
يسرا طارق
كثر الحديث هذه الأيام عن العنف الذي صار يحدث في أماكن لم تكن تقع فيها حوادث تذكر، وخصوصا بعد مقتل أستاذة على يد تلميذ، وتعرض مدير لعنف أدى إلى وفاته، ونقل أستاذات وأساتذة إلى أقسام المستعجلات في وضعية سيئة. لا يتوقف الأمر على المدرسة المغربية، التي تعيش أزمات خانقة، بل إن ما يجري في الأسرة المغربية، التي هي المنبع الذي يخرج منه الأطفال نحو المدرسة والشارع، يصيب بالذهول. فعنف الأبناء ضد الآباء والأمهات تزايد بشكل لافت، ولم يعد يقتصر على العنف اللفظي والاعتداء الجسدي، بل وصل في كثير من الأحيان إلى القتل. لن نتحدث عما يجري في الشوارع، وخصوصا في الأطراف العشوائية لبعض المدن، حيث يفرض فتوات، أشبه بفتوات السينما المصرية، قانونهم الخاص، مسلحين بسيوف وبجرأة عجيبة على تحدي الجميع.
ولن نتحدث، أيضا، عن تلك الدراجات النارية، التي يركبها شخصان وتمر سريعة لخطف هاتف نقال من يد أو حقيبة من كتف. ما يثير في هذه المشاهد التي تغص بها وسائل التواصل الاجتماعي أن أبطالها في مقتبل العمر، تلاميذ في الإعدادي والثانوي، أو ضحايا الهدر المدرسي وغياب وسائل الإدماج والتثقيف، مما يؤشر على فشل جماعي تتحمل مسؤوليته الأسرة والمدرسة وكل المؤسسات التي من واجبها رعاية الطفولة والشباب وتيسير سبل تجنيبهم الضياع والانحراف والإدمان على المخدرات.
الحياة الحديثة عنيفة بطبعها وبالتحديات التي يواجهها فيها الفرد منذ أن يخرج من باب داره في الصباح. عنف المواصلات، الأصوات، النظرات، الاحتكاك الجسدي، الحصول على أبسط شيء بدون تدافع أو انتظار طويل. وهي عنيفة، أيضا، لأنها تقصي وتبعد من لا يمتلك وسائل المنافسة. الفضاء الحديث عدواني، يجبرك دوما على أن تخرج أسوأ ما فيك، لتحصل على ما أنت في حاجة إليه. غير أن المجتمعات الحديثة عملت بوسائل متعددة على السيطرة على العنف الحضري. بالقانون، والمراقبة الدائمة والتخطيط الحضري الجيد، الذي لا يخلق للمجرم ملاذات آمنة.
العنف والجريمة يتطوران، في كل بلدان العالم، بتطور المجتمع، وهناك دوما، وبسبب ميول إجرامية، أو مرض نفسي، أو بسبب الحرمان والحاجة المزمنة، أو بسبب التأثير السيئ للوسط الذي يعيش فيه، أجيال من المنحرفين تلتحق بالفضاء العام. ولا وجود لحلول سهلة يمكن تطبيقها، كما لا توجد حلول قصيرة الأمد، يمكنها أن تجعل من مدينة تعرف نسبة عنف وجريمة مرتفعين، مدينة آمنة وهادئة في سنوات قليلة. العمل على العنف طويل الأمد يبدأ من العدالة الاجتماعية والمجالية ومن تكافؤ الفرص، ويمر بالأسرة والمدرسة، وينتهي بضبط الفضاء العام وترسيخ سلطة القانون فيه بكل الوسائل.