شوف تشوف

الرئيسيةخاص

النجدة.. في دوارنا سفاح

هزت جريمة دوار لقدامرة بجماعة سبت سايس التابعة لإقليم الجديدة مشاعر المغاربة، بعد أن بلغ عدد ضحاياها عشرة أشخاص أغلبهم مسنون، تعرضوا للنحر بطريقة بشعة. في انتهاك صريح لـ«المعايير الاجتماعية» التي تؤطر العلاقات الإنسانية والتي يعتبرها علماء الإجرام دعامة أساسية في بناء السلم الاجتماعي، ويؤكدون أن اختلال هذه المعايير يؤدي إلى اقتراف الجريمة. وتتضمن المعايير الاجتماعية النصوص القانونية الوضعية والسماوية والتقاليد والأعراف والقيم المتداولة اجتماعيا.
حين ترتفع حصيلة سفك الدماء وتشمل الأصول والأقارب والخلان، وتكتب بشاعته بالدم والنار، ترقى الجريمة إلى خانة السفك، ويصبح المجرم سفاكا وجب تخليص المجتمع منه بالإعدام أو المؤبد وذلك أضعف الإيمان.
كانت دواوير البادية المغربية في مأمن من جرائم الأصول، وكان هدوؤها لا يخترق إلا بغارة من «الفراقشية»، أو صراع حول حدود الأراضي السلالية، وكانت جولة تفقدية لدورية الدرك الملكي كافية لإعلان حالة الطوارئ في دواوير تنام وتستيقظ باكرا. لكن مع مرور الأيام أصبح للدوار مجرموه وللبادية قتلتها، الذي يمارسون سرا وعلانية سلوكاتهم العدوانية، حتى أصبحت هذه الفئة تملأ «حقينة السجون»، بفعل عوامل يضيق المجال لسردها، لكن إفرازاتها تشحن الفاعل بزخم من الأزمات تجعله عبوة قابلة للانفجار في أي لحظة.
تعدد سفاحو الدواوير والجريمة واحدة، من بولوحوش الأطلس إلى سفاح دكالة، عشرات الحكايات المكتوبة بالدم، تترجم استقالة البادية المغربية من قيم الحياء وفسخ العقد الاجتماعي الذي جعل الدوار آخر معاقل الجريمة.

دكالة عاصمة الدم
ظلت سهول وهضاب دكالة في منأى عن سفك الدماء، وكانت غالبية جرائمها القروية مرتبطة بسرقة الدواجن والأنعام قبل أن تتطور إلى الضرب والجرح خاصة خلال الحملات الانتخابية التي تتميز بعنف غير مسبوق.
لكن السنوات الأخيرة عرفت ظهور نمط دخيل على الحياة الدكالية، تجسد بشكل واضح في مجزرة دوار لقدامرة بجماعة سبت سايس، حيث اضطر الدرك الملكي للاستعانة بمروحيتين من أجل السيطرة على الموقف في الدوار، بسبب رجل أشهر سيفا وساطورا ووضع حدا لعشرة أشخاص من أقرب المقربين إليه فيما نجت بأعجوبة بناته الأربع الصغيرات.
قال بلاغ صادر عن خلية الاتصال في وزارة الداخلية، أن مرتكب الجريمة الذي اعتقل من طرف عناصر الدرك الملكي، يعاني من «اضطرابات عقلية». استند أصحاب هذه الفرضية على إقدام عبد العالي بطل المجزرة، على ذبح كلب قبل الشروع في ارتكاب جريمته، في إطار بروفة، لكن أبناء الدوار يؤكدون زيف هذا الادعاء وقالوا: «إلا شديتي الكلب غير ذبحو»، فيما أكد رجل مسن أن عبد العالي كان يؤذن في مسجد الدوار ويدعو الناس إلى الصلاة.
أجمعت الروايات التي استقاها موفد «الأخبار» إلى لقدامرة، على أن الجاني «يشتغل فلاحا في أراضي والده، ويرعى الغنم والماشية، ويقضي اليوم في الحقل، ثم يعود في المساء إلى مسكنه، حيث يعيش بمعية والديه المسنين، وزوجته وبناته الأربع الصغيرات، فيما آخرون أكدوا وهم مستغربون، أنه إنسان عادي لم يتوقع أبناء الدوار أن يصبح مجرماً قاتلاً لعشر ضحايا، وأنه ليس مدمناً مثلاً على أقراص مهلوسة، لتلعب بعقله، وتفقده وعيه وتجعله يصبح غير قادر على التحكم في سلوكاته». وخلال عرض المتهم على أنظار المحكمة، نفى فرضية الخلل العقلي وتحدث عن خيانة زوجية، كانت دافعا وراء ارتكابه مجزرة حول فيها الدوار إلى مقبرة.
قبل خمس سنوات عن مذبحة لقدامرة، عاش دوار لا يبعد كثيرا عن زاوية سيدي اسماعيل، وتحديدا في دوار لبريمات، على إيقاع الرعب، حين ارتكب شخص يدعى سعيد جريمة تصفية جسدية لثلاثة أشخاص بواسطة «عتلة»، حيث قتل فتاة في مقتبل العمر بأحد الحقول المجاورة لدوار لبريمات، التابع لقيادة خميس متوح، وفر إلى دوار آخر بجماعة بني هلال وهو يتأبط سلاح الجريمة، إلى أن علمت سلطات سيدي بنور بحلول مرتكب جريمة دوار لبريمات ضيفا على دوار أولاد مالك التابع إداريا لجماعة العامرية القريبة من العونات، حيث صادف شابا من أولاد مالك وامرأة متزوجة من دوار الرواحلة ووجه لهما ضربات قاتلة على الرأس بنفس «العتلة» وفر نحو دوار آخر بعد أن تخلى عن العربة التي كان يجوب بها دواوير دكالة.
ولأن الجرائم حدثت في دوارين متباعدين فقد تضافرت جهود درك منطقتين بحثا عن صاحب «العتلة» القاتلة، وتم استنفار أكثر من عشرين دركيا للبحث عن الجاني، ناهيك عن فرقة كلاب مدربة، ليتم العثور عليه في دوار ثالث وهو دوار الطواجنة الخاضع لنفوذ جماعة بني هلال، قبل مطلع الفجر. وبعد سنوات في المعتقل غادر الرجل السجن وعاد إلى دواره لممارسة حياته العادية كفلاح رفقة عتلته، بعد أن أفرج عنه تحت مبرر «مرض عقلي».
وفي أولاد عمران في عمق دكالة، وقعت جريمة قتل بشعة إثر تصفية طفلين بدوار الشمامة التابع لإقليم سيدي بنور، بعد أن ذبحهما ابن عمهما بسكين عندما كانا يلهوان بالقرب من منزل جدهما. استبعد الجميع فرضية القاتل قريب الأسرة، لكنه فاجأ الجميع حين صرح بأن قتله للضحيتين «كان لتفنيد الشائعات التي تقول إنه يستغلهما جنسيا»، غير أنه كان يدخل بين الفينة والأخرى في حالة هستيرية تعطي الانطباع بأنه مصاب بخلل عقلي.
قتل زكريا وآدم تم بشكل مرعب، بعد أن تناولا وجبة الفطور مع جدهما وجدتهما، بحكم اشتغال والديهما في الدار البيضاء، قبل أن يهتز الدوار على وقع الجريمة بعد أن داهم الجاني الجدة وهددها بالقتل ليتبين لها أنه أجهز على حفيديها اللذين كانا يلعبان بالخارج، استطاعت الجدة أن تفلت بجلدها رغم أنها أصيبت بجرح في يدها بعد أن تصدت لإحدى ضربات السكين، توجهت نحو زوجها بالحقل وأنفاسها تكاد تتوقف بسبب هول الصدمة، خاصة بعد أن لمحت، وهي تغادر البيت، جثتي الضحيتين مرميتين على الأرض وهما غارقتين في بركة من الدماء.

بولوحوش.. السفاح الذي تحصن في غابات الأطلس
عاش محمد عزو طفولته على غرار كثير من أبناء دواوير الأطلس، حيث انقطع مبكرا عن الدراسة لسوء الأحوال الجوية وبعد المدرسة عن الدوار، وانشغل في ممارسة النشاط الفلاحي من حرث أرض والده، ورعي الماعز وقطع الأشجار، مع ميول جارف نحو القنص، وقيل إنه «كان يبيع بعض طرائده للسياح ويتبرع على أهل بلدته بالباقي، وعندما كثرت مداخيله أصبح يتردد باستمرار على ملاهي الأطلس في آزور أو إيفران».
نقطة التحول في حياة هذا الفتى هي إيداعه السجن، بتهمة السرقة، حيث أدين بخمس سنوات سجنا، وفي المعتقل تعلم أصول وقواعد الإجرام على يد خبراء في سفك الدماء جعلهم مثله الأعلى. وبمجرد مغادرته أسوار السجن قام بسرقة بندقية زرع بها الرعب في المنطقة الهادئة وحولته إلى شخص مبحوث عنه من طرف الدرك وعناصر حرس الغابات.
انطلاقا من منتصف التسعينات غير عزو مخططه كما غير اسمه وأصبح يحمل لقب بولوحوش، وأصبح مجرما خطيرا تقول تقارير السلطة المحلية إنه مبحوث عنه بسبب «قتل الأطفال واغتصاب النساء، اعتمادا على براعته في القنص». لكن المنعرج الخطير في مساره الإجرامي بدأ بتعرفه في غابات كتامة على شخص يدعى أمخشوم، الذي كان يغتصب النساء وكانت عصابته تهاجم قطعان الماشية. اقترح هذا الأخير على بولوحوش الانضمام إلى كتيبته «وتكوين عصابة إجرامية كبيرة تقوم بالنهب والسلب واعتراض سبيل المارة وسرقة المواشي، لكن عرضه لقي الرفض من طرف بولوحوش الذي فضل إنجاز عملياته بمفرده، وتركزت جرائمه على استهداف السياح، وسلبهم ما بحوزتهم من أموال، على حد قوله، ونسبت إليه جرائم قتل وسرقة، تحت التهديد بالسلاح»، كما جاء في محضر الضابطة القضائية.
ظل بولوحوش محاصرا في غابة شاسعة الأطراف، اتخذها حصنا منيعا لممارسة شذوذه والإجهاز على كل من يقتحم مجاله الغابوي، فارتفعت حصيلة الضحايا إلى عشرين فردا، بل إن عددا من القتلى سجلوا «سهوا» في قائمة ضحاياه، ولم تنفع الحملات التمشيطية التي قامت بها فرق الدرك الملكي في وضع اليد على زارع الرعب في غابات الأطلس الصغير.
استمر هروبه إلى حين إلقاء القبض على جميع أفراد أسرته ومطالبته بتسليم نفسه من أجل الإفراج عنهم، وحينما بلغ إلى علمه خبر إيقاف أفراد أسرته، سلم نفسه وتوجه إلى مقر وزارة الداخلية في الرباط وأعلن توبته، وبعد استجوابه اعترف بالمنسوب إليه، وتمت إحالته على القضاء، بتهمة تكوين عصابة إجرامية والسطو المسلح وبالتالي الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

جريمة دوار سفيرات ضواحي القنيطرة تحول ضيعة إلى سيول دماء
حين كان الأطفال فرحين بافتتاح الموسم الدراسي قبل عامين، هزت جريمة بشعة دوار سفيرات بالجماعة القروية بنمنصور التابعة لإقليم القنيطرة، ففي ضيعة بالمنطقة تمت تصفية ستة أشخاص دفعة واحدة، في عمل إجرامي لم تعتده القرية التي كانت تغمرها زخات المطر.
