شوف تشوف

الرئيسية

محمد السادس: «هذه هي الأجهزة التي أحدثت لتنفيذ الاتحاد المغربي الليبي»

حتى الآن أسعفنا بحث الملك محمد السادس في تبين كثير من التفاصيل الضرورية لفهم طبيعة العلاقات بين مغرب الحسن الثاني وليبيا القذافي في فترة سياسية حساسة من جهة، فضلا عن إتاحتها الفرصة لتتبع طريقة الملك الراحل الحسن الثاني في تدبير دفة السياسة الخارجية للمملكة من جهة أخرى، وكل ذلك على لسان شخص غير عاد وشاهد لم يكن عيانا فقط، بل متتبعا حقيقيا لأحوال البلاد من بؤرة مركز الحكم، ألا وهو ولي العهد حينها ومن ستؤول إليه مقاليد الدولة فيما بعد؛ الأمير سيدي محمد.

الآن، ستساعدنا نظرة الملك محمد السادس، عبر بحثه، في إماطة اللثام عن أمور مهمة في ملف العلاقات المغربية الليبية، وتتجلى في حيثيات معاهدة وجدة التي أنشأت اتحادا مفاجئا بين المغرب وليبيا، عبر تتبع الإطار القانوني للمعاهدة وما أقرته من نمط تنظيم وتشكيل مؤسساتي وهيكلي.

تبعا لذلك، يستمر المبحث الثاني من الفصل الأول من بحث الملك محمد السادس وصديق دراسته محمد رشدي الشرايبي في تسليط الضوء على الطبيعة القانونية للاتحاد العربي الإفريقي المنشأ بين المغرب وليبيا سنة 1984. وبعد أن خصص الملك المبحث الأول لإماطة اللثام عن ملابسات نشأة هذا الاتحاد ومركزه بين اتحادات الدول، بنفَس بحثي أكاديمي صرف، انتقل إلى فحص البناء الداخلي للاتحاد بين المغرب وليبيا والميكانيزمات الموضوعة في معاهدة وجدة لتحريكه، والمتمثلة في أجهزته وهيآته.

يقسم الملك محمد السادس الأجهزة التي قام عليها الاتحاد المغربي الليبي إلى أجهزة ذات طابع تنفيذي، وأخرى ذات طابع استشاري وقضائي. وقبل التفصيل في تمحيص هياكل كل طابع استهل المبحث بتحديد هام ومؤطر سبق بيانه في المبحث السابق وهو مبدأ السيادة في الاتحاد بقوله: «إن مبدأ الاتحاد المنصوص عليه في المادة الأولى من معاهدة وجدة لا يستلزم التنازل بأي حال من الأحوال عن جزء من السيادة. هذا المبدأ يتصف بأن كلا من الدولتين تعتزمان العمل على تحقيق سياسات مشتركة في ميادين محددة من قبل المادة التاسعة. وفي هذا الصدد إن الميادين المقصودة تتعلق بتعاون دبلوماسي متين وصيانة استقلال كلا البلدين، وتوطيد العلاقات الاقتصادية وتنمية التعاون الثقافي والتقني».

يردف الملك أيضا، ممحصا في مضمون معاهدة وجدة: «المعاهدة لا تقف عند هذا الحد، أي التعريف بأهداف الاتحاد، بل أكثر من ذلك تبين الأجهزة التي يجب أن تنشأ لتحقيق هذه الأهداف. وهكذا فقد أحدثت أجهزة ذات طابع تنفيذي، وأخرى ذات طابع استشاري وقضائي».

يشير، إذن، الملك محمد السادس إلى أن الأجهزة ذات الطابع التنفيذي تشمل ثلاث هيآت، هي رئاسة الاتحاد واللجنة التنفيذية والأمانة الدائمة. وتعد رئاسة الاتحاد، كما ذكر الملك في كتابه، هي «الجهاز الأسمى للاتحاد العربي الإفريقي، ويشترك في الاضطلاع بممارستها كل من جلالة ملك المغرب وفخامة قائد ثورة الفاتح من شتنبر، وتختص بسلطة إصدار القرارات»، يقول الملك.
يتابع الملك شارحا ومعلقا: «وبهذا الخصوص هناك ملاحظتان يجب الإشارة إليهما: أولهما أن هذه الرئاسة تشكل مركزا لقرارات وتحريك سياسة الاتحاد. وثانيهما أنها جهاز ثنائي، فرئيسا الدولتين، أي جلالة الملك الحسن الثاني وقائد الثورة الليبية العقيد معمر القذافي يتحملان وبالاشتراك معا – ولكن وحدهما وبصورة كاملة – رئاسة الاتحاد، ذلك أن المعاهدة لم تنص على أية مسطرة أو على أي جهاز لتعويض الرئاسة عند الاقتضاء. كما أن سلطة إصدار القرارات التي تتوفر عليها الرئاسة لا تشاطرها فيه أحد من الأجهزة الأخرى. وخصوصيات الاتحاد العربي الإفريقي في هذا المجال تبدو من خلال مقارنتها بالتجارب الاتحادية الأخرى: فالمجلس الأعلى في اتحاد الدول العربية (يورد الملك في هامش الصفحة المعلومة التوضيحية التالية: أنشئ اتحاد الدول العربية سنة 1958، وكان يضم الجمهورية العربية المتحدة «مصر وسوريا» والمملكة المتوكلية اليمنية) كان يتكون من رؤساء الدول الأعضاء، ويتولى الإشراف على شؤون الاتحاد، ويختص برسم السياسة العليا في المسائل السياسية والدفاعية والاقتصادية والثقافية وإصدار القوانين اللازمة في هذا الشأن بعد موافقة السلطات المختصة في كل دولة. كما يختص بتعيين القائد العام للقوات المسلحة للاتحاد، وإصدار الميزانية العامة للاتحاد. وتصدر قرارات المجلس الأعلى بالإجماع».

يضيف الملك محمد السادس، كاشفا أوجه الاختلاف بين رئاسة اتحاد المغرب وليبيا وبقية الاتحادات بقوله: «كما أن مجلس الرئاسة في اتحاد الجمهوريات العربية كان السلطة العليا في الاتحاد، وتتكون من رؤساء الجمهوريات الأعضاء، وينتخب المجلس رئيسا له من بين أعضائه لمدة سنتين قابلتين للتجديد. ويختص بمسائل السلم والحرب، ووضع أسس السياسة الخارجية للاتحاد وتوحيد السياسات التي تتبعها الجمهوريات الأعضاء في علاقاتها الدولية، وتنسيق العمل الدبلوماسي والقنصلي مع الدول الأجنبية والمنظمات الإقليمية والدولية، كما يختص بتنظيم وقيادة الدفاع عن اتحاد الجمهوريات العربية. أما رئاسة الاتحاد التعاهدي بين السينغال وغامبيا فقد قسمت بشكل عمودي، إذ نصت المادة السادسة من المعاهدة المنشئة لهذا الاتحاد على أن رئيس جمهورية السينغال هو رئيس الاتحاد، وأن رئيس جمهورية غامبيا هو نائب لرئيس الاتحاد. وقد أوكل ميثاق الاتحاد العربي الهاشمي الذي كان يضم العراق والأردن، رئاسة الاتحاد إلى ملك العراق، وجعل ملك الأردن نائبا له، غير أن هذا الأخير يمكن أن يترأس حكومة الاتحاد في حالة غياب الأول لأي سبب من الأسباب».

الهيأة الثانية ذات الطابع التنفيذي للاتحاد المغربي الليبي، بعد رئاسة الاتحاد، هي اللجنة التنفيذية، وتتكون، وفق ما ينقله الملك من معاهدة وجدة من «مجلس الوزراء بالمملكة المغربية واللجنة الشعبية العامة بالجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية»، ومهمتها «تنفيذ ومتابعة قرارات الرئاسة».

بعد تفصيل اختصاصات هاته الهيأة ونمط تسييرها يوضح الملك: «يمكن اعتبار اللجنة التنفيذية مؤسسة سبقت في وجودها الاتحاد العربي الإفريقي نفسه، فقبل تأسيس الاتحاد بسنة تقريبا تم تشكيل اللجنة العليا المغربية الليبية للتعاون، وقد عقدت دورتها الأولى بالرباط تحت رئاسة جلالة الملك الحسن الثاني يوم 26 يناير 1984، وهي تتكون من أعضاء الحكومة المغربية واللجنة الشعبية العامة (حكومة الجماهيرية العربية الليبية)».

الهيأة الثانية التنفيذية بالاتحاد العربي الإفريقي هي الأمانة الدائمة. وبخصوصها يذكر الملك، بعد بيان كيفية تشكيلها واختصاصاتها وفق اتفاقية وجدة: «وتطبيقا لهذه المادة (هنا يتحدث الملك محمد السادس عن المادة التاسعة من الملحق المتعلق بتنظيم الأمانة الدائمة للاتحاد العربي الإفريقي) قام جلالة الملك الحسن الثاني بتعيين السيد عبد الواحد الراضي وزير التعاون في حكومة جلالته أمينا عاما للاتحاد العربي الإفريقي، وذلك يوم 24 شتنبر 1984، كما قام الرئيس الليبي معمر القذافي بتعيين السيد كمال المقهور، وزير النفط الليبي أمينا عاما مساعدا، وذلك يوم 16 أكتوبر 1984».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى