الحسن الثاني كان يتابع قضاة الملاعب وحكم اشتكاني للمجلس الأعلى للقضاء بسبب توقيفه مدى الحياة
قضاة الملاعب سعيد بن منصور (رئيس اللجنة المركزية للتحكيم):

لم يمارس سعيد بن منصور التحكيم لم يحمل الصفارة، لكنه درس القانون وغاص في عالم تحكمه الدساتير والتشريعات والفصول. ولأن نقطة التقاطع بين التحكيم والحقوق هي روح القوانين، فإن سعيد استند في مهمته رئيسا للجنة المركزية للتحكيم على ما تعلمه في الكلية من دروس ومحاضرات، وما خاضه من مباريات في ملاعب الكرة، وما راكمه من تجربة في مجال التسيير حين كان رئيسا لنجم الشباب البيضاوي.
فشل في حجز مكانة في نجم الشباب فأصبح رئيسا
حين كان سعيد طالبا في الجامعة، كانت الحركة الطلابية في تلك الفترة تشهد غليانا حارقا، حيث كاد التعليم الجامعي، خاصة في مجالات الحقوق والفلسفة، أن يصبح مرادفا لمعاداة النظام، لكن الشاب العاشق للطرب المصري الأصيل كانت له أحلام أخرى في مجال الكرة، لذا كان يفضل خوض مباريات أسبوعية مع الفريق المهني لدار الإذاعة والتلفزة بقيادة إدريس العلام، الشهير بلقب “باحمدون”، أحد المنشطين الأوائل بدار لبريهي، رفقة قادر، أحد رجال الظل في النقل التلفزي المباشر، وكان سعيد حينها مقدما لنشرات الأخبار باللغة الفرنسية، ومع هذا الفريق المهني كتب له أن يتوج بلقب البطولة العمالية.
حين انتقل سعيد للاشتغال في الدار البيضاء سنة 1971، التحق بنجم الشباب البيضاوي بمساندة من عبد الله الطاطبي، أحد مسيري فريق درب غلف، الذي عرضه على مدرب نجم الشباب البيضاوي فأشركه في تداريب فريق كان يعيش فائضا من النجوم، لكن الوافد الجديد لم يكن يضع «ليطوال» ضمن أولويات مستقبله، خاصة بعد أن أصبح مسؤولا في شركة للتأمين، كما أنه فضل الزواج المبكر ما جعل من الصعب بناء بيت زوجية وبناء مسار كروي في الوقت نفسه.
خاض الفتى مجموعة من المباريات الودية والاختبارية مع النجم، كان يملك موهبة كروية رائعة، لكنه افتقد للرغبة في الجمع بين مهنة مؤمن ولاعب يخوض مباريات قسم الصفوة، فكان من الطبيعي أن يعطي الأفضلية للمهنة التي سيؤمن بها قوت يومه ضد عاديات الزمن.
كان الرهان الجديد أن يكون فريق العمل شابا ينهي عهد صراع الأجيال بين اللاعبين والمسيرين، وطعم الفريق بمجموعة من العناصر الشابة والطموحة، يوحدها عشق نجم الشباب، فالانتماء لدرب غلف لم يعد شرط عين لدخول قلعة «ليطوال».
لم يكن سعيد بن منصور قطعة الغيار الجديدة وحده، بل تعزز المكتب المسير بأسماء أخرى تقطع مع عهد المسير الشيخ الذي يحول باقي أعضاء مكتبه إلى مريدين. لذا تمكن النجم من خلق نواة لمسيري المستقبل، وتشمل التشكيلة كلا من مصطفى محروس كاتبا عاما وإبراهيم القدميري، شقيق الدبي القدميري، وبابا الصغير ومصطفى الموساوي، كما ضم المكتب المسير بائعا متجولا وحرفيا في درب غلف لأن شرط الانخراط هو الرصيد من الحب لا الرصيد من المال.
فشل بن منصور في حمل قميص نجم الشباب، لكنه نجح في رئاسة هذا النادي بل قاد الفريق مدة ربع قرن، وكان على امتداد هذه المدة حريصا على ألا يكون الحكم كبش فداء عند كل هزيمة. لم يكن من طينة الرؤساء الذين يمسحون أخطاء اللاعبين في صافرات الحكام، لذا كان الكولونيل إدريس باموس في تلك الفترة في أمس الحاجة لرجل يحتكم إلى العقل عند الهزيمة والانتصار.
رئيس قطاع التحكيم في مواجهة رافضي التغيير
يقول بن منصور لـ«الأخبار»: «كان بإمكان رئيس الجامعة، إدريس باموس، أن ينتدب أشخاصا آخرين لمنصب رئيس لجنة التحكيم المركزية، على غرار محمد دومو وحميد الحبابي، الخبير في القانون الرياضي، أو سعيد بلخياط، إلا أنني كنت بالنسبة إليه الرجل المناسب فأصر على استقطابي في منصب حساس».
كانت للجنة المركزية للتحكيم صلاحيات واسعة، كانت هيئة واحدة، قبل أن تصبح اليوم موزعة بين مديرية وطنية ولجنة مركزية. لكن أول معركة سيخوضها الرئيس الجديد لقطاع التحكيم مع انطلاق الموسم الرياضي 1988/1989، وتحديدا في المناظرة الوطنية للتحكيم، التي أدارها مصطفى كمال، الخبير المصري وأول حكم عربي يقود مباراة في نهائيات كأس العالم.
ظل قدماء اللجنة المركزية يعتقدون أن استبدالهم بعناصر جديدة من شأنه أن يعبث بالقطاع التحكيمي، وكان أول قرار هو تغيير بنية اللجنة بالاعتماد على تركيبة تتكون من رجال خبروا الميدان، أمثال باحو ولاراش، وعبد الكريم الزياني والأزهري، وبلفقيه ثم بن جلون.
أثار ورش التشبيب الذي قاده رئيس اللجنة المركزية للتحكيم معارضة قوية من طرف الحكام القدامى، خاصة وأن شعار المرحلة الذي رفعه بن منصور هو «التشبيب واللامركزية». ولتكريس هذا الشعار نظمت زيارات ميدانية للجن الجهوية وشرعت الجامعة في تشخيص الوضعية التحكيمية وسط معارضة شرسة من قدماء الصفارة.
كانت المواجهة الثانية مع الصحافة التي جندت بعض الأقلام للتصدي للتغيير، وناصرت بعض الأندية المستفيدة من التحكيم، كما كانت لبعض الحكام تغطية إعلامية، بل إن الكولونيل باموس تعرض للتوقيف لمجرد رفضه الانصياع لسلطة فريق يرفل تحت جناح بعض خدام الدولة.
وصلت المواجهة أقصى درجاتها، بل إن حكما رفع شكوى للمجلس الأعلى للقضاء ضد سعيد بن منصور بصفته رئيسا للجنة المركزية للتحكيم، بسبب توقيف الحكم من طرف اللجنة مدى الحياة، وارتفعت حدة الصراع من مباراة إلى أخرى، وشمل الاحتقان بعض الحكام المشهود لهم بالكفاءة، على غرار الحكم الدولي عبد العالي الناصري الذي تم توقيفه بسبب هدف أقره ثم ألغاه.
تعود هذه الواقعة لمباراة قوية جمعت المغرب الفاسي بالوداد البيضاوي على أرضية ملعب الحسن الثاني بفاس، كان الفريق المستضيف متقدما بهدف دون رد قبل أن يسجل موسى نضاو هدف التعادل في مرمى الحارس الفاسي. كانت المباراة منقولة مباشرة على التلفزيون ويتابعها المغاربة لأنها مؤثرة في مسار البطولة، وأمام الاحتجاج القوي للفاسيين توقفت المباراة مدة ربع ساعة ليتراجع عبد العالي عن قراره ويلغي الهدف أمام استغراب الوداديين والمتتبعين للمباراة.
يقول بن منصور، وهو يستحضر هذه المواجهة: «أصدرت قرارا بتوقيف الحكم لمدة ستة أشهر، لو لم يكن الأمر يتعلق بالناصري لما أوقفته، لكنه حكم دولي كبير، ففي اليوم الموالي اتصل بي عبد الرزاق مكوار ولم يشتك من الحكم بل قال إنه بشر لكنه عاتبه على التراجع عن قراره، التمس له الصفح لكن ما حز في النفس أن يأتي القرار من حكم كبير يعد نموذجا يستنير به الحكام الجدد، صدر القرار وفي بداية الموسم الموالي صدر عفو شامل على الموقوفين، لكن في نفس الأسبوع جاءنا قرار بتعيينه لقيادة مباراة دولية لم أعترض على ذلك بالرغم من وجود أقلام تساءلت عن سر تعيين حكم موقوف محليا، لكنه يبقى من خيرة ما أنجبه التحكيم المغربي، وهو رفيقي اليوم في جمعية صداقة ورياضة».
في عهد لجنة بن منصور تم تفعيل الاتحاد المغاربي لكرة القدم، وشرعت جامعتنا في الاستعانة بحكام من دول المغرب العربي، وتم اعتماد حكم جزائري لقيادة ديربي الدار البيضاء بين الوداد والرجاء، في الموسم الرياضي 1993/1994، ويدعى محمد حنصال الذي شارك في نهائيات كأس العالم بإيطاليا سنة 1990، استجابة لرغبة الفريقين: «لقد أدار المباراة بنفس الطريقة التي يدير بها حكامنا الديربي، طبعا كان احتجاج من هنا وهناك، جئت ضيفا على القناة الثانية، ودافعت عن الحكم الجزائري، حيث إن الديربي أصعب أحيانا من قيادة مباراة في المونديال».
في المقابل تمت الاستعانة بحكام مغاربة في قمم مغاربية، على غرار ديربي العاصمة التونسية بين الترجي والنادي الإفريقي، وقاده طاقم مغربي بقيادة أبو القاسم، الذي طرد ابن أخت رئيس الجمهورية التونسية آنذاك، كان الطرد في محله، ونال ممثلو التحكيم المغربي تنويها خاصا. كما عين حكام مغاربة لإدارة قمة مصر بين الأهلي والزمالك كالناصري الذي حرص على إحضار الصحف المصرية معه إلى المغرب وأجمعت على نجاحه في قيادة هذه المباراة إلى شط الأمان.
ختامه صداقة ورياضة
بعد اعتزال تسيير قطاع التحكيم، اختار سعيد استكمال فترة ما بعد الاعتزال في العمل الجمعوي، وأسس جمعية صداقة ورياضة، مصرا على أن تكون للحكام مكانة في مجلسها التنفيذي، من خلال الاستعانة بكل من الناصري والناجدي وبحار وباحو، ولاراش وجرير والمعضاضي، والمير والنجاشي والكزاز والجوهري، وغيرهم من الحكام الذين اعتزلوا الصفارة.
خصص حياته، بعد التقاعد، للجمعية التي ضمت تحت لوائها جميع مكونات الكرة المغربية، خاصة اللاعبين الدوليين الذين شرفوا المغرب في المنافسات القارية والعالمية، واعتادت صداقة ورياضة على تنظيم مجموعة من التظاهرات ذات الطابع الرياضي والثقافي والاجتماعي، فضلا عن قيامها بجملة من التكريمات لفائدة عدد من الرموز الرياضية، وأعمال جمعوية واجتماعية وخيرية، في انفتاحها على مختلف الشرائح الاجتماعية الرياضية.
وعن علاقته بالعمل الاجتماعي في تقاطعه مع التحكيم، يستعيد بن منصور واقعة أليمة في مسار الحكم السابق عبد الرحيم المتمني، العضو الحالي باللجنة المركزية للتحكيم.
«لقد كان الملك الحسن الثاني يتابع نبض البطولة، فخلال تنقل ثلاثي تحكيم مغربي بقيادة الحكم المتمني إلى مدينة بني ملال لقيادة مباراة هناك، تعرضت السيارة التي تقل الثلاثي لحادثة سير مروعة، فقد على إثرها عبد الرحيم المتمني نعمة البصر، في مساء نفس اليوم تلقيت مكالمة هاتفية من الكولونيل باموس، وطلب مني متابعة الوضعية الصحية للحكم والعمل بأقصى سرعة على إحالته على مصحة متخصصة في طب العيون بباريس، بناء على تعليمات سامية من الحسن الثاني، وبناء عليها انتقلت إلى باريس وقضيت هناك مدة شهر أتابع من خلالها الوضعية الصحية لحكمنا بأدق تفاصيلها مع موافاة رئيس الجامعة بتقارير يومية».