
طنجة: محمد أبطاش
يحبس سكان حي الرهراه بطنجة أنفاسهم، كلما سمعوا قطرات المطر تهطل فوق نوافذ شققهم أو أسطحها، بعد أن تفاجؤوا أخيرا بانزلاق أرضي غير مسبوق أسفل المجمعات السكنية التي يقطنون بها على قمة تل في هذا الحي. ويعيش السكان حالة من الذعر، فمنهم المستأجرون الذين شرعوا في جمع أمتعتهم استعدادا للمغادرة، خوفا على حياتهم وحياة أبنائهم، ومنهم من تورط في شراء شقق ضمن السكن الاقتصادي والاجتماعي، بينما شيد آخرون فيلات سكنية بتراخيص رسمية فوق أعلى تل الرهراه، حيث يتمتعون بإطلالة بانورامية على مدينة طنجة خلال الصيف، ولكن لم يخبرهم أحد أنهم يقطنون فوق ثلاث آبار قديمة!
مراسلات قبل الخطر الداهم
قبل التساقطات الأخيرة التي شهدتها مدينة طنجة، نبه السكان إلى وجود تصدعات وتشققات في التربة، لكن ذلك لم يُترجم إلى تدخل فعلي لمعالجة الوضع، فقد راسلوا السلطات المختصة والمنتخبة، لكن دون جدوى، كما لجؤوا إلى بث نداءات مرفقة بالصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي للفت الأنظار.
ومع استمرار الأمطار الغزيرة طيلة الأسبوعين الماضيين، توسعت دائرة الانزلاقات الأرضية، مما عزز المخاوف من تكرار سيناريوهات كارثية، شبيهة بانهيار عمارة سكنية كانت قيد البناء في ماي الماضي، والذي أسفر عن وفاة حارس الورش.
ثلاث آبار مردومة
في تصريحات من عين المكان، أجمع سكان المنطقة على أن موقع المجمع السكني كان في الأصل يحتوي على ثلاث آبار تم ردمها وتغطيتها، قبل الشروع في عمليات البناء، وهو ما يفسر جزءا من مشكلات التربة الحالية.
فالآبار القديمة، وفقا لبعض المصادر، تشكل جيوبا جوفية يمكن أن تتحول إلى نقاط ضعف هيكلية مع تسرب المياه أو تراكمها تحت سطح الأرض. وخلال كل موسم شتاء، تصعد المياه الجوفية إلى السطح نتيجة لعدم قدرة التربة على امتصاصها بشكل كاف، مما يؤدي إلى تشبع التربة بالمياه وانجرافها، متسببا في تصدعات وانهيارات أرضية متكررة تهدد البنايات المشيدة فوقها، وهو الوضع الذي تعيشه المجمعات السكنية اليوم في هذه المنطقة.
تراب المرج
إلى جانب هذه الآبار التي تم ردمها قبل تشييد التجزئات السكنية، فإن الانزلاقات التي تعرفها المنطقة تعود أيضا إلى طبيعة التربة في منطقة الرهراه، والتي تتميز بتركيبتها الهشة المعروفة محليا بـ«تراب المرج»، وهو نوع سهل الانزلاق، خصوصا عند تعرضه لمياه الأمطار الغزيرة. كما أن الموقع الذي شُيد فيه المجمع السكني كان في الأصل عبارة عن تلال ترابية وهضاب مغطاة بالغابات، قبل أن يتم الترخيص للمشاريع العقارية خلال السنتين الماضيتين، دون إجراء دراسة معمقة لطبيعة الأرض وتأثير ذلك على استقرار المباني، وفقا لبعض المصادر المطلعة.
المسؤولية في «أرشيف» اللجنة
عاينت «الأخبار» حلول عدد من اللجان بعين المكان طيلة الأيام الماضية، كما تم إرسال فرق خاصة تابعة لشركة «أمانديس»، لمحاولة إنشاء أحزمة إسمنتية للحد من الانزلاقات الأرضية.
وأشارت بعض المصادر المطلعة إلى أن المسؤولية في هذا الملف تقع على عاتق اللجنة التي تم انتدابها خلال السنوات الماضية وأعطت الضوء الأخضر للبناء في هذه المنطقة، خاصة أن عملية الحصول على رخص التجزئات السكنية تمر عبر عدة مراحل. تبدأ هذه العملية بتقديم طلب من طرف المنعش العقاري إلى المصالح المختصة في الجماعة المحلية، حيث يتم تقييم المشروع من قبل لجنة تقنية تضم ممثلين عن قسم التعمير، الوكالة الحضرية، والسلطات المختصة. يُفترض أن تدرس هذه اللجنة مدى مطابقة المشروع لقوانين التعمير، وتُجرى دراسات جيولوجية وهندسية للتأكد من سلامة الموقع، غير أن الواقع يكشف عن تجاوزات خطيرة في هذا الملف.
وأوضحت مصادر مطلعة على الملف أن المسؤولية في مثل هذه الحالات تقع على عدة جهات، من بينها المنعش العقاري الذي قد يتلاعب بالمعطيات التقنية، والسلطات التي تمنح التراخيص دون التدقيق الكافي، إضافة إلى المجالس الجماعية التي قد تتغاضى عن المخالفات. كما أن غياب الرقابة الصارمة أثناء تنفيذ المشاريع السكنية أدى إلى تفاقم هذه المشكلات، مما يجعل السكان في مواجهة كوارث محتملة دون تدخل حازم من الجهات المعنية.
تجارب وحلول
قالت مصادر خبيرة بتاريخ تراب مدينة طنجة إن تفادي كارثة محققة يستدعي تعزيز استقرار التربة من خلال بناء جدران استنادية قوية، واستخدام أنظمة تصريف مياه الأمطار بفعالية لمنع تشبع التربة بالمياه، كما يمكن اللجوء إلى تقنيات تدعيم التربة، مثل الحقن بالإسمنت، أو استخدام الركائز العميقة لتقوية الأساسات.
وأضافت هذه المصادر أن تجارب سابقة على المستوى العالمي أظهرت حلولا مماثلة، حيث واجهت عدة مدن، مثل بعض المناطق في اليابان وإيطاليا المشكلات نفسها. وتم هناك منع البناء تماما فوق الأراضي الهشة، كما تم تطوير برامج لإعادة توجيه المياه الجوفية بطريقة تقلل من مخاطر الانهيارات. إضافة إلى ذلك، ساهم استخدام تقنيات الرصد المستمر لحركة التربة بواسطة الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار في تجنب كوارث مشابهة.
أما بشأن اقتراح السكان بربط الآبار القديمة بأنابيب تصريف خاصة، فهو حل قد يكون فعالا، إذا تم تنفيذه بعناية وفق دراسات هندسية دقيقة، إذ يمكن أن يساعد ذلك في تقليل تجمع المياه الجوفية التي تؤدي إلى تشبع التربة. ومع ذلك، فإن نجاح هذا الحل يعتمد على تصميم شبكة تصريف متكاملة توجه المياه نحو قنوات آمنة، دون التسبب في انهيارات أخرى.