شوف تشوف

الرأي

حزب يلتحق بجريدته

يونس جنوحي

كل الصحف العالمية تقريبا كتبت عن السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة. وبدأت سلسلة المقالات في كبريات الصحف العالمية تنتشر حتى قبل أن يصدر خبر إعلان استقالة أعضاء الأمانة العامة للحزب.
كانت عادة الإخوان طيلة هذه السنوات، منذ 2012 إلى اليوم، اتهام كل من ينتقد الحزب بالعمالة لجهات ما. ولا بد أن كلمة الصناديق في الاقتراع الأخير أكبر درس سياسي في السنوات الأخيرة بعد الدرس السابق الذي تلقاه اليساريون سنة 2007.
والحقيقة أن أعضاء حزب العدالة والتنمية كان عليهم أن يتوقعوا هذه النتائج بدل أن يستمروا في سياسة الهروب إلى الأمام والبحث عن سنوات أخرى يعلقون فيها اللوم على كل الاتجاهات. منذ إشكال مشروع تقنين زراعة القنب الهندي، باعتباره آخر الامتحانات، كان العدالة والتنمية يدق المسمار الأخير في تابوت الحزب. إذ ظهر بالواضح أن من يفترض فيهم أنهم نواب الأمة، لم يكونوا مرتبطين نهائيا باهتمامات المواطنين في هذا الملف.
موضوع مشروع قانون تنظيم زراعة القنب الهندي لا يمكن أبدا التعامل معه بنفس الشعبوية الانتخابية الفارغة التي دأب عليها الحزب. يتعلق الأمر بملف شائك منذ حصول المغرب على الاستقلال، وفعاليات حقوقية وعلمية وطبية تشتغل على الموضوع بجدية منذ أكثر من عشر سنوات، وأناس أفنوا أعمارهم من أجل الوصول إلى اللحظة التي يقطعون فيها مع أباطرة المخدرات ويوجهون محصولهم الزراعي لصناعات طبية ودوائية لإخراج أحزمة من القرى والمناطق النائية من دائرة الفقر والتهميش.
وعندما وضع مشروع القانون للنقاش، تعامل معه الأمين العام السابق للعدالة والتنمية بسطحية مستفزة، وتحدث عن الحلال والحرام وهدد بالاستقالة من الحزب والحياة السياسية، وحاول دغدغة مشاعر المحافظين، ليتحول المشهد كله إلى محاولة أمين عام ورئيس حكومة سابق فشل في تشكيل حكومة ثانية، للعودة إلى السياسة من وراء ملف تقنين زراعة القنب الهندي. ووضع استقالته وسحبها.
وقمة المزايدة السياسية ظهرت عندما استغل الحزب صناعة وترويج الخمور والسجائر لرفع عائدات خزينة الدولة من خلال فرض ضرائب مستمرة على هذه المنتجات ورخصها، وضخت في ميزانية الدولة ملايير السنتيمات سنويا طيلة وجود العدالة والتنمية على رأس التجربة الحكومية.
لكن عندما وصل الأمر إلى ملف تقنين زراعة القنب الهندي التي من شأنها القطع مع تجارة المخدرات، خرج عبد الإله بنكيران يهدد ويتوعد بأن هناك من يحاول نسف أخلاق المغاربة وإغراق الشباب في آفة الإدمان، وكأن انتشار المخدرات في أي مكان في العالم يحتاج إلى مشروع قانون!
هذا الركوب السياسي البئيس على ملف بهذا الحجم كان لا بد أن يتبعه درس صادر من صناديق الاقتراع. خصوصا وأن سلسلة من التصريحات والمواقف لرموز الحزب في السنوات الأخيرة كانت تتجه ضد المصلحة العامة للناس الذين أوصلوهم إلى تلك المناصب. فبعد التلويح ببيع التعليم والصحة وإحالة تدبيرها للخواص، وكأن المغرب لا يتوفر على أطر لإصلاح هذه الإدارات، جاءت نافذة «التعاقد» وإغلاق التوظيف في القطاع العمومي. وكلها قرارات بينت حجم الارتجالية وغياب أي برنامج سياسي للحزب طيلة هذه السنوات.
وبدل أن يتم التفكير في طريقة للخروج من الأزمة، دخل الحزب في حرب مفتوحة ضد كل من ينتقده. وكل من كان ينتقد أداء الحكومة، وجهت له منصات الحزب عبر وسائل التواصل الاجتماعي اتهامات جاهزة بالعمالة لجهات ما أو الاسترزاق.
معسكر الخير والشر، وإما أن تكون معنا وإلا فأنت فاسد، ونعت الخصوم السياسيين بالمفسدين ثم التحالف معهم، هي أكبر المصائب التي عجلت بدرس الأسبوع الماضي من شتنبر.
ثم إن موقفا طريفا حدث بعد ساعات على إعلان الانتخابات. إذ اتصل بي أحد الصحافيين في قناة عربية، وطلب مني أن أصور له الصفحة الأولى من صحيفة الحزب الحاكم لكي يرفقها في تقريره عن هزيمة الإسلاميين في الانتخابات. وعندما أخبرته أن صحيفة الحزب لم تعد تصدر منذ سنوات، أجابني قائلا: يبدو أنهم سقطوا منذ مدة، ولم ينتبهوا إلا الآن.
إذ إن الأحزاب القوية في العالم، لا تزال تحتفظ بصحفها الورقية التي تعكس وجودها على الأرض، رغم انتشار موجة المواقع والمنصات الافتراضية. أما الإخوان فقد أغلقوا جريدتهم وهم في عزّ قيادتهم للحكومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى