الرأي

حقيقة الحب

قال الجاحظ: «المرأة تحب أربعين سنة، وتقوى على كتمان ذلك، وتبغض يوما واحدا فيظهر ذلك بوجهها ولسانها.
والرجل يبغض أربعين سنة، فيقوى على كتمان ذلك، وإن أحب يوما واحدا، شهدت جوارحه«.
الشعور بالمحبة من أسمى وأرقى المشاعر في الوجود، والمحبة والعشق الصادقين يجعلان المرء ينفذ إلى أقصى عمقه الوجودي لكي يكتشف عوالم خرافية تسبح بدواخله، فتراه سعيدا تارة وحزينا تارة أخرى، حسب قانون المد والجزر بدواخلنا.
إن الانتقال من لذات الحزن إلى لذات الفرح من خلال التواصل مع من نحب، من شأنه أن يقوي ملكة التحكم في أطوار الشخصية التي تميل إلى التوازن إبان عبور منعطفات الحياة.
لذلك فليس على المرء أن يجعل عملية التواصل حبيسة تصوراته الخاصة، بل يجب إطلاق العنان للحياة بكل مكوناتها وأشكالها، وحتما سيكتشف أمورا في غاية السحر والغرابة والدهشة.
ومعنى أن تقع في حب شخص يبعد عنك بجغرافيته وتاريخه ومجتمعه، وربما أيضا بثقافته، لا تعلم عنه إلا ما نسجه خيالك الزهري لتجد روحك تسبح في بعض السماوات باحثة عن هوى روحه، كلما اقتربت روحك من ريحه يخيل إليك أنك تتنفس عطر وجوده، أو ربما كذلك، فترقى بأسباب محبته حتى تتماهى روحك في روحه فتصبح أنت هو، وهو أنت.
كل تلك التصورات تمليها ثقافتنا ومكتسباتنا وقناعاتنا حول التميز والكمال، كل ذلك يكون رائعا ويصل ذروته إلى مرتبة الانجذاب والوله، عندما تصعد المشاعر وتطفو العواطف فيصير الأمر بالنسبة إلينا حقيقة تنتصر على باقي الحقائق فوق الأرض، وربما تدعمها كرامات وهبات السماء عندما يكلل الأمر بالتفاؤل والأمل في حدوث المعجزات التي تؤثث طموحاتنا في أن نبعث الحياة في أحلامنا لكي تصير حقيقة.
أشرب من المحيط آلاف المرات في اليوم وأعود من حيث أتيت عطشانة.. أين حبك الذي سوف يروي ظمأ روحي، كم يلزمني من الأحواض لكي أدخر صبرا وشعرا، لزمن تجف فيه حقول زرعي ويذبل وردي وجلناري وتقحل فيه صحراء العين بعدما ملأت المحيط عدد حبات الدمع؟
يا قطر الزهر، يا مواسم البرتقال في الأراضي المقدسة، يا عنفوان الزمن الآتي..
أترف أن أطيل عمر غرامي بالحلم؟
أترف أن أصعد إلى أعلى السطح وأتطلع بلوعة العاشقين إلى الشفق الذي يزين أفق المحيط بنوره الزهري، وأخالني أمشي بكل ما أوتيت من غنج ودلال فوق البساط المائي، وقبل هبوب العاصفة، أرمقك تعدو بقوة قبل أن يدركك الموج العالي.. وقبل أن أرتمي في أحضانك المبللة بعرق أتوق لملحه، يكون البحر قد انشطر إلى نصفين، وصرت تحمل عصا موسى وتحمل عبء الرسالة وقد تبعك القوم يحجبونك عني ويمنعوني عنك… يا للسخف ما فائدة انشطار البحر ولمن تعبد الطريق؟
ما السبيل إليك حين يعظم بأس المعجزات؟
أهي اللعنة// أم هو الليل الذي لا ينجلي
أعبث ما نصير إليه، ثمنا للصدق الذي يرسم ملامحنا؟ أترف أن تؤجل وعود العاصفة؟
ترف أن نكون ما نريد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى