شوف تشوف

الرأي

صائدو الجوائز..

يونس جنوحي

مضت الآن قرابة ثلاث سنوات على واقعة ظهور «ثريا» جامع القرويين في باريس، بعد أن احتار العلم والعلماء في طريقة إخراجها وتهريبها خارج فاس دون أن يثير الأمر انتباه أحد. رافقت الموضوع ضجة كبيرة إلى أن تمت إعادة «الثريا» إلى مكانها. ثم تلتها قصة أخرى لواقعة تهريب «عظام» ديناصور إلى باريس ثم عاد هذا الكنز الوطني إلى مكانه.
وبعد الواقعتين ظهر الخبر الذي تناقلته كل وسائل الإعلام عبر العالم. يتعلق الأمر بالعثور على أقدم أثر في تاريخ الإنسانية على الوجود البشري فوق الكوكب، حيث تم الحسم في الموضوع علميا واعتبر الأمر إنجازا للعلم والإنسانية ودخلت منطقة اليوسفية إلى العالمية.
هذا الأسبوع أطلقت دورة جديدة لجائزة الملك الراحل الحسن الثاني للمخطوطات، وهي مسابقة جديرة بالمتابعة، بحكم أن المتسابقين يعرضون مخطوطات نادرة جدا تُغني المكتبة الوطنية وتفتح أمام الباحثين آفاقا أخرى للبحث العلمي. ولولا هذه الجائزة لما تم إنقاذ مكتبات بأكملها تركها علماء في القرى والمداشر المنسية، خصوصا المناطق التي كانت شهيرة بمدارس التعليم العتيق. وبفضل هذه المكتبات تم توثيق رحلات الحج القديمة وطرق مراقبة الهلال وأحداث أخرى صنعت تاريخ المغرب.
تتوفر المكتبة الوطنية على نسخ نادرة لمؤلفات علماء مغاربة برعوا في علم الفلك قبل ستمائة سنة، قبل أن يصبح أحفادهم اليوم من مُدمني «روتيني اليومي» وصائدي التفاهة. ولولا مجهودات بعض الغيورين على هذه الكنوز الوطنية لانتهت مقبرة تحت التراب.
زوج ملكة بريطانيا الذي رحل هذه الأيام، كان أيضا من المهتمين خلال حياته بالتحف النادرة، ورغم أنه مولع بالفاخر من المقتنيات، إلا أنه رفض مرة هدية من باشا مراكش، التهامي الكلاوي، خلال خمسينيات القرن الماضي عندما تلقى الأخير دعوة من صديقه رئيس وزراء بريطانيا السابق ونستون تشرشل، لكي يحضر الحفل السنوي لجلوس إليزابيث على العرش. وأحضر معه هدايا بلغت قيمتها وقتها ملايين الجنيهات، لكن الأمير فيليب، المنحدر من أصول يونانية، رفض هدايا الكلاوي وقام موظفو البروتوكول بإعادتها إلى الباشا.
ورغم ذلك فقد كان الأمير «فيليب» يتوفر على تحف مهمة من المغرب منها هدايا حصل عليها من الملك الراحل محمد الخامس خلال الزيارات التي تبادلتها الأسرتان، ومنها تحف تعود إلى القرن التاسع عشر، عندما حضر أول وفد مغربي سنة 1901، لتهنئة إدوارد السابع، جد والد الملكة إليزابيث الحالية، بجلوسه على العرش.
وقد قدم أحد المليارديرات البريطانيين أرقاما فلكية منتصف تسعينيات القرن الماضي، للحصول على عربة تجرها الخيول، قيل إنها كانت هدية من بريطانيا إلى المغرب سنة 1760، قبل أن تتم إعادتها إلى بريطانيا بسبب عيب في التصنيع وتبقى في حوزة عائلة أرستقراطية جمعت ثروة كبيرة من وراء صناعة عربات الأثرياء والأسر الحاكمة.
بينما لدينا نحن هنا في المغرب، ما يشبه الكُره لكل ما يتعلق بالذاكرة الجماعية والرصيد القومي. هناك أباطرة يتصيدون البنايات رغم رمزيتها لكي يحولوها إلى إقامات سكنية، وآخرون لا يُمانعون في الوساطة لبيع اللوحات وتهريبها خارج البلاد بطرق لا تخطر على بال، قبل أن ينفضح أمرهم ويقرر العقلاء أن يمنعوا تلك المهازل.
في انتظار ما قد تُسفر عنه جائزة الحسن الثاني للمخطوطات في دورة هذه السنة، يُنتظر أن تظهر إلى الوجود مؤلفات قد يعانقها الباحثون لأول مرة، خصوصا منها التي تتعلق بالطب والفلك، حيث تم العام الماضي اكتشاف مخطوطات تعود إلى عهد ابن تاشفين أحد أهم ملوك الدولة المرابطية.
هذا الأخير الذي تم إطلاق أشغال ترميم ضريحه سنة 2014 لإنقاذه من حالة الإهمال المخجلة التي وصل إليها. حتى أن الظرفاء قالوا وقتها إن ابن تاشفين لو علم أن ضريحه سوف يصبح مزارا للمتشردين، لفكر مرة أخرى قبل أن يدخل التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى