الرئيسيةصحة نفسيةن- النسوة

الارتباط بين الطفل والأم أمر فطري أم مكتسب؟

بحسب بعض المحللين النفسيين، فالطفل هو الذي يخلق والدته. يتكيف معها، وتتكيف معه. وهي ظاهرة عالمية وحيوانية، لكنها لا تخلو من ازدواجية.

لشرح التطور النفسي والعاطفي للطفل، يتم التأكيد على دور التعليم، لكن هل توجد أيضا قدرات ارتباط فطرية؟

 

إعداد: منية الدلحي

 

يشرح البروفيسور سيرج ليبوفيتشي الأمر بالقول إنه من الواضح أن الحيوانات تلتصق غريزيا بأمهاتها لحماية نفسها من الحيوانات المفترسة والأخطار الخارجية، والشيء نفسه بالنسبة للبشر. وكان فرويد لاحظ بالفعل أن التعلق بالأم يطيع برنامجا فطريا. فبشكل غريزي، يذهب الطفل إلى ثدي الأم، وبعد ذلك، عندما تبتعد الأم عنه يعيد تكوينها في شكل «مهلوس» بمص أصابعه، على سبيل المثال، ويجد كل ما يرضي المصاحب للثدي المفقود.

بعد الحرب العالمية الثانية، طور المحلل النفسي الإنجليزي جون بولبي نظرية الارتباط التي لا تزال تشير إلى أنها ستأتي من دافع أساسي. وبالفعل، فإن الطفل الذي يوضع بين ذراعي أمه يلتف على صدره بطريقة منعكسة. وردا على ذلك، يحدث ارتفاع مبرمج في الحليب فيها.

هل التعلق إيجابي دائما؟

يؤدي التعلق إلى خلق جو من المساعدة المتبادلة، لكن من الصحيح أنه يمكن أيضا بناؤها على خلفية من انعدام الأمن والثقة. فعندما يكون التعلق متحديا، يبدو أن الطفل لا يفرق بين وجود الأم وغيابها، فعندما تعود لا يظهر أي فرح، كما لو أنها لم تغادر أبدا.

كيف تنتقل من التعلق إلى الحب؟

الحب ينشأ بالفعل من التعلق، لكنه شعور أكبر وأكثر تعقيدا يعتمد أيضا على التخيلات. هناك دائما شيء ما في الأم يدفعها، في الوقت نفسه، إلى حب طفلها وكرهه. في الواقع، هذا الحب يحدث قبل الولادة. وقبل أن يكون موجودا، يتم تخيل الطفل، في وقت مبكر جدا، على سبيل المثال، أعطته الأم الاسم الأول. تفكر في هذا الطفل بناء على تاريخ عائلتها والقصص التي سمعتها عن نفسها وزوجها ونسبهم معا.

لذلك فإن العلاقة الخيالية بين الأم والطفل تكون موجودة بالفعل، فعندما يولد الطفل هل يمكننا أن نقول أيضا إن مصيره «محدد» جزئيا؟

نعم، لأن الاسم الأول المخصص لها ليس محايدا أبدا. سيحدد مصيره جزئيا وهذا جزء مهم. ولكن، قبل كل شيء، يرث الطفل تاريخ والديه وأجداده، وبالتالي تاريخ نزاعاتهم الداخلية. وبمجرد أن تحمل المرأة، فإنها تتحمل دينا رمزيا لأمها، لأنها تطردها من مكانها الأصلي. وعندما تصبح أما بدورها، تخبرها ضمنيا «أمي، لن تكوني أما بعد الآن، ستكونين جدة». ينتقل هذا الدور من جيل إلى جيل، مع كل النزاعات الكامنة أكثر أو أقل منه. وهذا ما يسمى «الانتقال عبر الأجيال». وكلما زادت الصراعات نشاطا، زادت صعوبة الموقف. مثال، امرأة حامل لم تحل مشكلة أوديب الخاصة بها ترغب، في اللاوعي، في إعطاء طفلها لوالدها. لذلك يعتبر الجد من الأم هو الأب النفسي المتبني. وإذا مات أثناء الحمل، فالطفل في خطر، لأن الأم تحمل له كل المشاعر المتناقضة التي كانت تشعر بها تجاه والدها.

 

هل الارتباط بالأب من الطبيعة نفسها؟

في وقت مبكر جدا، يقدم الطفل تمثيلات مختلفة لوالديه. في الواقع، الاتصال الجسدي الذي يتم إنشاؤه مع كل واحد هو محدد. تقوم الأم بتثبيت الطفل ملفوفا على صدرها بينما يمسكه الأب في وضع مستقيم ويستمتع بقفزه، فهي وسيلة اتصال أكثر نشاطا. يدرك الطفل جيدا الطريقة المحددة التي يهتم بها كل شخص به ويستجيب لها وفقا لذلك. من الجيد، أيضا، أن يكون هناك تقسيم للأدوار. فعادة لا يشعر الأب بأنه أب لمدة ستة أشهر. وفي غضون ذلك، يلعب دور المشرف على رعاية الأمومة. يعتني بالطفل بناء على طلب زوجته. ويتم استيعاب «الآباء الجدد» في الأم، يحاولون تقليدها. هذا ليس شيئا جيدا لأنه، حتى لو شارك في الرعاية، فمن المهم أن يظل الأب هو الأب.

الحدس مهم جدا كما التعاطف، وهو القدرة على وضع نفسك في مكان شخص آخر والشعور، نفسيا وجسديا، بمشاعره. هذا الشعور يلهم المعالج بصور ذات مغزى يقدمها للمريض. أتذكر جلسة مع عائلة حيث لم يكن هناك اتصال بين الأم، المصابة بالاكتئاب الشديد، وطفلها. استمرت الأم في الشكوى من أن طفلها لم يكن ينظر إليها. أخذ الأب الطفل بين ذراعيه ووضعه في اتجاه وجه الأم، وقال: «يمكنك أن تري أنه ينظر إليك»، ثم أعطاها الطفل. تشبث الصغير بها وضغط على ثدييها وعض إصبعها. علقت الأم: «أنت تمتصني، تعضني، تلتهمني» كانت طريقتها في تفسير رغبة الطفل: «تريد أن تأخذ شيئا مني، لتدميري».. لقد وجدت نفسها أخيرا في تعاطف مع طفل، وتمكنت من التعافي من اكتئابها بفضل تدخل الأب، الذي  من خلال تعاطفه الشخصي مع الأم والطفل، تمكنت من جعل الأب يسمع هذا الصراع حول النظرة.

جلسات علاج يشارك فيها أطفال صغار وأولياء أمورهم

تساعد هذه المقابلات في تحديد اكتئاب الأمهات الذي يعد السبب الجوهري للعديد من الأمراض المستقبلية عند الأطفال. وعادة يصعب تشخيص هذا الاكتئاب لأن الأم تحاول التستر عليه. ولتحقيق ذلك، لدينا اختبارات ممتازة. على سبيل المثال، يتم وضع الطفل على بعد ثلاثين سنتمترا من والدته. إنها تلعب معه وتتحدث معه. ينفجر الطفل بانسجام. تبتسم، يحرك ساقيه. ثم يطلب من الأم أن تصمت وتبقى ساكنة. على الفور، يغير الطفل موقفه. إذا كانت الأم مكتئبة، ينظر إلى الطفل وهو ينكمش. الطفل قادر أيضا على التكيف مع اكتئاب الأم. ثم يحاول أن يلمس والدته لتحفيزها، يتبنى سلوكيات لإخراجها من سباتها. عند الأطفال، يمكن أن يكشف أيضا عن العلامات المبكرة للتوحد قبل سن ستة أشهر. الطفل المصاب بالتوحد لديه نظرة مجمدة، إنه ينظر إلى والدته دون رؤيتها ولا يبدو أنه يفهم رغبة والديه. يستخدمهما كأدوات. إذا أخذ يد أمه، فهذه هي الطريقة نفسها التي يمسك بها شيئا آخر، بلا عاطفة.

بادئ ذي بدء، هذا الارتباط هو ظاهرة عالمية، كل إنسان، طفلا كان أو بالغا، يختار كائنا يرتبط به. وهذا الارتباط دائما متناقض. بعد ذلك، من الضروري أن يعرف الوالدان كيفية الابتعاد عن الطفل للسماح له بتجربة الشعور بالوحدة والخيال. وهذه هي الطريقة التي تبنى بها الذات، وكيف يصبح المرء كائنا محددا ذاتيا، كائنا يحب نفسه بما يكفي ليجد استقلاليته.

مدرسة لأولياء الأمور

في الوقت الذي تشتعل فيه قضية الأبوة والأمومة، يقول البروفيسور ليبوفيتشي، إن كونك أبا ظاهرة طبيعية على المستوى البيولوجي، وليس على المستوى النفسي.

يتلقى الآباء ثلاثين ساعة من التدريب، بما في ذلك عنصر نظري لاستكشاف المراحل التي يمر بها الطفل نفسيا، ومكون عملي لفهم أفضل لما يمر به كل شخص على أساس يومي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى