
في ظل الاحتجاجات الاجتماعية، والنقاش العام الدائر حولها بالمملكة المغربية، وسعي الحكومة وكافة المؤسسات إلى تسريع الأوراش التنموية الكبرى، والتجاوب مع الملفات المطلبية بشكل عام، تبرز ظاهرة خطيرة تمثلت، هذه الأيام، في تنام غير مسبوق لخطاب التيئيس، الذي يهدف إلى إغلاق كافة أبواب الأمل في وجه الشباب، وترويج صورة قاتمة عن مستقبل الوطن.
ومن يتابع تطورات خطاب العدمية، يلمس كيف تحول الأمر إلى جوق يعزف نفس اللحن من دغدغة العواطف، والدفع في اتجاه الرفع من نسبة الاحتقان الاجتماعي، وتبخيس الحلول الموضوعية التي يتم طرحها من الجهات الرسمية، والاستهداف المباشر وغير المباشر لكل ما يمكن أن يُساهم في تكريس الاستقرار، وإفراغ النقاش العمومي من مضمونه الإصلاحي.
لقد ظهر بشكل جلي أن هناك منصات اجتماعية تتنافس في نشر فيروس السواد، بدون كلل أو ملل، وتقدم وصفات في كيفية اغتيال الأمل في نفوس الشباب، والحكم المطلق على المستقبل وكأن من يقفون خلف التنظير أتوا للتو من هناك، وليس الأمر مجرد توقعات وتخمينات تتحكم فيها مجموعة من المتغيرات العالمية المتسارعة، بحيث يمكن لحدث واحد أن يقلب كل التوقعات رأسا على عقب.
ولعل البعض يخلط بين الترويج للسوداوية ومعارضة السياسات العمومية، وهنا يجب التفريق بشكل جيد بين من يروج لواقع مظلم لا يعكس الحقيقة الكاملة ويروم التضخيم والتهويل، واجتزاء الصورة لتجاهل كل ما يُنجز من إصلاحات أو مشاريع، وبين من يتناول تحليل الأحداث والمعطيات وفق الموضوعية وإدراك حجم التراكمات واقتراح بدائل واقعية، مع الصدق في هدف الإصلاح الذي ينشده الجميع.
والخطير في خطاب تجار اليأس أنهم لا يهدفون لممارسة معارضة مسؤولة، ولا تهمهم التنمية ولا مصالح المغاربة، بقدر ما يحاولون ليل نهار زرع الإحباط في نفوس الشباب بشكل ممنهج، والتوجيه نحو مسار واحد يؤدي إلى العدمية والتشكيك في الحوار، وتبخيس المشاركة في صناعة القرار والمساهمة في التنمية، حيث تبقى الخلفيات مرتبطة بأجندات غامضة، تعمل على ركوبها أطراف تستثمر في الفوضى لا في الإصلاح.
وعندما نتطرق لما سبق ذكره، نؤكد أن المغرب ليس “جنة” ديمقراطية، لكنه بالمقابل ليس “جهنم” كما يُروّج البعض هذه الأيام بشكل مكثف وممنهج، والمؤسسات الرسمية تعترف بشجاعة بالأعطاب وتعمل على إصلاحها بثبات، كما تواجه المملكة تحديات كبرى مثل كل دول العالم، وتعيش على وقع المتغيرات العالمية، لكنها راكمت تجارب بما يكفي لحصاد إنجازات تنموية واضحة ومشاريع مستقبلية واعدة، وهو الشيء الذي يتم الاجتهاد في تنزيله ليجني الشباب ثماره، وسط الوعي بالمسؤولية الجماعية في حراسة المصالح الكبرى للوطن، وتطويرها وحمايتها من كل المتربصين.
وإذا كان النقد ضروريا لأي مشروع، وحرية التعبير مكفولة دستوريا، فإن المسؤولية تحتم أن يكون هذا النقد لأجل البناء بخلفية وطنية صادقة، تظهر من خلال المؤشرات وليس الانطباعات، والدفع بالشباب وتشجيعهم على المشاركة في النقاش العمومي من داخل المؤسسات الدستورية، ومنحهم الثقة في النفس لتشكيل قوة معارضة وداعمة أيضا داخل مسارات مؤسساتية شريكة في الإصلاح.





