الرأي

صنع في الصين

اكتشف مرشح للانتخابات التشريعية أن جولته المسائية في الحي التجاري لدرب عمر وسط الدار البيضاء، مجرد مضيعة للوقت والجهد والمال، بعد أن تبين أن الحي أصبح شبه مهجور بعد أن أسدل الليل ستائره على المدينة. وأن آلاف المواطنين الذين يعيثون في المكان صخبا قد هجروه تاركين وراءهم نفاياتهم اليومية.
سأل المرشح حارسا ليليا منشغلا بتصفيف سطر «النفحة»، قبل تصديره إلى خياشيمه المنهكة بالتصدير والاستيراد: ألا يوجد سكان في درب عمر؟ رد عليه الحارس وهو يعتقل «عطسته»: سكان درب عمر تجار ومساعدوهم وقاطنون يهرعون إلى مساكنهم حين يغادره الباعة.
التف ما تبقى من زبائن حول المرشح وحوارييه، ودخلوا في نقاش بيزنطي حول عمر ودربه، والوعود التي قدمها مرشحون سابقون تعهدوا من خلالها بتأهيل الحي التجاري بدل ترحيله إلى سيدي عثمان، وحين تأهل المرشح أصبح مجرد زبون يتردد على المكان خلسة كي لا يسائله الناس عن وعود ولدت ميتة.
تمنى المرشح لو أن الحكومة وسعت هامش الكتلة الناخبة، ومكنته من الاستعانة بالدمى الصينية التي تجد في سوق درب عمر رواجا سريا، ودعا الشركة المصنعة للدمى إلى ابتكار دمى انتخابية قادرة على رفع سقف أتباعه، وهو المنى الذي يسكن عددا من أصحاب القرار، خاصة وأنه يوفر جهد الإقناع ويمكن من التعايش مع كائنات لها استعداد فطري لتنفيذ الأوامر دون مناقشتها، مع إمكانية التوفر على «تيلي كوموند» للتحكم عن بعد، ووضع الكائن في حالة «صمت» عند الحاجة، علما أن قطع غياره متوفرة في الأسواق الكبرى، وعند اقتناء كائن يمكن أن تحصل على هدية، مع ضمان استعمال لا يقل عن عامين.
فالدمى لا تصلح للمضاجعة السرية فقط، بل فيها مآرب كثيرة، يمكن للمسؤولين أن يعالجوا بها العديد من المعضلات البشرية، خاصة في ظل التقارير المالية المعلقة والتي ظلت دون مصادقة لغياب إجماع حول أرقامها، وقد يمكن للدمى الذكورية والأنثوية أن تؤثث الملاعب التي تعاني من العزوف الجماهيري، وتملأ المدرجات صخبا وتكسر الإضراب الذي تدعو إليه بين الفينة والأخرى فصائل المشجعين.
ليس كل ما يأتي من الصين مزيف وبأقل جودة، هناك كفاءات صينية تملأ درب عمر، وتحوله إلى فضاء لتجارة البسطاء، هناك يمكنك أن تشتري كل شيء، حتى اللذة العابرة للقارات.
ذات يوم لاحظ رئيس الرجاء البيضاوي لكرة الطاولة، وهو يجوب المحلات التجارية لدرب عمر، شابين يستغلان فترة الظهيرة لممارسة هذه اللعبة، فدعاهما للالتحاق بالفريق واستقطاب كل من لديه موهبة رياضية، وكانت النتيجة فورية، حيث بلغ الفريق مكانة متقدمة في البطولة وسحق الخصوم بلا رحمة ولا شفقة، حينها أعلنت بقية الفرق اعتراضها وشنت قرارا يمنع الاستعانة بالمنتوج الصيني.
لا ينسى الراسخون في تاريخ الكرة المغربية، دور الصين في تعزيز المنشآت الرياضية المغربية، فقد كان بناء ملعب الأمير مولاي عبد الله بدعم وتخطيط صينيين، وحين أنهوا أشغاله، منحوا الحكومة المغربية قاعة مغطاة كـ«بونيس»، وانصرفوا لا يريدون منها جزاء ولا شكورا، قبل أن يكتشفوا أن الملعب الذي شيدوه في عهد الطاهري الجوطي اخترقته السيول.
ابتداء من شهر يونيو الماضي، ألغيت تأشيرات السفر بين الصين والمغرب، وأصبح درب عمر يضيق بالوافدين عليه، دون أن ينتبه أحد إلى جدوى هذا الزحف الصيني، ويبحث عن صيغ لاستثماره في مختلف أوجه الإبداع، فالشعب الذي بنى سور الصين العظيم قادر على بناء الإنسان، فقط على المرء أن يفتح جسور التواصل ويسأل ويجدد السؤال، فمن يسأل يكون غبيا خمس دقائق، ومن لا يسأل يظل غبيا إلى الأبد، كما يقول المثل الصيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى