
التقيت الدليمي ببيروت وفاجأته بغناء “الشحرورة” على شرفه.. بحكم أنني كنت أعرفها وأعرف والدها رحمه الله وكانت تأتي مرات كثيرة إلى سفارة المغرب ببيروت، فكان سهلا أن أطلب منها تنشيط الحفل الذي حضره الجنرال
– احك لي عن لقائك بالجنرال الدليمي. بحكم أنك عملت لصالحه في روما كما تقول.
+ عندما جاء إلى بيروت سنة 1965 تم إخبارنا في السفارة وذهبت لكي أقله من المطار وأنقله إلى إقامته. وطلب أن نتناول العشاء في مطعم ما. وأعددت له مفاجأة إذ غنت المطربة اللبنانية «الشحرورة» صباح على شرف الجنرال. بحكم أنني كنت أعرفها وأعرف والدها رحمه الله وكانت تأتي مرات كثيرة إلى سفارة المغرب في بيروت، فكان سهلا أن أطلب منها تنشيط الحفل الذي حضره الجنرال الدليمي.
المهم أن فريق الدليمي استطاع فعلا إلقاء القبض على الطالب المعادي للمغرب، لأنني كنت أبحث عنه في المدينة القديمة، وتبعته مرة إلى أن عرفت المكان الذي كان يختبئ فيه. لاحقناه في بيروت ودمشق والقاهرة. بناء على معلومات تفيد بظهوره هناك، وكنت أرافق ميلود التونزي في القاهرة عندما كان يبحث عنه في شتنبر 1965. واتصل به الجنرال الدليمي لكي يعود أدراجه فاضطررت أيضا للعودة وهناك ظهر لي الطالب بالصدفة.
وبعد أن تم التحقيق مع هذا الطالب، حاول الهروب من الفريق الذي كان يستنطقه، وكانوا ثلاثة أفراد بالمناسبة، وسقط من نافذة دورة المياه في الطابق الثاني وأصيب بجروح كانت سبب وفاته في المستشفى.
بعد هذه الواقعة أثير اسمي لدى هؤلاء الطلبة وأصبح وجودي في بيروت خطرا على حياتي. ولأنني دبلوماسي فقد جاء الأمر بعودتي إلى المغرب.
أخبرك بهذه التفاصيل لأنها أساسية في مسار عودتي إلى إيطاليا. كانت أختي الصغرى تقيم معي في بيروت، ورفضت أن تعود معي إلى المغرب. أنا اضطررت إلى الهرب بناء على أوامر السفير المغربي هناك، وبناء على تعليمات وزارة الخارجية التي كان على رأسها وقتها السيد الشرقاوي. غادرت على متن سيارتي حيث وضعت زوجتي وأولادي بسرعة وتركت خلفي كل شيء هناك، وبعت الساعة التي أهداها لي صدام حسين في تركيا لكي أستطيع مواصلة الرحلة بالسيارة إلى أوربا، لأن المرور عبر الجزائر لم يكن ممكنا. وكان مستحيلا المرور عبر المطار، لأنه سيتم رصدي هناك بعد مشكل ذلك الطالب.
قُتلت أختي على يد الطلبة اللبنانيين هناك، ووصل الخبر إلى مقر وزارة الخارجية، حيث استدعوني وقدموا لي التعزية، وطلبت جوازا باسم آخر لكي أستطيع دخول التراب اللبناني ودفن أختي. وفعلا هذا ما تم، وللإشارة فإن أختي رحمها الله كانت أخت الوزير الاتحادي السابق فتح الله ولعلو من الرضاعة، وهي اليوم مدفونة في لبنان، رغم أن وزير الخارجية السيد الشرقاوي، صهر الملك الراحل الحسن الثاني عرض علي نقل جثمانها إلى المغرب لكني اعتذرت منه وفضلت أن تُدفن في المدينة التي قتلت فيها، رغم أنها لم تكن لها أية علاقة لا بالخارجية ولا السفارة ولا فريق الجنرال الدليمي. كانت تعمل ممرضة في المستشفى الحكومي في بيروت.
– أفهم من كلامك أن الجنرال الدليمي هو الذي ورطك في هذه المعمعة. اسمح لي أن أسألك بطريقة أخرى.. هل تورطت مع الأجهزة السرية؟
+ لدي مراسلة من مكتب الجنرال الدليمي الذي كان وقتها مديرا عاما للأمن الوطني تحمل تاريخ 9 نونبر 1965، أي أسابيع فقط بعد اختفاء المهدي بن بركة، يعدني فيها أنه سوف يحل المشكل الذي تورطت فيه في لبنان بعد أن أثير اسمي هناك وأصبحت موضوعا للانتقام من حادث لم يكن لدي أي دخل فيه، وإنما الفريق السري التابع للأجهزة السرية هو الذي قام به. وفي تلك المراسلة كان الجنرال يعدني بإيجاد حل لمشكلتي، حيث طلب مني بشكل رسمي: «أن تلتحقوا بالإدارة المركزية بوزارة الشؤون الخارجية وحين ذلك نكون لكم خير معين في الحل الذي يرضيكم بحول الله وتقبلوا فائق احترامي والسلام».
– منذ هذه الواقعة أصبحت مرتبطا بعمل أمني لصالح الجنرال الدليمي بالإضافة إلى مهامك الدبلوماسية والقنصلية.
+ صحيح وقد طلبت تسوية وضعيتي الإدارية. عملت في قنصلية المغرب بـ «ليل» الفرنسية ثم في سفارة المغرب بتونس ما بين سنوات 1966 و1969، وفي إيطاليا منذ 1972. وكان منصبي بالضبط هو «كاتب الدولة للشؤون الخارجية».
– كيف جاء انتقالك إلى إيطاليا؟
+ بعد عملي في تونس إلى حدود 1972، كانت عملية اختطاف الحسين المانوزي سوف تتم من هناك، وأردت الابتعاد لأن الحسين كان صديقا عزيزا وحذرته من المجيء لتونس، لكنه لم يلتزم بنصيحتي. وأريد هنا أن أفتح قوسا وأقول إن الحسين المانوزي كان يتلقى مساعدات مالية من الجنرال الدليمي وقد توليت شخصيا نقل مبالغ مالية له من الجنرال وكنا نلتقي في الحدود المغربية الليبية لكي أمنحها له.
عندما انتقلتُ إلى إيطاليا، وقع اختطاف الحسين المانوزي.. في الحقيقة طلبت الانتقال فقط لكي لا أتابع موضوع اختطافه من تونس.
(مقاطعا) ألم تقل إن الجنرال الدليمي كان يساعد المانوزي؟ كيف لفريقه أن يختطفه؟
+ سأقول لك إن الجنرال الدليمي كان يفرق بين صداقاته الشخصية ومواقف أصدقائه. وفي إيطاليا كان يلتقي بالضابط أحمد رامي الذي فر من المغرب بعد محاولة إسقاط طائرة الملك الحسن الثاني سنة 1972. وقد كان الجنرال الدليمي في الطائرة وكانت حياته مهددة داخلها. لكنه حافظ على صداقته بأحمد رامي، وقد كان يلتقيه حيث كنتُ أعمل في روما. هذا دليل على أن الدليمي كان شخصا غريبا ومتشعب العلاقات..





