شوف تشوف

شوف تشوف

النصب بالهلوكوست

هذه الأيام تحتل أخبار الأجانب في المغرب واجهة الأحداث في وسائل التواصل الاجتماعي، من السائحة الإنجليزية التي شبعت سبان في بائع في السوق لا لشيء سوى أن المسكين كان يعرض دجاجاته للبيع داخل قفص، ولما أن السائحة حساسة جدا تجاه قضية الدجاج فقد “عرقت” له وعزمت العقد على تحرير الدجاجات وإطلاق سراحها في السوق، مرورا بالمواطن الأمريكي الأسمر الذي خلطه رجال سلطة، حسب روايته، بمهاجر سري من جنوب الصحراء وشحنوه في حافلة متوجهة إلى بني ملال، وصولا إلى المواطن الألماني الذي ظل يشيد طوال عام نصبا للهولوكوست في نواحي مراكش دون أن يكون متوفرا حتى على بطاقة الإقامة في المغرب.
وإذا كان ما حدث مع السائحة الإنجليزية مدعاة للضحك وما حدث للأمريكي مدعاة للتأمل، فإن ما حدث مع الألماني خطير جدا وهو مدعاة لاستخلاص العبر.
والواقع أن الفن ليس جريمة، لكن النصب والاحتيال و”التبوحيط” باسم الفن هو أكبر جريمة، هذا ما يجب قوله لذلك النصاب الألماني المبتدئ المسمى أوليفر بينكوفسكي، الذي كان يجب أن يوضع في السجن بدل أن يرحل، بعدما ادعى أنه أقام نصبا تذكاريا لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية في أوربا بضواحي مراكش، باسم جمعية وهمية سماها “بيكسيل هلبير الدولية”، واستعملها في النصب والاحتيال على الناس، عبر تسول الدعم الدولي باسم قضية إحراق اليهود، وقتل الروهينغا واضطهاد الشواذ، مستغلا في سبيل ذلك، مثل حاطب ليل، “خالوطة جالوطة” من الرموز الماسونية والصهيونية والبيئية والمثلية والإسلامية والمسيحية واليهودية والشيطانية، إضافة إلى استغلال العلم الوطني المغربي وعلم الاتحاد الأوربي، والتي هي خلطة غير متجانسة بشكل فج، لم تنطل تفاهتها إلا على بعض الانتهازيين عندنا من تابعي جيلالة بالنافخ وبعض بسطاء وفقراء المنطقة الذين قبلوا أن يلبسهم المحتال الألماني ألبسة موحدة خضراء وأن يتراقصوا مثل المجاذيب أمام عدسات الكاميرا بلحاهم الكثة ومظاهرهم البئيسة، ليقوم بتسويقها فيسبوكيا بمزجها بأغنيات ألمانية كئيبة، في إطار عملية استدرار عطف المانحين لقضيته الوهمية.
إن إقامة أوليفر لنصب تذكاري لمحرقة اليهود بأوربا أو ما يسمى بالهلولكوست، هي في حقيقتها إساءة إلى اليهود المغاربة قبل أن تكون إساءة إلى غيرهم، وقد سارع بعض عقلائهم إلى استنكارها، فهي تحاول إقحام المغرب في سجال سياسي هو بعيد عنه بعد السماء عن الأرض، فالمغرب احتضن اليهود وحماهم من بطش النازية عندما كانوا في أمس الحاجة لتلك الحماية، والجميع يعترف له بذلك، والمغاربة بكل مكوناتهم ليسوا مطالبين بإقامة نصب تذكاري أو غيره لإحياء ذكرى “الهلوكوست”، وأوليفر باعتباره مواطنا ألمانيا (أو على الأصح بولنديا) يعرف جيدا من أحرق اليهود وغير اليهود، ومن شحنهم في قطارات في فرنسا وسلمهم لهتلر، ومن يجب عليه أن يقيم لهم نصبا تذكاريا في أرضه، أما المغاربة اليوم فلا يهمهم موضوع محرقة أوشفيتز بقدر ما يهمهم وقف اغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني، وإحراق أطفاله في قطاع غزة والضفة، وهدم جدار الفصل العنصري، ووقف تهويد القدس، هذه هي الرموز التي غيبها صاحبنا، “ماشي تبني دار كحلا وتسميها محرقة”.
