حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

الحبة الحمراء

تميز السباق الدرامي الرمضاني لهذا الموسم بأعمال تنوعت بين النمطية المعتادة والحموضة المركزة مع إضفاء بعض البهارات الشرقية على تيمة «العروبية» في محاولة يائسة لـ«صعدنة» الدراما المغربية.. أمام هذا السيرك البهلواني المتخم بالتكرار والإطناب والاجترار.. لم يجد المشاهد بُدا من الفرار بجلده نحو منصات البث العالمية، لعله يجد ما يروي به تعطشه لأفلام ومسلسلات تناقش قضايا الساعة بعيدا عن «فرقشة» العقل والمنطق.

وفي هذا السياق جاءت السلسلة النتفلكسية القصيرة «المُرَاهَقَة» لتنتشل المتفرج المغربي من نعيم الجهل إلى جحيم الوعي بخطر أصبح يتسلل إلى عقول أبنائنا ويهدد سلامتهم النفسية والجسدية. يتحدث المسلسل، المكون من أربع حلقات، عن جريمة قتل بطلها الرئيسي مراهق انطوائي يتم إلقاء القبض عليه واتهامه بتصفية زميلته في المدرسة. قد تبدو الحبكة للوهلة الأولى بسيطة ومستهلكة، غير أن الرسالة التي حاول المسلسل إيصالها للعالم أعمق من مجرد جريمة قتل.

يناقش العمل معضلة كراهية النساء التي أصبحت منتشرة بشكل مخيف بين أوساط المراهقين. صحيح أن الميزوجينية ليست وليدة اليوم، بل هي سلوك عدواني مرضي يجد تأصيلا له في العديد من الثقافات والأيديولوجيات.. غير أن الآونة الأخيرة شهدت انتشارا واسعا للصفحات والمجموعات المحرضة على العنف ضد النساء وتحقيرهن بل وتبرير الاعتداء الجسدي والجنسي عليهن بمسوغات واهية من قبيل التهذيب أو الدفاع عن «الشرف».

لم يسلم المغرب من موجة الحبة الحمراء أو ما يسمى بمجموعات الريدبيل التي تضم جحافل من المراهقين والذكور العاطلين عن العمل وضحايا القذف السريع.. لقد تحولت السوشل ميديا المغربية إلى أداة تعبئة وتجييش أيديولوجي أعلن فيها هؤلاء الذكور، المهووسون بالعادة السرية، الحرب على النساء.. قرأت صدفة، وأنا أدون هذا المقال، تعليقا مقززا أصابني بالسخفة لمراهق يفتخر بأن أخته الوحيدة توفيت في حادث سيارة، الأمر الذي سيجعله بمنأى عن العار الذي قد تلطخ به الأنثى سمعة عائلتها.

وبالعودة إلى مسلسل «المراهَقة» نلاحظ في لقطة الاستنطاق كيف أظهر الصبي المتهم وجهه الميزوجيني القذر وهو يفتخر بكونه اكتفى بقتل زميلته التي رفضت مواعدته، واختار طواعية عدم اغتصابها.

يتحدث هذا البرهوش الحقير بنوع من التعالي الوهمي الذي يتبناه كل المنتمين إلى عصابة الريد-بوالة التافهة، لما ينشرونه من معتقدات إجرامية تدخل في نطاق التبول الفكري اللاإرادي.. ومن أبرز هذه المعتقدات المدمرة فكرة التفوق الجنسي للذكور على الإناث، واعتبار النساء مجرد أوعية جنسية أو آلات تناسلية لتفريخ الأطفال.. بل إن العقيدة الريبوالية العليا تصنف المرأة في مرتبة أقل من الحيوان. من الملاحظ أن صفحات الحبة الحمراء تلجأ إلى استراتيجية الإنزال الجماهيري المكثف على جميع جبهات مواقع التواصل الاجتماعي. إذ تجد جحافل الحشرات الريدبيلية منتشرة بكثافة في حسابات النساء والمراهقات.. حيث يتم إغراق التعاليق بخطابات الكراهية والعنف والتحقير وكذلك التهديد بالإيذاء الجسدي والجنسي. وهو الأمر الذي تم التطرق إليه في المسلسل حين مواجهة الصبي المتهم بجرائمه الإلكترونية التي كانت عبارة عن مجموعة ضخمة من التعليقات الخطيرة على حسابات عارضات الأزياء في انستغرام.

إن سقوط الذكور المراهقين فريسة سهلة في أيدي التنظيمات الميزوجينية يرجع بالأساس إلى التساهل في تربية الذكور. إذ تزخر الثقافة المغربية، على سبيل المثال، بالعديد من المعتقدات التربوية المتجاوزة التي تفرق بين الأبناء والبنات. عبارات من قبيل «نوضي طيبي لخوك» أو «خوك راجل واخا يتعطل» أو «خوك من حقو يضربك ويربيك».. كل هذه الأفكار النمطية الرجعية تساهم بشكل كبير في تعزيز الإحساس الوهمي بالتفوق لدى الذكر، وتدفعه إلى الإيمان بأن جسد الأنثى وكينونتها مجال مستباح يحق له التصرف فيه كيف ومتى شاء.. وأن الإحسان للنساء ومعاملتهن بالحد الأدنى من الكرامة والإنسانية مجرد كرم أخلاق يمن به الذكر علينا بشروط أبرزها الطاعة والخضوع والعذرية والحشمة وما إلى ذلك من المعايير القروسطية التي على النساء الامتثال إليها تفاديا للتعنيف والتقتيل والتبهديل.

من المعلوم أن الخطاب الديني المتطرف يساهم أيضا في الترويج لكراهية النساء. وكمثال على ذلك، الخرجات المتكررة لمن يطلقون على أنفسهم لقب الدعاة. هؤلاء الدجالون الذين يتمادون بدون حسيب أو رقيب في الدعوة إلى تزويج الطفلات واستغلال أجسادهن الغضة لإشباع الخيال الجنسي البشع لهاد دعاوي البلا.. ولعل آخر خرجة بهلوانية دعا صاحبها علانية إلى الاحتفاء بالبيدوفيليا، هذا الحتروف الهائج الذي يصنف نفسه كمدرب تنمية بشرية أو داعية أو مرشد.. صرح بأن الطفلة القروية التي تعتمد في تغذيتها على «البيو» تبرز معالمها الأنثوية أسرع من ابنته المصون التي يصر على أن تكمل تعليمها وتتقلد أرفع المناصب.. إن  الطريقة الدونية والأسلوب التحقيري الذي تحدث به هذا الأب الذي من المفروض أنه يملك من العاطفة الأبوية ما يحول بينه وتشييء صبية لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها، ذكرني بتصريح قديم لوزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة في حكومة اللحايا السابقة، حيث قالت إن «بنت طلطاشر عام راها فاخرة وتليق للزواج».

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى