
أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية على الواردات العالمية قلقًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والمالية. وتشمل هذه الرسوم، التي تتراوح نسبتها بين 10 و45%، واردات قادمة من أكثر من 100 دولة، وتشكل تحولًا جذريًا في السياسة التجارية الأمريكية نحو نهج حمائي يهدف إلى تقليص العجز التجاري المزمن للولايات المتحدة.
لمياء جباري
تأتي خطوة الزيادة في الرسوم الجمركية، التي أقدم عليها الرئيس الأمريكي، ضمن استراتيجية «أمريكا أولًا» التي تبناها دونالد ترامب، والتي تسعى إلى تعزيز الإنتاج المحلي، وحماية الصناعات الوطنية، وتقليص الاعتماد على السلع المستوردة، خصوصًا من الصين والاتحاد الأوروبي.
غير أن هذا التوجه يهدد بإعادة إشعال الحروب التجارية، إذ من المتوقع أن ترد بعض الدول المستهدفة بإجراءات انتقامية، مثل فرض رسوم مضادة أو قيود على المنتجات الأمريكية، ما قد يؤدي إلى تباطؤ في حركة التجارة العالمية وارتفاع الأسعار على المستهلكين.
تأثير محتمل على المغرب
على الرغم من أن المغرب لا يُعد من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، إلا أن بعض المحللين يشيرون إلى أن هناك تأثيرات غير مباشرة قد يشعر بها المغرب على المدى المتوسط. ويُعزى ذلك إلى عدة عوامل، منها هيكل المبادلات التجارية، حيث المبادلات بين المغرب والولايات المتحدة تبقى محدودة مقارنة بتلك التي مع أوروبا أو الصين. ناهيك عن أن جزءًا كبيرًا من صادرات المغرب نحو أمريكا يندرج ضمن اتفاقية التبادل الحر الموقعة بين البلدين، ما قد يوفر له نوعًا من الحماية المؤقتة.
وبحسب الخبراء، ستكون ثمة تأثيرات على السوق العالمية؛ أي تباطؤ في الاقتصاد العالمي نتيجة لتباطؤ التجارة أو ارتفاع تكاليف الإنتاج قد ينعكس على الطلب العالمي على المواد الأولية والمنتجات الصناعية، وهي مجالات يرتبط بها المغرب عبر سلاسل القيمة العالمية.
ويشير الخبراء، أيضا، إلى تقلبات سعر صرف الدولار؛ إذ مع تغير السياسات التجارية وارتفاع حدة التوترات قد يشهد الدولار الأمريكي تقلبات تؤثر على كلفة الاستيراد والتصدير بالنسبة للمغرب.
وفي العمق تعكس هذه السياسات توجّهًا نحو إعادة رسم خريطة التجارة العالمية، بحيث تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص اعتمادها على الخارج في القطاعات الصناعية التقليدية، وفي الوقت نفسه تعزيز هيمنتها في القطاعات المتقدمة، مثل التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي والدفاع.
وقد تؤدي هذه الاستراتيجية إلى تحولات في سلاسل التوريد الدولية، ما يدفع بعض الدول إلى البحث عن شركاء تجاريين بديلين. وهنا قد تبرز فرص للمغرب، إذا تمكن من تحسين مناخ الأعمال وتقديم نفسه كوجهة صناعية بديلة ومستقرة للشركات الراغبة في تنويع مصادرها خارج الصين وأوروبا.
الهدف الأساسي لترامب، من خلال هذه الإجراءات الجمركية، كان تقليص العجز التجاري مع القوى الكبرى مثل الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، الهند والاتحاد الأوروبي.
غير أن اقتصاداً مثل المغرب يُظهر، وفقاً لمعطيات مكتب الصرف، أن الولايات المتحدة تسجل فائضاً في التجارة الثنائية مع المملكة منذ عام 1998. ومنذ عام 2010، بلغ العجز التجاري السنوي للمغرب تجاه الولايات المتحدة حدًا أدنى قدره 10 مليارات درهم، وبلغ ذروته التاريخية بـ40,4 مليار درهم سنة 2022، ثم ارتفع إلى 47,6 مليار درهم في 2023 قبل أن يتراجع إلى 31,4 مليار درهم في 2024.
وتجدر الإشارة إلى أن الصادرات المغربية نحو الولايات المتحدة شهدت، بعد فترة من الركود، دينامية تصاعدية ملحوظة، خصوصاً بعد توقيع اتفاقية التبادل الحر في عام 2005، التي دخلت حيز التنفيذ في 1 يناير 2006. ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية سنة 2024، انتقلت قيمة الصادرات المغربية إلى السوق الأمريكية من 2,5 مليار درهم إلى 18,9 مليار درهم، مسجلة بذلك نمواً تجاوز 656%. وبين عامي 2022 و2024، بلغت قيمة الصادرات المغربية إلى الولايات المتحدة على التوالي: 14,4 مليار درهم، 12,7 مليار درهم و18,9 مليار درهم. وخلال هذه الفترة شكلت هذه الصادرات نسباً بلغت 3,4% في 2022، و3% في 2023، ثم ارتفعت إلى 4,2% في 2024.
وبالتالي، فإن فرض رسم جمركي بنسبة 10% على ما بين 3 إلى 4% فقط من إجمالي الصادرات لا يمكن اعتباره تأثيراً كبيرا، بحسب الخبراء. وكان من الممكن أن يكون الأثر أكثر وضوحاً لو أن السوق الأمريكية كانت تستوعب، على سبيل المثال، ما بين 20 إلى 25% من الصادرات المغربية.
تحد لاتفاقية التبادل الحر
يُعد فرض الولايات المتحدة لرسوم جمركية جديدة تحديًا مباشرًا لاتفاقية التبادل الحر بينها والمغرب (ALE)، التي دخلت حيز التنفيذ بداية سنة 2006، وأثار هذا الإجراء مخاوف لدى الشركات المغربية المصدرة إلى السوق الأمريكية. ويرى البعض أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تراجع القدرة التنافسية للمنتجات المغربية في الولايات المتحدة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى الاتفاقية والمكاسب التي جلبتها للمغرب.
ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 يناير 2006، وساهمت في تمكين المصدرين المغاربة من الولوج إلى السوق الأمريكية دون رسوم جمركية على أغلب المنتجات الصناعية والزراعية.
وتنص المادة 2.3 من الاتفاقية على أنه «لا يجوز لأي طرف من الطرفين رفع رسوم جمركية قائمة أو فرض رسوم جديدة على المنتجات المتبادلة». ويُعتبر هذا البند من الركائز الأساسية للاتفاق، إذ يهدف إلى توفير بيئة تجارية مستقرة وآمنة بين البلدين. إلا أن قرار إدارة ترامب بفرض رسم جمركي عام بنسبة 10% على الواردات، دون التمييز بين مصادرها، يبدو أنه يتعارض مع هذا البند.
ورغم أن الاتفاقية تمنع مبدئيًا رفع الرسوم الجمركية، إلا أنها تتضمن بعض الاستثناءات. فالمادة نفسها تسمح لأي طرف بـ«الإبقاء على رسوم جمركية أو زيادتها إذا سمح بذلك جهاز تسوية النزاعات التابع لمنظمة التجارة العالمية».
ويمكن للولايات المتحدة، كذلك، أن تستند إلى المادة 21 من اتفاقية الغات (GATT)، التي تخول للدول اتخاذ تدابير استثنائية لدواعٍ تتعلق بالأمن القومي. وسبق لإدارة ترامب أن استخدمت هذا النص القانوني لتبرير فرض رسوم جمركية على واردات الحديد والألومنيوم، بدعوى أنها تهدد أمن الصناعات الوطنية. لكن، في حالة المغرب، هل من الممكن تبرير مثل هذا الإجراء تحت ذريعة الأمن القومي؟
تشير الوثائق الرسمية الصادرة عن مكتب الممثل التجاري الأمريكي (USTR) إلى قائمة بالحواجز التجارية التي تواجهها الشركات الأمريكية في عدد من البلدان، من ضمنها المغرب.
وتوضح هذه الوثائق أن «الحواجز التجارية لا يمكن تعريفها بشكل صارم، لكنها تشمل عمومًا القوانين أو السياسات أو الممارسات الحكومية، بما في ذلك تلك غير التجارية، التي تخل بالمنافسة العادلة أو تعيقها».
وتشمل هذه الحواجز أيضًا الإجراءات التي تحمي المنتجات والخدمات المحلية من المنافسة الأجنبية، تدعم بشكل مصطنع صادرات بعض القطاعات ولا توفّر حماية كافية لحقوق الملكية الفكرية. ويعبر مكتب الممثل التجاري عن قلقه من أن السياسات غير التجارية، مثل إعطاء الأفضلية لبعض القطاعات الصناعية أو تضخم الطاقة الإنتاجية غير المبنية على السوق، إلى جانب تدخل الشركات المملوكة أو المدعومة من الدولة، قد تشكل تهديدات اقتصادية وأمنية وتضعف القدرة التنافسية الأمريكية.