وإذا كانت السلطات المغربية قد سارعت إلى هدم البناء العشوائي المقام من طرف النصاب أوليفر، بعدما ثارت الضجة حوله، معلنة عدم ترخيصها له بالبناء، وإذا كانت قررت ترحيل هذا الأخير، فإن مسؤوليتها تبقى قائمة لأن هذا المخالف للقانون كان يجب أن يتابع ويحاكم أمام القضاء إلى جانب المقاول الذي ساهم معه في الجريمة وكل من تستر عليها، ولأن هذا البناء لم ينبت بين عشية وضحاها فلنا أن نتساءل أين كانت عيون السلطة التي لا تنام عندما كانت شاحنة البريلي الصفراء رقم لوحتها 27/أ/491، تحمل الأتربة والرمال والإسمنت إلى المنطقة أمام أنظار العالم، وأين كانت السلطات وهي ترى عمال البناء يشيدون بناية سوداء، “كضرس مسوسة” ويحيطونها بأسلاك شائكة مرتفعة تحاكي الأسلاك التي يقيمها الاتحاد الأوربي بينه وبين المهاجرين الأفارقة لمنعهم من الالتحاق بأراضيه، ويزودونها بكاميرات مراقبة متطورة وهم يرتدون ملابس غريبة ترمز لياجوج وماجوج.
والنَّاس حقيقة يستغربون من “غفلة” السلطات المحلية، فهي لا تنتبه للأشخاص الذين يشيدون منازلهم وسط سور تاريخي، ولا تنتبه للذين شيدوا ملعبا في مجرى الوادي، ولا تنتبه لأجنبي لا يملك حتى بطاقة الإقامة يشيد نصبا طيلة سنة.
ومع ذلك فإن ما يجب البحث فيه ليس من زاوية النشاط المدني المزعوم للجمعية الوهمية والذي يبقى نشاطا تافها، ومحاولة فاشلة للعزف على أوتار المحرقة وادعاء تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين في مختلف أنحاء العالم وجمع التبرعات لتنمية المناطق الفقيرة، ولكن البحث الحقيقي كان يجب أن ينصب على تلك الشركات التي أسسها ذلك النصاب باسم مؤسسة “بيكسل”، والتي تحمل أسماء: Pixelhelper entreprise ذات السجل 36939 المسجلة بتاريخ 15/08/2014، Pixelhelper Agency ذات السجل 63954 المسجلة بتاريخ 19/08/2014، Pixelhelper Equipements ذات السجل 64019 المسجلة بتاريخ 26/08/2014 ، Pixelhelper international ذات السجل 46023 المسجلة بتاريخ 26/08/2014، Pixelhelper town ذات السجل 36967 المسجلة بتاريخ 19/08/2014، وكلها لديها تعريف ضريبي خاص بها، ومسجلة بالسجل التجاري للمحكمة التجارية بمراكش ومؤسسة في صيغة شركات تجارية ذات مسؤولية محدودة بشريك وحيد وبرأسمال 10.000 درهم لكل واحدة، وموطنة برقم 2 عمارة المسعودي شارع موريطانيا بمراكش، ولها رقما حساب بنكيان واحد بمدينة بوخم الألمانية والثاني بمدينة مراكش عند البنك المغربي للتجارة الخارجية بوكالة المنارة، بمعنى أن صاحبنا يستدر الإحسان العمومي كجمعية لفائدة شركات تجارية أسسها بغاية الربح، في وقت يدعي فيه كونها مؤسسة لا تهدف إلى الربح، فهو بذلك نصاب محترف.
و”نزيدكم”، فصاحبنا أسس شركة أخرى بنفس العنوان تحمل اسم Zombies sans frontières ذات السجل التجاري 89535 مسجلة بتاريخ 13/06/2018، والتي فتح لها حساب فيسبوك خاصا بها وأثثه بصور أفارقة جنوب الصحراء لكي يطلب لفائدتها الدعم الدولي من المحسنين بنفس المزاعم وبكل لغات العالم، بما فيها اللغة الهندية، هذا بالإضافة إلى شركة Caveman international ذات السجل التجاري 64339 المسجلة بتاريخ 23/09/2014 الموطنة بنفس العنوان، فضلا عن امتلاكه لشركات بألمانيا منها المتخصصة في فنون الإنارة، ومنها شركة Caveman Guerilla Marketing Agentur GmbH المشطب عليها بتاريخ 08/07/2014 وشركة Pixelhelper rebellion GmbH التي تهدف، حسب السجل التجاري بألمانيا، إلى تطوير حلول رقمية للعمليات السياسية وكذلك المشورة ذات الصلة مع البلدان والحكومات ومراكز الفكر والشركات والأفراد والتجارة في جميع المنتجات لدعم وظائف البرنامج، سيما المنتجات التكنولوجية المتعلقة بالاتصالات عن بُعد وتطوير منصات الطائرات بدون طيار المتوافقة مع الصحراء وتقديم الخدمات الإعلانية… وشركة كاطارينا التي تولى تصفيتها سنة 2011، وشركة إيبوشال التي تدخل ضمن أهدافها خدمات التحكم والتنسيق في مجال القاعات والمعارض التجارية والإحصاءات وتشجيع الصناعات الإبداعية. لتأتي في الأخير شركة PIXELHELPER FOUNDATION GGMBH، التي تعتبر مؤسسة غير ربحية تسعى إلى الترويج لحماية البيئة، وتشجيع الفن والثقافة، فضلاً عن تقديم المساعدة لضحايا الاضطهاد السياسي أو العرقي أو الديني واللاجئين أو المطرودين أو ضحايا الحرب أو الناجين من الحرب أو أسرى الحرب، على وجه الخصوص .
ومهما يكن من أمر فإنه من المؤكد أن صاحبنا أوليفر بينكوفسكي، الذي يعلن عن انتمائه للماسونية، على غير عادة الماسونيين عبر التاريخ، يشتغل في المغرب خارج إطار القانون سواء كان قانون الحريات العامة أو قانون الشركات، وأن عمله لا يتعلق بإقامة نصب للهلوكوست بقدرما هو نصب بالهلوكوست، ومن هنا نهمس في أذن محامي “الجمعية الوهمية”، والقيادي في الحزب “الليبرالي الحر” الذي سارع إلى إصدار بلاغ يساند موكلته، بأن يتريث حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بدل أن يفتي بما ليس له به علم، وأن يدعي بدون سند قانوني أن النصب التذكاري المهدم من طرف السلطات المغربية لا يحتاج إلى ترخيص، متجاهلا وهو رجل قانون، أن هذا النصب هو عبارة عن محفل مبني بالطوب والحديد والإسمنت، ويضم أساسات وسقوفا وأسوارا وغرفا متعددة ترمز لمقابر ومسلات وطواحين، إذا كان الأمر كذلك فسيكون من حق كل مواطن مغربي أن يبني مسكنا عشوائيا بدون رخص ولا تصاميم، وأن يتمسك بكونه يريد أن يرمز به لضريح سيدي قنقوش أو لالة عيشة البحرية، حتى يتجنب هدمه باسم حرية المعتقد والحق في حرية التعبير الفني.
إن لجوء أوليفر بينكوفسكي للقضاء للمطالبة بالتعويض، لن يكون إلا مزايدة سياسية خاسرة مسبقا، إذ سيكون من المفروض عليه أن يمد القضاء بالوثائق القانونية لجمعيته المزعومة وبقانونها الأساسي وبوصل إيداعها لدى السلطة المحلية، والتصاميم وتراخيص البناء والسكن وغيرها من الوثائق التي تثبت سلامة وضعيته ووضعية جمعيته، أما مجرد التلويح باللجوء إلى القضاء وإصدار البيانات والبلاغات المهددة بذلك، واتهام السلطات العمومية بالشطط أو بمعاداة السامية فلن يكون إلا حلقة من حلقات التسول والابتزاز التي مارسها المعني بالأمر منذ بداية مشروعه إلى حد الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى