حسن فرج: «تراكمت الفواتير على والدتي قبل موتها وهكذا استفادت أختي من مالها»
حاوره: يونس جنوحي
أنت تروي الآن تفاصيل خطيرة عن قصة اختفاء والدتك قبل اكتشاف موتها، ألم تخبر الشرطة الألمانية بالأمر؟
بلى أخبرتهم. فأول ما قمت به عندما علمت أن لأختي علاقة بالأمر، هو أنني أخبرت الشرطة الألمانية بما توصلت به من إفادات من مالك الشقة القديم ووضعت شكاية ضد أختي وصهرها، وقلت للشرطة إنها صرفت كل ما لديها من مال ولا شك أن لاختفاء والدتي علاقة مباشرة باللحظة التي غادرت معها بالسيارة.
الأمر الثاني الذي قمت به في اليوم نفسه الموالي لحلولي بألمانيا، هو أنني توجهت إلى المحامي بعد أن نصحني البعض بضرورة اتخاذ التدابير الضرورية لأن الأمر كان خطيرا فعلا. ضربت موعدا مع محام ألماني وأطلعته على الأحداث وما قيل لي عند الشرطة، وبعد أن انتهيت معه، بدا لي أن علي العودة إلى المغرب. كان هذا في أواخر يناير 2014، أي أنه مضت أشهر على آخر اتصال بيني ووالدتي. آخر اتصال كان في منتصف مارس 2013، ومنذ أبريل ونحن نعيش في ترقب.
- هل نفهم من كلامك أنك لم تغادر للبحث عن والدتك إلا بعد مضي أشهر على رسالة قريبتك؟
نعم صحيح.. أريد أن أصحح هذا الأمر لأنه مهم. أحيانا تختلط علي التواريخ لكنني أعود لتدارك الأمور. لقد مر كل شيء بسرعة، وأحيانا أحس أن مراحل كثيرة لم أعشها كما يجب بسبب المشاكل التي لا تنتهي منذ 1999. بالعودة إلى ما وقع فإن رسالة قريبتي كانت في أبريل، وأمضيت شهورا من الترقب وانتظار اتصال والدتي في أية لحظة، لكن القلق استبد بي لما تلقيت اتصالا مجهولا يهددني بالتصفية ويخبرني أن حياتنا جميعا في خطر، فقررت أن أطمئن على والدتي خصوصا أن المعلومة الوحيدة التي كانت لدي في ذلك الوقت، هي أنها لم تعد تقيم في شقتها بأولم وأنها لم تخبر قريبتها بمكان انتقالها.
- لكن ما العيب في أن تكون والدتك غادرت مع أختك خديجة؟ ليست هذه هي المرة الأولى التي كانتا فيها معا.
الظروف تختلف. أتحدث هنا عن اختفاء وانقطاع أخبارها بشكل غير معهود على الإطلاق. الأمر ليس مألوفا، بل بالعكس، كان يستدعي القلق، ومن الضروري إحاطة السلطات علما بالأمر وبدء البحث عن والدتي.
- لماذا لم تبق في ألمانيا لاستكمال البحث عن والدتك؟
لم أجد أنه من الضروري أن أبقى هناك، والسبب الأقوى أنني لم أكن أتوفر على ما يكفي من المال للعيش في برلين وانتظار نتائج التحقيق الذي باشرته الشرطة، ولا حتى محاولة الوصول إلى أختي خديجة التي كانت مختفية تماما هي الأخرى ويستحيل الوصول إليها.
تذكرت.. قبل أن أعود إلى المغرب اتصلت بمولاي عبد الله العلمي وأحطته علما بكل الأمور التي أعلمها من خلال لقائي مع المالك القديم وأخبرته أيضا بما دار بيني والشرطة الألمانية في مدينة أولم. وأكدت له أنني سأبقى في ألمانيا طوال الأسبوع.. لكنني قررت العودة إلى المغرب في اليوم الموالي، وفعلا في فاتح فبراير 2014 عدت إلى المغرب.
- ألم تلتق بأسرة والدتك في ألمانيا؟
لم تكن علاقتي بهم وطيدة حتى ألجأ إليهم، رغم أن ابنة قريبة والدتي اتصلت بي عبر الرسائل الإلكترونية إلا أنني لم أجد أنه من الضروري أن أتوجه إليهم، خصوصا وأن الأحداث تجاوزتهم أكثر مني. خلال حياة والدتي لم تكن علاقتنا بعائلتها وطيدة. وفي إحدى رسائل قريبتي راسلتني بالفرنسية وسألتني إن كنت أتحدث الألمانية.. لو كانت تعرفني عن قرب لعرفت أنني أتحدث الألمانية بطلاقة. هذا دليل على أن علاقتنا بأسرة والدتي لم تكن قائمة.
- قبل أن نفصل في ما وقع بعد عودتك إلى المغرب وتلقيك خبر وفاة والدتك للمرة الأولى. أريد أن تطلعني أولا على ما وقع خلال الأشهر الفاصلة بين أبريل، تاريخ رسالة قريبتك الألمانية، وتاريخ مغادرتك لألمانيا لبدء البحث.
آخر اتصال لي بوالدتي كان في مارس 2013. وبعد هذا التاريخ كانت هواتفها غير مشغلة، وبالتالي لم يكن بإمكاني أن أقدم أي معلومات بخصوصها أو بخصوص مكان إقامتها، ولا أستطيع أن أكون مدعيا لأقول العكس. لكن ما لاحظته خلال المدة الفاصلة بين انقطاع الاتصال بيننا وسفري إلى ألمانيا لإشعار الشرطة بأمر اختفائها، هو أن لديها إشعارا بعدم أداء بعض الفواتير يعود إلى غشت 2013، وهو أمر غير عادي أبدا.
- يعني؟
لا يمكن أن تترك والدتي الضرائب لتتراكم عليها. في الحقيقة ظننت في البداية أن سبب اختفائها من بيتها هو مشكل الضرائب، لكني أعرفها جيدا وأعلم أنها لم تكن من النوع الذي يترك الضرائب والفواتير تتراكم.
- كيف عرفت بأمر إشعار الأداء؟
توصلت به عبر البريد، في شهر غشت 2013، أي قبل سفري إلى ألمانيا، ولم يكن لي من سبيل للاتصال بها لإخبارها بضرورة تسوية مشكل الفواتير. كنت أجد أرقامها غير مشغلة. وفي الشهر نفسه (غشت)، فوجئت باتصال مجهول، دون أن يظهر الرقم، فإذا بي أجد والدتي على الخط! فأدركت أنها توصلت بالرسائل التي تركتها على أرقامها التي لم تقم بإعادة تشغيلها أبدا.
- هذا يعني أن اتصال والدتك في مارس 2013 لم يكن هو الأخير..
صحيح صحيح.. اتصلت بي في غشت 2013، وهذه المرة سيكون الاتصال الأخير على الإطلاق. لكن هذا الاتصال كان برقم مجهول. لذلك لم أعتبره اتصالا رسميا منها. المهم دعوتها إلى تسوية وضعيتها المالية وأداء ما عليها من فواتير وشرحت لها أنني لا أتوفر على المال الكافي لتسديدها.. هي كانت تعلم أنني لو كنت أتوفر على المال لما اتصلت بها ولقمت بتسديد الفواتير دون الحاجة إلى إخبارها بالأمر. أخبرتني أن هناك دفترا للشيكات أزرق اللون في الفيلا بالرباط حيث أسكن، وأخبرتني باسم الوكالة التي فتحت فيها حسابا بنكيا عند زيارتها الأخيرة للمغرب قبل مدة وطلبت مني أن أتوجه إلى الوكالة في الرباط، وكان الدكتور قنيدل برفقتي، وأخبرتني أنها ستضع المال في ذلك الحساب وأنه يتوجب علي أن أذهب إلى الوكالة لسحب المبلغ وأداء الفواتير. لكن المشكل أن الوكالة طالبت والدتي بإرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني لتأكيد الأمر، وانتظرنا طيلة أربعة أيام حتى نتوصل برسالتها، ولكننا لم نتوصل بشيء. وعندما أعادت الاتصال بي بالرقم المجهول في ذلك اليوم، سألتها إن كانت متأكدة من أنها أرسلت الرسالة لتؤكد للوكالة إرسالها للمبلغ، فأخبرتني أنها متأكدة من أنها أرسلت التأكيد على سحب المبلغ، وكان هذا آخر اتصال معها، والرسالة الإلكترونية لم تصل أبدا. هنا شككت في أن تكون هي المتصلة (لكني تأكدت في ما بعد أنها هي التي اتصلت فعلا) وانتابتني شكوك كثيرة حول عملية تحويل مبلغ تسديد الفواتير، ولم يكن رقما مهما، بالكاد كان يكفي لتسديد الفواتير التي تراكمت عليها. لم أسألها عن مكان وجودها ولا عن سبب التأخر.. انقطع كل شيء قبل أن أسألها.
رويت لك هذا الأمر لأربط بينه وما وجدته في فبراير 2014، مباشرة بعد عودتي من ألمانيا بيوم واحد فقط. عندما عدت إلى المغرب بتلك السرعة، حيث لم أقض في ألمانيا إلا أياما قليلة، فوجئ أصدقائي وسألوني عن سر عودتي بسرعة، فأخبرتهم أن الأمور ليست على ما يرام وأن انقطاع أخبار والدتي سيزداد تعقيدا ولا شك.
- بخصوص المال.. هل كانت تعاني مشاكل مادية في آخر حياتها؟
لديها حسابات بنكية، لكني اكتشفت أن خديجة وصلت إليها، عن طريق وكالة استفادت منها هي وصهرها، وهذا يعني أن والدتي أعطتها توكيلا لسحب الأموال من الحسابات المسجلة باسم غيثة فرج. في الحقيقة لم أتفاجأ عندما علمت بهذا الأمر، لأن كلام الجيران يؤكد أن والدتي غادرت منزلها بدون إرادتها، أي أن أختي خديجة، التي قدموا مواصفاتها، أرغمتها على المغادرة، والأكيد أيضا أن تكون أرغمتها على إمضاء توكيل لها حتى تسيطر على أموالها. والدتي كانت متعبة ومسنة، ولك أن تتصور وضيعة امرأة مثلها. لو لم أذهب إلى ألمانيا لما علمت بهذا الأمر.
- هل تعتقد أن أمر مغادرتك إلى ألمانيا كان صائبا؟ لماذا لم تبدأ البحث من المغرب؟ كان ممكنا أن تكون والدتك قد حلت به دون إخبار أحد كعادتها.
بالتأكيد كان قرارا صائبا، لقد فكرت في هذا الأمر. أول ما قمت به منذ غشت إلى نهاية سنة 2013، هو اتصالات مع جميع أصدقائها ومعارفها وكلهم أكدوا لي أنهم لا يتوفرون على أخبار عنها. لو جاءت إلى المغرب لعلم أحدهم على الأقل بالأمر. يستحيل أن تأتي دون الاتصال ولو بصديق أو صديقة واحدة. لهذا السبب استبعدت البحث في المغرب تماما. أول خطوة قمت بها أنني اتصلت بالصليب الأحمر في أكثر من دولة ومدينة أوربية وأدليت باسمها كاملا لأتأكد من أنها ليست نزيلة مستشفى أو مصحة ما. ما حفزني لأذهب إلى ألمانيا وإخبار السلطات، هو رسائل مولاي عبد الله العلمي الذي أخبرني أن هناك من يسعى إلى قتل والدتي، ثم أختي، فأدركت أن عليّ التحرك لأتبين الأمر.
- لكنك لم تجد أي شيء في ألمانيا. هل من الصعب في دولة متقدمة أن تتوصل إلى مكان شخص ما؟ خصوصا عندما يتعلق الأمر بسيدة مسنة؟
هذا هو الأمر المحير، ولذلك لم أمكث في ألمانيا طويلا، لأني علمت أن لأختي خديجة علاقة مباشرة باختفاء والدتي، ولا شك أن للأمر علاقة مباشرة بالمال أيضا، مسألة إبعادها عن شقتها وتغير الملكية والحسابات البنكية التي تحولت فجأة لخديجة فرج، كلها أمور جعلتني أفهم أن والدتي تعرضت لضغط من أختي خديجة حتى تتنازل.
- هذه الأمور لم تكن مقنعة لك لتبقى في ألمانيا..
لم يكن هناك داع لبقائي في ألمانيا. قمت بكل ما يمكن القيام به على المستوى القانوني ورجال الشرطة باشروا البحث وأخبرتهم بما أعرفه واستمعوا إلى الجيران، وأيقنوا أن وراء اختفائها ما وراءه وليس اختفاء عاديا.