بدأت الفاجعة بالعثور على أربع جثث قبل أن ترتفع الحصيلة بوجود جثتي عاملين، وتبين بعد المعاينة الأولية أن التصفية الجسدية تمت بواسطة آلة حادة، فيما سجل في محضر المعاينة أن الضحايا هم المشرف على تسيير الضيعة واثنين من الحراس الليليين، فيما أصيبت زوجة المشرف على تسيير الضيعة وطفلها بجروح.
وحسب المعطيات الأولية، فإن الجاني المفترض، وهو عامل يشتغل في نفس الضيعة، قد تم العثور على جثته في بئر. وقد وضع الطفل، الذي أصيب بكسر على مستوى الجمجمة وبنزيف دماغي، في مصلحة الإنعاش بمستشفى ابن سينا، فيما وضعت والدته تحت المراقبة الطبية بمستشفى الإدريسي بالقنيطرة حسب المصادر نفسها.
وزاد مقتل الجاني من صعوبة فك شفرة الجريمة التي استهدفت ضيعة أحد كبار أطر الدولة، إلا أن فرضية السرقة كانت واردة، فمن خلال الرواية التي أوردها موفد «الأخبار» إلى مسرح الجريمة، فإن أسباب ارتكاب هذه الجريمة، تعود إلى تصفية حسابات بين الجاني، المسمى «م.غ» والذي عمل قيد حياته في الضيعة، ومسير الضيعة، حيث بلغ هذا الأخير عن تعرضه لسرقة مبلغ 25 ألف درهم، فحضرت مصالح الدرك الملكي للتحري في ملابسات السرقة وأخذ البصمات، الأمر الذي دفع الجاني إلى تصفية مسير الضيعة وعائلته وباقي الحراس، بواسطة ساطور من الحجم الكبير، ليرمي بنفسه في الأخير وسط بئر في الضيعة. وهي الفرضية التي أكدتها الأم المصابة في إفاداتها الأولية لرجال الدرك، حينما أشارت إلى أن الهالك سالف الذكر هو من هاجمها ووجه ضربات قاتلة إلى زوجها وباقي الضحايا.

سفاح مديونة.. طعنات في المقربين أولى
كانت التهمة جاهزة لسفاح مديونة ومن معه، حين أدين بالإعدام الذي تحول إلى مؤبد، بتهم «تكوين عصابة إجرامية، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والاختطاف، والارتشاء، والتزوير في وثائق رسمية، والمصادقة على إمضائها، وعدم التبليغ عن جريمة، وانتحال صفة».
أمام ثقل الملف وفداحة الخطب وقف المتهم ع. التجاري مذهولا أمام قاضي التحقيق وهو يطوقه، رفقة ثلاثة أشخاص آخرين متابعين في نفس الملف، بأسئلة مفخخة، وينسب إليه جرائم تقادمت بفعل الزمن، منها ما يرجع لمنتصف الثمانينات، حيث تسارعت الأسئلة:
من قتل ابن عمك قاسم؟ من قتل ابن خالتك؟ من قتل بائع الفول؟ من قتل حارس المقبرة وزوجته؟ من قتل نادلة المقهى؟ من أجهز على فلان وفلان؟
حسب محضر المتابعة فإن المتهم شوهد يوم 17 يونيو 2010، وهو «يتفقد محلاته التجارية، المكونة من مقهى ومحلين تجاريين، قبل أن تباغته مصالح أمن سيدي عثمان، بالدارالبيضاء وتسأله إن كان هو المدعو عبد العزيز، لكنه أنكر، وقدم نفسه على أنه شخص آخر، فصادف الأمر، ساعتها، مرور عون سلطة بالمنطقة، أخبرهم بأنه هو المعني، ليجري اعتقاله، وبعد التحقيق معه انهار، واعترف بارتكابه سلسلة من جرائم القتل، على رأسها قتله لعمه».
بأمر من الوكيل العام تمت الاستعانة بحفار قبور، فعثرت مصالح الأمن على جثث الضحايا، إذ استخرجت جثة العم من تحت المقهى، واستخرجت جثة بائع الفول، بعد ساعات من ذلك، ثم عثر على جثة ابن خالة المتهم في بئر قريبة من مركز الدرك الملكي لمديونة.
بعد إيداعه سجن عكاشة حاول المتهم الانتحار مرتين، لكنه فشل، وعلى امتداد أربع سنوات من البحث والتحري، نطقت المحكمة بالإعدام في حق عبد العزيز الذي انطلق من دوار مهمش وشرع في قتل أقاربه الذين يتوفرون على أملاك ودفنهم، للاستيلاء على أملاكهم بعقود مزورة، وهو ما جر ضابطا للحالة المدنية للمساءلة.

دوار تدمامين.. اسم على مسمى
استيقظ سكان دوار تدمامين التابع لجماعة تيزي نسلي، على مصرع ثلاثة أشخاص رميا بالرصاص، على يد مجهولين اختفوا بعدها عن الأنظار، حسب أولى الروايات المستقاة من شهود عيان. وذهب المحققون إلى البحث في اتجاه وجود نوايا السرقة وراء التصفية الجسدية، وقالوا إن «لصوصا قد اقتحموا منزلا بالدوار قبل أن يطلقوا الرصاص على رب المنزل الضحية «محمد أغودا»، وعلى سيدة تدعى «رابحة» كانت تنزل ضيفة على الأسرة رفقة ابنها التلميذ الذي كان يدرس قيد حياته بالمستوى الخامس ابتدائي ليلقى رفقة أمه مصرعه في الحين رفقة رب المنزل، وأضافت ذات المصادر أن زوجة الضحية محمد أصيبت بدورها بعيار ناري حيث أوهمت المعتدين بموتها قبل أن تطلب النجدة بعد خروجهم من البيت حيث فر المعتدون إلى وجهة مجهولة».
دعا سكان الدوار الدرك الملكي إلى استعمال مروحية لمطاردة المعتدين قبل خروجهم من تراب الجماعة الجبلية ومن الإقليم خاصة، وذهب البعض إلى أن سبب العدوان يرجع إلى عصابة كانت تستغل جماعة تيزي نسلي في عمليات التفحيم السري وقطع أشجار الغابات وتدمير الثروة الغابوية.
وإلى غاية كتابة هذه السطور لازال أحد المتهمين في حالة فرار، فيما ارتفع مؤشر المطالبة بتوفير الأمن للساكنة التي تعيش عزلة وسط الجبال.

الخنفوري.. المجرم الذي منع الأعراس في دواوير الغرب
يبدو مسار عيسى غفار الملقب بالخنفوري شبيها إلى حد كبير بمسار بولوحوش، فهما معا دخلا في بداية تسعينيات القرن الماضي السجن وغادراه برصيد مضاعف من الخبرة والتجربة، مع اختلاف بسيط كون الخنفوري استطاع الفرار خارج أسوار السجن، وعمد إلى تكوين عصابة إجرامية اختصت بمهاجمة الأعراس وزرع الرعب في نفوس المواطنين في منطقة الغرب، حتى أصبحت السلطة تنصح غرباوة بصرف النظر عن حفلات الزفاف كي لا تتحول الأفراح إلى أتراح.
قبل أن يغادر السجن هاربا قتل الخنفوري أحد أصدقائه في الزنزانة حتى لا يشي به لدى الحراس، ثم قتل حارس سجن تصدى له وحاول منعه من الفرار، بعد أن وجه إليه طعنة قاتلة، لم يكن يطيق أن يعترض سبيله أحد، لم يكن لديه ما يخسره خاصة أنه محكوم عليه الإعدام، ولن تغير مسألة الهروب من الحكم شيئا، فواصل طريقه خارج أسوار السجن رفقة سجين آخر انتهز الفرصة ليفر معه.
تقول وقائع الجرائم كما هو مدون في محاضر الضابطة القضائية، بأن الجاني «قرر الاستقرار في منطقة الغرب بين مدينتي القنيطرة وسيدي قاسم. كانت جريمته المفضلة هي مهاجمة الأعراس وترهيب ضيوفها، وبالتالي اغتصاب العروسات، ولم يسلم من جرائمه أحد، ونتيجة لذلك، كان يحول العرس إلى فضاء للعزاء، وكان يمضي سعيدا بعمله الإجرامي، طال ظلمه جميع سكان منطقة الغرب الذين حرمهم الخنفوري متعة الفرح وإقامة الأعراس، وقد اشتهرت هذه العصابة بإقامة حواجز أمنية وهمية في الطرق الثانوية لمنطقة الغرب على مدار الساعة، ليلا ونهارا، لسلب المسافرين الذين يمرون منها أموالهم وممتلكاتهم. وقد طال إجرام الخنفوري وعصابته أيضا كبار الفلاحين وملاكي الأراضي بالمنطقة، الذين كانوا مضطرين إلى دفع إتاوات للخنفوري مقابل السماح لهم بإنجاز نشاطهم الفلاحي، قبل أن يحاصره دركيان في حقل لقصب السكر، لكنه استطاع أن يتخلص منهما ويقتلهما قبل أن يسقط مجددا في يد الدرك». ومنذ إيداعه السجن استعاد غرباوة الحق في إقامة الأعراس بينما حكم الجاني بالإعدام دون أن ينفذ فيه.

حداد في دوار لهلالات بسبب سفاح صخور الرحامنة

لازالت تداعيات جريمة دوار الهلالات بالجماعة القروية أولاد حسون بإقليم الرحامنة، جاثمة على المنطقة، بعد أن أقدم شاب في عقده الثاني على تصفية أفراد أسرته الخمسة ومحاولة قتل شقيقه الثالث، ويتعلق الأمر بكل من والدته «نعيمة» وتبلغ من العمر 53 سنة، وشقيقه «عزيز. ش» والبالغ من العمر 27 سنة، وزوجته «نهيدة» البالغة من العمر 24 سنة والتي كانت حاملا في الشهر الرابع، كما لم يرحم الجاني ابن أخيه الذي لم يتجاوز عمره خمس سنوات، إضافة الى الشقيق الأصغر «حمزة. ش» والذي يبلغ من العمر 12 سنة فيما أحيل الضحية السادس «بدر. ش»، على غرفة العناية المركزة بمستشفى ابن طفيل بمراكش.
حسب الاعترافات الأولية للجاني، فإنه قام بتخدير ضحاياه، ثم شرع في تصفيتهم جسديا، وهو ما تم تأكيده من خلال التحريات حيث تم العثور على قنينتين لمادة مخدرة، واحدة بمدخل البيت بالقرب من حظيرة الحيوانات، والثانية بضيعة خاصة بالصبار. فيما لازالت أسباب الجريمة غامضة.
أجمعت شهادات شهود عيان على أن الجاني «لم يكن على خلاف مع أي من أفراد أسرته من ذي قبل، كما أنه لا يتعاطى أي نوع من المخدرات، وأن طبعه كان هادئا ولا يميل إلى الشجار». وعلى غرار جريمة دوار لقدامرة بسبت سايس فإن الجرم ارتكب أثناء وجود سكان الدوار في السوق الأسبوعي لأربعاء صخور الرحامنة الذي لا يبعد عن مسرح الجريمة إلا بتسعة كيلومترات.
كان الجاني يفتخر بما قام به من عمل كأنه لم يرتكب مجزرة، وظل يطالب المقدم بإشعار السلطات بالجريمة، «كان هادئا غير خائف متماسك الكيان، يجيب عن الأسئلة بوضوح كما قال دركي، الذي سأله عن سر إقدامه على التصفية الجسدية، فرد عليه قائلا: «لم يفعلوا لي أي شيء سيئ، بل كانوا يهتمون بي، لكنني قتلتهم لأغسلهم من الذنوب».
وعلى الفور طفت على سطح الملف حكاية التخلف العقلي، لكن لا أحد استطاع تأكيد تردده على طبيب، «لم يخضع لأي علاج علمي أو طبي بل كانت أمه تذهب به لدى بعض الفقهاء أو الأضرحة، ولم يخضع أبدا لأي فحص طبي في جانبه النفسي».

الإعدام موقوف التنفيذ منذ تنفيذه في حق الكومسير ثابت
حسب الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان فإن عقوبة الإعدام تعد فعلا يتسم بالوحشية، إذ يدعو إلى إلغائها لأنه لا يتم تنفيذها في المغرب ولا تحقق الردع الذي من أجله وضعت العقوبة، وهو ما أكدته تجارب دول تطبق عقوبة الإعدام كما هو الحال في الصين وإيران، إذ أن تطبيق عقوبة الإعدام في هاتين الدولتين ورغم ذلك لم يحقق الردع ويحد من الجرائم.
وأوضح الصبار في ندوة بمجلس النواب حول العقوبات الرادعة للسفاحين، «أن مطالبة ذوي الحقوق بإعدام المجرمين، مطلب باطل. لا يجب دغدغة العواطف والحديث عن سفاح قتل أطفالا وقام بدفنهم، مؤكدا أن من قام بهذا الفعل ليس سويا ويجب معالجته».
وفي محاولة للفت انتباه الوزير مصطفى الرميد، قال الصبار إن من يعانون اليوم من أحكام الإعدام بخلفية سياسية هم الإخوان المسلمون في مصر، مجددا دعوته لإلغاء عقوبة الإعدام.
وأمام هذا التطور عرف سؤال جدوى عقوبة الإعدام طريقه نحو الاتجاهات الفكرية التي تناولت بالبحث والتحليل فلسفة العقوبة، خاصة بعدما ارتبطت عقوبة الإعدام بأبعاد نفسية واجتماعية ودينية، واعتبر المشرع المغربي من خلال منظومته الجنائية عقوبة الإعدام عقوبة جنائية أصلية، بل ووضعها من حيث سلم التراتبية في أعلى الهرم. وبالرغم من هذا التصنيف، فقد حاول التلطيف من الأمر بأن أعطى للمحكمة صلاحية تمتيع المتهم بظروف التخفيف وتطبيق عقوبة السجن المؤبد أو السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة ما لم يوجد نص قانوني مانع، إذا ما تبين لها أن عقوبة الإعدام عقوبة قاسية بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة من طرف المتهم أو بالنسبة لدرجة إجرامه.
وحسب محمد بنعليلو، رئيس قسم القضايا الجنائية الخاصة بوزارة العدل، فإن المشرع المغربي أوقف تنفيذ عقوبة الإعدام على قرار رفض طلب العفو، وقيد تنفيذها بالنسبة للمرأة التي ثبت حملها، بمرور سنتين على وضع حملها. وبعد ذلك يتم تنفيذ عقوبة الإعدام سرا بأمر من وزير العدل رميا بالرصاص، بواسطة السلطة العسكرية داخل المؤسسة السجنية التي يوجد المحكوم عليه رهن الاعتقال بها، إلا إذا قرر وزير العدل أن يكون التنفيذ علنيا أو في مكان آخر يعنيه، كل ذلك وفق طقوس تشريعية خاصة تنتهي بتحرير محضر تعلق نسخة منه بباب المؤسسة السجنية التي وقع فيها التنفيذ لمدة أربعة وعشرين ساعة أو بباب بلدية مكان التنفيذ إذا وقع ذلك خارج المؤسسة السجنية. وبناء على طلب، تسلم جثة المحكوم عليه إلى عائلته، على أن تلتزم بدفنه في غير علانية، وإلا فيتم دفنه من طرف الجهات المختصة بمسعى من النيابة العامة. إن التشريع الجنائي المغربي ما يزال محتفظا بعقوبة الإعدام، وينهج قضائيا سياسة التقليص والحد من الحكم بها وتنفيذها، كما أن العفو الملكي يلعب دورا هاما في إعادة التوازن للسياسة العقابية، بشكل يمكن أن يستنتج معه أن التطور يسير نحو الإلغاء الواقعي لهذه العقوبة، بالحد التدريجي منها، وتجديد العقوبة الصادرة بها بعدما احتد سؤال الإلغاء التشريعي لهذه العقوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى