شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفنن- النسوة

بغيت داري بوحدي

قبل سنوات وأثناء اجتيازي لأحد الامتحانات الشفوية، طرح علي الأستاذ سؤالا غريبا لازال راسخا في ذاكرتي. صحيح أن السؤال كان في سياق الموضوع والمادة، لكنني استغربته حينها وتوقفت عنده للحظات قبل الإجابة. سألني الأستاذ ما السبب الذي يجعل الحماة والكنة في حرب أبدية رغم أن كلاهما أم وزوجة؟ ما أصل الصراع بين طرفين تجمعهما قواسم مشتركة عديدة؟

فكرت مليا في هذه المعضلة الفلسفية المعقدة ثم اقتبست إجابتي من جملة شهيرة لطالما تداولها الجميع. قلت للأستاذ «ابحث عن الرجل».. حين يتعلق الأمر بنيل رضى وحب الرجل تفقد النساء عقولهن وإنسانيتهن أيضا. لقد غسل النظام الأبوي أدمغة النساء بـ«الما القاطع» وحولها إلى آلات ميكانيكية تعمل بنظام تشغيل موحد، كلمة سره هي الذكر المقدس. فلماذا تتقاتل الحماة والكنة على ابن/زوج مدلل فاشل عاطل عن العمل والحياة؟ ما القيمة المضافة التي يمنحها هذا الكائن سواء لأمه أو زوجته حتى تُشَنّ من أجل سواد عينيه الحروب وتحاك لاستمالته الضغائن والمكائد؟ آش غادي يزيدك هاد الراجل يا هاد المرا؟

من الملاحظ أن غسيل المشاكل الزوجية والأسرية انتقل من قلب البيوت المغربية أو ردهات المحاكم إلى منصات مواقع التواصل الاجتماعي.. حيث ظهر نوع عجيب من القنوات والحسابات المتخصصة في سرد قصص حقيقية من الواقع. تتنوع هذه القصص بين الطريف والعاطفي والمأساوي، غير أن حصة الأسد تستولي عليها مضاربات العݣوزة واللوسة ومرات الولد..

لا أخفيكم سرا أنني أستمتع غالبا بالاستماع إلى طريقة السرد الحكائي المتميز لإحدى الرَاوِيات التي تستعمل أدوات درامية مثيرة في حكاياتها، مما يجعلك تظن أنك تتابع قصة حياة عائلة السوبرانو وليس عائلة مغربية فقيرة اشتبكت فيها بالأيادي الكنة مع الأخت الصغرى للزوج من أجل «نوبة تجفاف الدروج».. يجوز لنا القول إن هذا النوع من القصص منجم ثمين يكتنز نماذج اجتماعية واقتصادية ونفسية جديرة بالدراسة والتحليل وأحيانا بالكثير من التصرفيق.. إن قصة بسيطة لزوجة قاصر تعاني الظلم والاستعباد في بيت العائلة أو زوجة ستينية طُرِدت من منزلها بعد أن أفنت حياتها في تشييده أو زوجة تتعرض للتحرش من أحد أفراد عائلة الزوج.. كل هذه المآسي الاجتماعية تجعلني أطرح سؤالا واحدا لا غير: هل كانت مؤسسة الزواج سابقا أفضل حالا من اليوم؟

يحن الجيل القديم إلى زمن «الصفا والنية» حيث عمت مظاهر الاحترام وقيم التآزر والمودة والرحمة بين أفراد المجتمع. يصر أبناء الأجيال السابقة على أن «زواج بكري كانت فيه البركة». يقدم هؤلاء نموذجا ورديا لما كان عليه الإنسان المغربي قديما ويتنكرون لأي مظهر من مظاهر التقصير أو الإهمال الأسري. فهل فعلا كان الزواج سابقا مشروعا إنسانيا ناجحا؟ أم أن الأمر برمته مجرد وهم يروج له جيل من الرجال الذين يشعرون بالحنين لزمن «العصا»؟ هل فعلا قامت البيوت المغربية قديما على الحب والاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين؟ أو أن البيوت كانت قائمة على صبر وصمت النساء؟

لا تخلو الذاكرة الجمعية للأسر المغربية من حكايات الجدات المؤلمة التي رددنها على مسامعنا ونحن أطفال لا نرجو من العالم سوى فسحة لعب وقطعة سكر.. تروي الجدات كيف تم تزويجهن قسرا وهن طفلات لرجال في منتصف أو نهاية العشرينات. لطالما استوقفني التصالح مع الذات ومع الماضي الأليم لدى العديد من النساء اللواتي تعرضن للظلم والتعنيف وحُرِمن من أبسط حقوقهن الإنسانية كالحق في التعليم أو حرية الحركة والتنقل. قصص مأساوية كثيرة لم تجد حينها منصة تواصل اجتماعي تروي معاناتها وتعري حقيقة «الصبر» الذي يُلَوّحُ به في وجوهنا جيل الأجداد كلما تعلق الأمر بحقوق النساء وحريتهن. فإذا كانت الزوجة غير متعلمة وتعاني من أمراض عضوية خطيرة نتيجة للولادات المتكررة والمتقاربة، لا تملك عملا أو حسابا بنكيا ولا تفقه من أمور الحياة سوى خدمة الزوج وأمه..، فمن المنطقي أن تستسلم هذه الزوجة المغلوبة على أمرها لمصيرها المزري وتستمر مكرهة في زواج يمتد لعقود من الزمن.

إن المأساة الحقيقية هي تكرار هذا النموذج الرديء من العلاقات الأسرية الفاشلة في زمن نالت فيه النساء بعضا من حقوقهن بقوة القانون. أشعر بالإحباط الشديد وأنا أطالع قصصا لفتيات في مقتبل العمر اخترن طواعية الارتباط بشاب عاطل مدمن وسيئ الطباع باسم الحب! تترك المراهقة مقعدها الدراسي لتلتحق بغرفة مهترئة بسطح منزل عائلة الزوج.. لتعيد كتابة تاريخ من المهازل الإنسانية التي حان وقت انقراضها للأبد.

إن الإصرار على إنتاج نماذج بشرية فاشلة لا تضفي أي قيمة حقيقية للمجتمع انتحار جماعي مع سبق الإصرار والترصد. التكاثر العشوائي في ظروف لا إنسانية جريمة مكتملة الأركان. أتساءل هل لو عاش محمود درويش مع زوجته وأمه تحت سقف غرفة واحدة، هل كان فعلا سيحن إلى خبز أمه؟ وهل كان سيعيد ترتيب المساء بما يليق بخيبته وغيابها؟ أو أنه كان غادي يهز جلابتو وما يعرفوه فاين مشى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى