
نعيمة لحروري
تتوالى في المغرب موجات الاحتجاج الشبابية المطالبة بإصلاح قطاعات حيوية، على رأسها الصحة والتعليم. وهي احتجاجات مشروعة، لأنها ببساطة صرخة مواطن يريد أن يعامل بكرامة حين يمرض، وأن يجد سريرا نظيفا وطبيبا يقظ الضمير قبل أن يطالب براتب أو ترقية.
وأنا ممن كتبوا مرارا عن مأساة القطاع الصحي بجهة الشرق، وعايشتها في أقسى صورها، حين فقدت والدي رحمه الله بعد أن تدهورت حالته داخل قسم العناية المركزة بالمستشفى الجامعي محمد السادس بوجدة. ذلك القسم الذي يضم أكثر من 30 غرفة إنعاش مجهزة بأحدث ما أنتجته تكنولوجيا الطب، لكنه في الحقيقة يفتقد أهم ما يجب أن يتوفر فيه: الوعي، والضمير، والمسؤولية.
حين ساءت حالة والدي، نقلناه على وجه السرعة إلى إسبانيا، وهناك اكتشف الأطباء أن سبب تدهور حالته هو عدوى بكتيرية قاتلة انتقلت إليه من أجهزة الإنعاش بالمستشفى بوجدة، فهاجمت رئتيه وكليتيه إلى أن توقفتا عن العمل، دون أن ينتبه الطاقم المغربي لذلك، أو يتخذ أي إجراء لإنقاذه. لم يكن الأمر قدرا فقط، بل نتيجة إهمال بشري قاتل، ونظام صحي مثقوب لا يراقب نفسه.
نعم، وزارة الصحة تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية في توفير الموارد البشرية والتجهيزات، لكن الحقيقة أن الخلل لا يتوقف عند الوزارة. فالمأساة اليومية في مستشفياتنا نتاج عطب جماعي يبدأ من حارس الباب الذي يصرخ في وجه المرضى، إلى الطبيب الذي فقد إنسانيته، مرورا بممرضٍ أنهكه الروتين، وإداريٍ يختبئ خلف الورق والأوامر.
ولعل قصة هذا المستشفى بالذات تختصر المفارقة: صرح ملكي دشن سنة 2014 بكلفة تفوق 1.2 مليار درهم، يمتد على مساحة عشرة هكتارات، ويضم مختبرات ومراكز متطورة للأم والطفل والحروق والأورام والصحة النفسية، ويفترض أن يكون فخر الجهة الشرقية ونموذجا للطب العصري. ومع ذلك، لم ينجح في تقديم ما يرضي المواطن، ولا في إنقاذ أب دخل إليه طالبا الحياة فخرج منه محمولا على الغياب.
إن من يطالب اليوم في الشارع بإصلاح قطاع الصحة لا يطلب ترفا، بل يطالب بحياة آمنة داخل مؤسسات الدولة. لكن علينا جميعا، مسؤولين ومهنيين ومواطنين، أن نتحمل نصيبنا من المسؤولية، وأن نصلح ما فسد داخلنا قبل أن نُصلح ما حولنا.
نطالب بالإصلاح، نعم، ونحتج من أجل الكرامة، نعم، لكن ليس على حساب أمن هذا الوطن الذي هو بيتنا الكبير. فالوطن الذي نحلم بصحته، لا يمكن أن يشفى إن أصابته الفوضى في عروقه.





