شوف تشوف

الرئيسية

دفاعا عن سيادة القانون

علاقة المواطن بجهاز الأمن علاقة ملتبسة جدا، يجتمع فيها الخوف بالسلطة بالاستهانة بالتواطؤ وحتى بالاستغلال المتبادل. لا شك أن كل مواطن منا قاده على الأقل ظرف واحد للتعامل مع جهاز الأمن – الشرطة، ولاشك أيضا أن كل واحد يملك تصوره الخاص لهذا التعامل ويحفظ عنه الانطباع الذي يناسبه. شخصيا تعددت المواقف التي جمعتني بهذا الجهاز، سواء كمواطنة لا تتوانى في طرق بابه طلبا لحقها أو كمواطنة تسري عليها عمليات المراقبة العادية على الطريق. وفي خلاصتي وجدتني غالبا – وليس دائما – في وضعية «حكرة». فالشرطي مبدئيا يغلب كونه رجل «سلطة» على كونه رجل «أمن»، وما إن تقف أمامه حتى يبادرك بـ«استنطاق» وليس باستفسار، وقد يتجاوز الحد المسموح له به من المساءلات القانونية إلى الشخصية، من قبيل الوضعية الاجتماعية ومقر العمل أو حتى علاقة الاسم العائلي ببعض الشخصيات النافذة. في أحايين كثيرة يخاطبك الشرطي باستعلاء كبير، وإذا أصررت على حفظ كرامتك موضحا رفضك تعامله غير القانوني، قد تجد نفسك متهما بإهانته أو محاولة دهسه إذا تعلق الأمر بالمراقبة على الطرقات، والشيء نفسه يحدث لبعض رجال الأمن حين يحاولون تطبيق القانون على مواطنين «بدماء زرقاء»، يجدون أنفسهم معنفين من رؤسائهم أو مهانين في كرامتهم. كما أن التقدم بشكاية قد يعرض المواطن للاستفزاز والإحراج بغية ثنيه أو دفعه للتوقيع على محضر غير سليم- هذا إذا سمح له بقراءته، أو يعرض الشرطي للضغط من جهات أخرى من أجل توجيه الملف.
أساس النقاش هنا هو كيفية استعمال القانون في العلاقة بين المواطن ورجل الأمن، فالقانون يسمح للشرطي بإيقاف المواطن، وبمساءلته وطبعا من المفروض عليه، بحكم واجب المواطنة الذي لا نقاش حوله، أن يمتثل له، ولكن ليس هناك ما يحميه من أي خرق أو تعنت أو شطط يمارس ضده. والخلاصة أن كلاهما في حاجة إلى تعلم طرق التعامل مع بعضهما البعض، وكذا حدود العلاقة بينهما والتي لا بد أن تبنى على أسس «مهنية» بعيداً‮ ‬عن العلاقات خارج نطاق العمل والمجاملات أولا، ثم على أساس المعرفة الجيدة للحقوق والواجبات. فهذا الجهل المتبادل هو ما يسمح بوجود ممارسات سلطوية في‮ ‬مخافر الشرطة تقوم على الابتزاز والتعنيف والاستعلاء، من جهة لأن بعض رجال الأمن يعتقدون أن الأمر من صميم عملهم وحقهم، ومن جهة أخرى لوجود مواطنين لا يفهمون القانون ولا يثقون فيه. وهذا الجهل أيضا بحدود الصلاحيات المنوطة به هو الذي يدفع رجل أمن للتصرف مع كل المواطنين بصفتهم «متهمين» وجديرين بالإذلال.
لهذا وجب فرض القانون وجعل المواطنين جميعا تحته حتى لا تتكرر مآسي المواطنين المظلومين أو رجال الأمن المدهوسين أو المعطوبين، ولهذا وجب النظر في تفشي ثقافة الوساطة والرشوة وغياب المراقبة على الطرقات، من أجل جعل الشرطي يفرض القانون وليس سلطته الشخصية ومن أجل جعل المواطن يمتثل للقانون وليس للأفراد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى