الرأي

الخريف الثقافي

يونس جنوحي

ناب الوباء عن لوبي محاربة الثقافة في تعطيل عدد من المشاريع الثقافية، التي كان مبرمجا أن ترى النور هذا العام.
وأحد أكبر المشاريع التي عرقلها انتشار فيروس كورونا وأخر فتحها في وجه العموم، مشروع «فيلا هاريس» بطنجة.
هذه الفيلا التي كان يملكها صحافي بريطاني، كتب «المغرب المنقرض» وهرب من المغرب سنة 1900، خوفا من أن تصل إليه أيادي وزراء وأعيان مغاربة تسبب لهم في مشاكل مع القصر الملكي، بسبب دهائه ومكره وفهمه لعمل «المخزن» أيام السيبة.
هذا الصحافي عندما ترك المغرب خلفه، ترك وراءه فيلا شاسعة كانت قد قُدمت له هدية مكافأة له على حبه الكبير للمغرب، واختياره للمغاربة جيرانا له. كان يكتب المقالات بالنهار ويتناول العشاء في منازل وزراء الدولة المغربية بفاس.
هذه الفيلا التي كان فريق من المثقفين يطالبون باستغلالها في ما ينفع الناس، تحولت إلى متحف في مبادرة لا يمكن أن يقال عنها سوى إنها يجب أن تعمم في المدن.
«كورونا» عطل عرض لوحات في غاية الأهمية، لا يمكن وصفها سوى أنها فعلا لا تُقدر بثمن. وحتى عندما يتم فتح هذا المتحف في وجه الزوار، فإن الأمور سوف تكون معقدة، وسوف يُفقد «المعقم» ومعه «الكمامة»، على الزوار لذة تأمل اللوحات.
مقر المفوضية الأمريكية في طنجة، والذي زاره السفير الأمريكي أخيرا يعرض هذه الأيام لوحات وأعمال «محمد الحمري». ورغم أن معرضه انتهى في منتصف يوليوز المنصرم، إلا أن سخاء المشرفين على المفوضية الأمريكية أبى إلا أن يترك اللوحات معروضة في وجه الزوار.
مع محمد الحمري وصل فن «جوجوكة» إلى العالمية سنة 1973، حيث أصبح هذا الدوار المغربي، «جهجوكة»، «المنسي في الريف المغربي» كما وصفها بول بولز، محط أنظار العالم أجمع عندما تحدث عنه بولز في أعماله الموسيقية والشعرية. هذا الأخير الذي اختار طنجة للإقامة، منذ نهاية الأربعينيات، واشتغل مدرسا بمقر المفوضية الأمريكية ولا تزال أغراضه الشخصية معروضة للزوار من كل أنحاء العالم. ولو تُرك تاريخ بولز للمغاربة، لربما بيعت فرشاة أسنانه في أقرب «جوطية».
زوجة محمد الحمري الأمريكية، «بلانكا الحمري»، هي التي سلمت لوحاته إلى المفوضية لكي يشاهدها زوار طنجة. وهذه المجموعة تضم أرشيفا ثقافيا حقيقيا للمغرب.
ففي سنة 1973 قام الحمري بصنع مجسمات صغيرة، عبارة عن دمى، للسكان الأصليين لمنطقة الريف، حيث يمارس الرعاة العزف على الناي تماما كما يشربون ماء الجبل، وعندما وصل صيتهم إلى العالم، أصبح جل متتبعي الموسيقى يريدون التعرف على هؤلاء الرعاة، الذين روضوا أعظم موسيقيي سنوات السبعينيات حول العالم.
لو كان رواد مجموعة «ناس الغيوان» تم احتضانهم من طرف موسيقار أو كاتب أمريكي، لربما وُجد لهم اليوم معرض في الدار البيضاء، مسرح الحياة الكبير الذي انطلقوا منه بدورهم نحو العالمية. لكنهم للأسف سقطوا بين أيادي المهملين من أبناء البلد، الذين تقلبوا في الثقافة ودور الشباب.
آلة «بوجميع» تبكي وحيدة في الصالون، ولا يظهر خبر عن «ناس الغيوان» اليوم إلا وكان عنوانه، صراع ما تبقى من الورثة حول أموال حقوق المؤلف. لا يوجد معرض للمجموعة، والله وحده يعلم أين انتهت مقتنيات أعضائها وأغراضهم الشخصية.
بيع أحد الرياضات في مدينة مراكش أخيرا لرجل أعمال فرنسي، حول الرياض إلى إقامة شخصية له، لكي يقضي بها عطلته السنوية رفقة زوجته وأبنائه. وأبى هذا الأخير أن يهدم أو يغير من تصميم المنزل أي شيء، خصوصا عندما علم أن غرفة الضيوف كان يجلس فيها وزراء مغاربة، كلما حلوا في مراكش. لقد كان المنزل في الأصل ملكا لأحد أقدم كُتاب الباشا الكلاوي، حيث كان منزله وجهة للصحافيين الفرنسيين والأمريكيين الذين يزورون الباشا. وتوجد في قلب المنزل صورة لتشرشل، وهو يشرب الشاي قرب «الخصة» في قلب الدار. لم يأخذ الورثة الصورة، وتركوا ما تبقى من النافورة الصغيرة المهدمة لكي تتبول عليها القطط، رغم أن المنزل كله كان ممكنا أن يتحول إلى متحف، لكن الأمر يتعلق هنا بشخص اسمه عبد الله»، وليس «هاريس».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى