عامة وسلوكا ممنهجا بسبب الإفراط في ممارسة سلطة الاعتقال الاحتياطي اتجاه أشخاص لم تثبت إدانتهم بعد وقد تظهر براءتهم، بينما الغرض من توقيفهم هو مجرد تقييد حريتهم لمنعهم من الهروب أومن التأثير على مجرى التحقيق ولحماية المجتمع.
صحيح أن قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق يلجؤون لمسطرة الاعتقال الاحتياطي تحت الإكراه، حيث لا يتوفر القضاة في الوقت الراهن على أساليب ناجعة تحل محل الفصل 159 من المسطرة الجنائية، من شأنها أن تكفل في آن واحد تحقيق المعادلة الأمنية الوقائية، أي تحقيق الحفاظ على الأمن الاجتماعي، وتحقيق الظروف اللازمة لضمان السير السليم للبحث الجنائي، والمحاكمة العادلة المنصفة. لذلك فإن معظم القضاة ووكلاء الملك يعتبرون أن الاعتقال الاحتياطي أقل الأضرار التي تضمن تطبيق العدالة في غياب سياسة جنائية ونصوص قانونية حديثة تشجعهم على اتخاذ تدابير أخرى.
إذن المعضلة الحقيقية توجد في بنود القانون وليس في أحكام القضاة.. بين دفتي السياسة الجنائية وليس في خبايا القرارات القضائية.. والغريب في الأمر أنه منذ ست سنوات ومشروعا القانون الجنائي والمسطرة الجنائية تائهان بين الأمانة العامة ووزارة العدل ولجنة العدل والتشريع بمجلس النواب دون أن يجدا طريقهما للولادة. وبدل أن يسارع الفاعل البرلماني والحكومي إلى إخراج هاته القوانين التي تتضمن آليات وعقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية، يفضل ممثلو الأمة تصفية حساباتهم السياسية بإقبار القانون الجنائي الذي يتضمن عقوبات بديلة بسبب مادة وردت في مقتضياته تجعل ثرواتهم تحت المجهر وسيف من أين لك هذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى