شوف تشوف

الرأي

صفقة وحيد القرن

حسن البصري
بعد طول انتظار وترقب، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، وبحضور رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، عن خطته الموعودة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تعرف بصفقة القرن.
دون الدخول في حيثيات خطة السلام وتفاصيلها، والتي جاء الإعلان عنها في غياب الطرف المعني، يكفي أن نتوقف عند التسمية الجديدة لمخطط السلام، الذي يصر ترامب على تسميته بالصفقة، وهو مصطلح نشم فيه رائحة التجارة المحشوة بالسياسة والعمولات والامتيازات.
عندما كان «مجمع العرب» منشغلا بصفقة القرن، كان المغرب يطبخ صفقة أخرى ضرب بها خصومه الانفصاليين، حين نظم كأس إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة في العيون، وحول ملاعب الكرة إلى فضاء لحرب ديبلوماسية ضد البوليساريو الذي حاول إجهاض البطولة القارية لكنه مني بخسارة جعلته يتحسر على مداد أهدرته الجزائر وما تبقى من حلفائها من أجل منع الكرة من الدوران في حاضرة الصحراء.
هي ضربة معلم، إذا وضعناها في سياقها الزمني، أي في غمرة احتجاج الانفصاليين على فتح عدد من الدول الإفريقية قنصليات عامة في مدن صحراوية، وهي ضربة تحت حزام أعداء الوحدة الترابية إذا ربطناها بتغريدة الاتحاد الدولي لكرة القدم عبر حسابه الرسمي على منصة «تويتر»، والتي يؤكد من خلالها اعترافه بمغربية الصحراء وإصراره على إقامة الحدث في مكانه وزمانه، وليذهب الغاضبون إلى البحر ليشربوا ماءه غير الصالح للشرب.
ولفت أحمد مكرر، رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الأنظار بارتدائه لدراعية صحراوية، وبدا الملغاشي، وهو يختال في هذا اللباس الصحراوي، ويسأل مقربيه عن الثقافة والتاريخ بالعيون، كأنه باحث في أنثروبولوجيا الصحراء، وحين يعود رفقة حكام الكرة في إفريقيا إلى غرفته يصر على شرب الشاي قبل جرعة الدواء المسائي.
غضب الانفصاليون وراعيهم الرسمي الجزائر من أسطورة كرة القدم مارادونا حين زار العيون، فرد عليهم بتغريدته، التي استقطبت ملايين المتابعين، مرفوقة بصور بدا فيها متحمسا وكأنه واعظ يحث الرياضيين على الاستثمار في نشر قيم السلم والتسامح، ويردد مع «جيل جيلالة» لازمة الدعوة إلى السفر «نمشيو في كفوف السلامة». هناك سيصيح نجم الكرة العالمي مارادونا، وهو يقبل تربة العيون، بأعلى صوته «الصحراء مغربية»، وسيرقص على أنغام الطرب الحساني بعد أن يخلطه بقليل من الطانغو اللاتيني، وسيقف لتحية العلم الوطني وهو يردد في كورال جماعي «العيون عينيا والساقية الحمراء ليا».
حاول البوليساريو ركوب صهوة الديبلوماسية الكروية، فدعاه راعيه الرسمي للمشاركة في بطولة تسمى «مونديال الأقليات»، وتجمع فرقا تدعي أنها ممنوعة من دخول قلعة «الفيفا»، اقتنى الانفصاليون قمصانا واستنفروا لاعبين وكلفوا خطيبا بالإشراف على الفريق، وفي حفل إجراء القرعة استعدادا لمونديال مقدونيا فوجئ ممثل البوليساريو بوجود فريق يحمل اسم «القبايل الجزائري»، تحركت الهواتف بين العاصمة سكوبي والجزائر، فجاء قرار الانسحاب من التظاهرة لوجود فريق «لقبايل»، الإقليم الذي يطالب بالانفصال عن الجزائر، تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الخيوط المتحكمة في الانفصاليين بين أنامل تبون وجنرالاته. لم يجد مدرب الفريق الانفصالي بدا من الاعتذار للاعبين الذين لم يفهموا سر انطفاء شعلة الحماس، وحين تساءل العميد عن سر حشو الرياضة بالسياسة، قيل له «نفذ واصمت».
لهذا كان الملك الحسن الثاني حكيما حين حول فريقا للقوات المساعدة إلى فريق يملك شهادة إقامة في العيون وراهن على دعمه حتى يراه يوما ممثلا للمغرب في البطولات القارية، لكن الفريق مات بالسكتة القلبية، فناب وداد السمارة إلى أن يستعيد المريض عافيته.
بين صفقة القرن وبصقة القرن مساحة للتأمل في تقاطع السياسي والرياضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى