شوف تشوف

الرأي

خبراء الجهادية ومعركة التأويل

انقرضت الحقبة التي كان فيها الباحثون، المستشرقون والمفكرون في الشأن الإسلامي، يقدمون إضاءات حاسمة تغني وتسمن النص القرآني والمتن الإسلامي عموما وفي كافة الميادين والمجالات. عملت هذه المقاربات والدراسات على إذكاء روح النقد والعقل والتجديد في جسم البحث العلمي. وفي هذا المضمار، كانت إصدارات لوي ماسينيون، جاك بيرك، جان جوليفي، شارل بيلا، جورج أنواتي، هنري كوربان ولاحقا كريستيان جامبيه، محمد أركون، محمد عابد الجابري، وغيرهم، كانت حدثا فكريا وثقافيا وازنا، وقد عاشت الثقافة العربية على إيقاعات ودينامية هذه النصوص. لكن وعلى خلفية ما سمي «موت الاسستشراق»، غزو العراق، انتفاض تنظيم «القاعدة» من لهيب هذه الحرب واحتدام التصادم بين التنظيم والغرب وبخاصة مع أمريكا، بدأنا في معاينة فصيل من الباحثين أطلقوا على أنفسهم خبراء أو أخصائيين في الشأن الإسلامي وبالأخص في «الإرهاب». بعضهم من حملة شهادات معاهد العلوم السياسية، البعض الآخر صحافي أو مؤرخ، لكن أغلبهم يعمل لصالح أجهزة المخابرات الفرنسية أو الأمريكية، لا يجيد اللغة العربية وليست له أية دراية بالمجتمعات العربية. كما تنحو نبرة أبحاثهم وخطاباتهم في اتجاه تحميل الإسلام مسؤولية العنف والكوارث التي يعيشها العالم اليوم، فرضيتهم في ذلك أن الإسلام يبقى الرحم الساخن للعنف الحديث.
لا زالت بعض من هذه الأقلام نشطة في حقل الجامعة، في مجال النشر وبخاصة في مجال الإعلام، بحيث يطل أصحابها في القنوات خلال انفجارات أو لما يندلع السجال من حول الحجاب أو اللحم الحلال لتفسير أسباب اشتعال حرائق الغضب في الضواحي. ويبقى الإسلام في الأخير هو المسؤول! لكن انبثاق تنظيم الدولة الإسلامية وفلسفة العنف الشمولي التي تميز استراتجيتها خلط الكثير من الأوراق في التصورات وفي أنماط التحليل الرائجة. تكفي الإشارة إلى مفهوم «أصولية» الذي يبقى فضفاضا بل مائعا إلى درجة تداخله مع مفاهيم أخرى مثل «سلفية»، «جهادية»، «وهابية»، «راديكالية» «إسلاموية» «تطرفية» إلخ… وكان للهجمات الأخيرة التي عاشتها فرنسا وبلجيكا تأثير واضح على نوعية الطروحات والمقاربة للأحداث. وتمثل المواجهة، عبر سلاح الإعلام بين جيل كيبيل وأوليفي روا، طرفا من خسائرها الجانبية. جيل كيبيل، أستاذ العلوم السياسية ونجم فصيح على منصات القنوات والفضائيات، يقدم نفسه كمعرب فيما يؤاخذ عليه خصومه أنه لا يعرف من العربية سوى بضع جمل وأنه غير قادر على قراءة النصوص المحررة بقلم ابن تيمية.
ألف جيل كيبيل قرابة 30 كتابا أصبح بعضها مراجع جامعية كما تخرج على يديه باحثون شبان هم اليوم روافد في مجال العلوم السياسية. يشار إلى أن مبيعات كتابه الأخير «إرهاب في ربوع فرنسا»، بلغت 90 ألف نسخة. أما أوليفييه روا فاشتغل في حقل الفلسفة والعلوم السياسية قبل أن يتكلف بالبرنامج المتوسطي بالمعهد الجامعي الأوربي بفلورنسا بإيطاليا. ويغطي نتاجه مجالات جغرافية تمتد من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط. وقد تنبأ بوقوع ثورات الربيع العربي وعودة الإسلاميين إلى الواجهة. الحرب الدائرة بينه وجيل كيبيل، وهي حرب يشارك فيها الأتباع والمؤيدون والخصوم، ليست حرب تأويل وحسب، بل هي رهان على التحكم في الخطاب الأكاديمي من حول الإسلام ومستقبله في فرنسا، وبالأخص في الجامعة وفي الإعلام.
الأطروحة المركزية لجيل كيبيل لتفسير الإرهاب الذي ضرب فرنسا، هي أن الداء كامن في الإسلام، أي أن مجموعة الشباب الذين قاموا بالعمليات الإرهابية، «تدعوشوا» ليضربوا باسم الدين فرنسا وبلجيكا. يرد أوليفييه روا على هذه الأطروحة بالقول إن الدين لا دخل له في الموضوع وإننا أمام شباب نزع نحو الراديكالية بسبب الظروف الاجتماعية ليضفي على نشاطه الإرهابي مسحة إسلامية. فالفصيل الذي قام بالهجمات سبق أن تخصص في السرقة والسطو والاتجار في المخدرات. كما تردد على الملاهي الليلية. كما أن معرفة هذا الشباب بالإسلام تبقى جد سطحية. في هذه الحرب الضروس بين الاثنين، دخل على الخط كل من فرانسوا بيرغا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إيكس إنبروفانس، وجان بيار فيليو، الأستاذ بمعهد العلوم السياسية بباريس، وكل يغرد بلغوه. في هذه المعركة التي لا زالت في أطوارها الأولى، يلاحظ شبه غياب للباحثين والمفكرين أو الإسلامولوجيين العرب الذين يتفرجون مشدوهين ومشلولين على المشهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى