شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الطاقات المهدورة

كلنا يتفق على أن المغرب كجزء من إفريقيا بلد الكفاءات والطاقات الشابة، والمواهب الصاعدة في ميادين البحث العلمي والتطور التكنولوجي. ولكن الواقع المؤسف هو أن جل الطاقات والكفاءات، في مجالات مختلفة، تختار الهجرة إلى الخارج للعمل والاستقرار، أو تحمل الفكرة في قرارة نفسها بشكل مبكر، بعدما تكون الدولة قد صرفت الملايير في تعليم وتكوين هذه الطاقات، دون مشاريع جدية تضمن بقاءها داخل أرض الوطن، وخدمته بسواعدها وعقولها ومساهمتها في الرفع من مؤشرات التنمية.

هناك إهمال واضح في مجال السياسات العمومية لمشكل هجرة الأدمغة والكفاءات، وكأن الأمر لا يعني الأحزاب التي تتحمل المسؤولية الحكومية وتلك التي في المعارضة، وحاجة المملكة أكثر من أي وقت مضى إلى سواعد وعقول أبنائها البررة للرقي بها إلى مصاف الدول الكبرى، عوض صرف الملايير لتعليمهم وانتهاء الأمر بتوظيفهم بالخارج، ومساهمتهم في بناء اقتصادات الدول المستقبلة للهجرة، بل وأحيانا عودتهم إلى أرض الوطن كمسؤولين في شركات أجنبية تفوز بصفقات ضخمة داخل المملكة، وهي معادلة يجب التوقف عندها طويلا، عوض المرور عليها مرور الكرام في مناقشة الملف الحساس.

إن من أبرز ما يعيق الاستفادة من الطاقات والكفاءات المغربية غياب ربط التكوين بسوق الشغل، ما يحول المغرب إلى مشتل كبير تنتهي شجيراته عند الغير لتثمر وتؤتي أكلها بعيدا عن الصالح العام والمصالح العليا للبلاد، وهو الشيء الذي يتطلب مراجعة شاملة، ليواكب التكوين التوظيف بكل السبل الممكنة، وتشجيع الاستثمارات والمبادرات الشبابية، بناء على معايير واضحة لا مكان فيها للزبونية والمحسوبية.

يجب أن نعي أن قشدة الكفاءات والطاقات المغربية لا تستفيد منها المملكة إلا في حالات نادرة، وذلك لتدني مستوى الإغراءات بالنسبة إلى الكفاءات العالية، ما يمكن من خلاله ضمان البقاء داخل المغرب والزهد في ما يقدم ببلدان المهجر، علما أن الميزانية التي يمكنها صرفها للإغراء بالبقاء داخل الوطن لا تقارن مع ما سيربحه الصالح العام في شتى المجالات، والرفع من مؤشرات التنمية الشاملة، ومعالجة مجموعة من المشاكل الاجتماعية المعقدة بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

وفي ظل ما سبق ذكره، لا يجب إغفال المشكل الأعمق المرتبط بفيروس الفساد الذي ينخر المؤسسات العمومية، ما يساهم في غياب الظروف المناسبة والمشجعة على استمرار البحث العلمي والإنتاج داخل المغرب، وعدم تقدير وتقديم الصالح العام من قبل بعض المسؤولين والمنتخبين، وتهميش والتغطية على دور الكفاءات الشابة في تحقيق التقدم والازدهار بمبررات واهية.

لا شك أننا في حاجة لاستراتيجية مستعجلة إلى وقف نزيف الطاقات المهدورة، وهو الشيء الذي يحتم علينا وقف تفشي الزبونية والمحسوبية في نيل المناصب والتوظيفات داخل القطاعات العمومية والخاصة أيضا في بعض الحالات، وغياب معايير الكفاءة في تسليم سلطة التوقيع على قرارات بالغة الأهمية في التنمية والتشغيل، ومنح مؤشرات سلبية حول درجة الفساد وتغلغله داخل القطاعات الحساسة، ما يجعل الكفاءات والطاقات تختار المغادرة قسرا نحو الخارج، بعد انعدام أمل التغيير على المديين القريب والمتوسط، وخروج قيادات حزبية ومسؤولين للتباكي على هجرة الأدمغة بدموع تماسيح يبكون، ليهضموا قطعتهم المفضلة من الفساد في صمت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى