شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

بلا خبار الطاليان

يونس جنوحي

 

هناك إقرار دولي مفاده أن تصنيف الجامعات، عالميا، يخضع في بعض تفاصيله لمعايير تجارية لا علاقة لها بجودة التحصيل الأكاديمي أو رصانة البحث العلمي. وهذا يعني أن هناك جامعات ومراكز مستعدة للدفع بسخاء لتحتفظ بمراكز الصدارة. يحدث هذا في وقت لا تصل فيه أسماء بعض الجامعات في الدول النامية إلى اللوائح النهائية، رغم أنها تُنتج بانتظام كفاءات تشتغل في أكبر مراكز البحث العلمي في العالم. أين يكمن الخلل إذن؟

في المقابل، ثمة جامعات دولية تنفق بسخاء على الدورات والندوات التي تدار من طرف باحثين من مختلف الجنسيات وتدعم طبع الدراسات، إلا أنها لا تصل أبدا إلى مقدمة لائحة أفضل الجامعات حول العالم، والسبب أن البرامج التي تعتمدها والأطر التي تشرف على التدريس ليست من المعترف بها.

ووقع عدد من الطلبة المغاربة ضحايا لمثل هذه الجامعات والمراكز، وآخرها شعبة للدراسات العليا باللغة العربية، فُتحت في فرع جامعة إيطالية سنة 2017، ودفع أصحابها بسخاء لتعميم إشهار وإعلان انطلاق التسجيل في الموسم الدراسي خلال ذلك العام، وأعلنوا أسماء باحثين إيطاليين على أساس أنهم سيشرفون على البحث العلمي للطلبة العرب الراغبين في الحصول على شهادة الماجستير من تلك الجامعة -بعض هؤلاء الباحثين أكدوا في الأخير ألا علاقة لهم بتلك الشعبة ولا علم لهم بوجودها أصلا- وهكذا أحيطت الشعبة بهالة لا أساس لها.

استغرق الأمر بضعة أشهر ليكتشف الراغبون في التسجيل أن الأمر يتعلق بعملية «احتيال علمي»، خصوصا وأن الإشهار اعتمد في استقطاب الطلبة على ضمان حصولهم على التأشيرة للسفر إلى إيطاليا، والإقامة بطبيعة الحال لقضاء فترة الدراسة.

هذه الجزئية لوحدها كانت كافية لضمان استقطاب طلبة من المغرب والجزائر وتونس، ليرسلوا أوراقهم إلى البريد الإلكتروني الموضوع رهن إشارة الراغبين في التسجيل.

المبلغ، الذي كانت تطلبه إدارة الشعبة للتسجيل، كان أرخص بكثير مما يطلبه أعضاء شبكات الهجرة السرية، لذلك كان اختيار التسجيل في لوائح الماستر للحصول على فرصة للسفر إلى إيطاليا، أرخص بكثير من محاولة عبور البحر المتوسط -موضوع الدراسة في الشعبة له علاقة أصلا بدول البحر المتوسط- للوصول إلى «النعيم» الأوروبي.

المثير في هذه القصة كلها، لائحة الأساتذة الذين أعلنت الشعبة عن تفرغهم لتدريس الطلبة، إذ اتضح أن بعض الذين وردت أسماؤهم في اللائحة ليسوا إلا نصابين ممن يحترفون إلقاء المحاضرات والمشاركة ببدعة «الأوراق العلمية»، خصوصا وأن بعضهم لا تتوفر فيهم الأهلية الأكاديمية أصلا لتأطير الطلبة في التخصص المطلوب.

هؤلاء، الذين تحولوا لاحقا إلى موضوع للسخرية، اتضح أنهم بنوا لأنفسهم مسارات علمية براقة، من خلال حضور الندوات الدولية ونشر المقالات الصحفية في صفحات الرأي في بعض الصحف العربية، وسافروا أحيانا على نفقتهم الخاصة للمشاركة في بعض المهرجانات والملتقيات الثقافية. وعندما نسقوا بينهم، كانت النتيجة إخراج تخصص علمي، الله وحده يعلم كيف أقنعوا إدارة جامعة إيطالية محترمة باعتماده، قبل أن يتم التراجع عنه في وقت لاحق.

ما جعل أغلب الطلبة، الذين اهتموا بالمشروع في البداية، يشكون في جدوى الشعبة ومدى جدية البحث العلمي الذي تتخصص فيه، الطريقة التي كانت تتواصل معهم بها إدارة الشعبة، إذ إن موظفة متفرغة للاتصال الهاتفي لم تكن تتردد في الاتصال بكل طالب على حدة لتُذكره بأنها ستُمدد أجل التسجيل من أجله هو، أو هي، شخصيا يومين إضافيين ليتدبر مبلغ فرصة الدراسة في إيطاليا، بدون علم الإيطاليين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى