
من يقرأ بتمعن كتاب “مشاهير من الصعيد فى القرن العشرين”، للكاتب هاشم علي، والذى يتناول فيه حكايات عدد من الكفاءات العالمية التي ولدت ونشأت في البادية المصرية، سيقف على مدى إصرارهم ورغبتهم في مطاردة أحلام سكنت وجدانهم منذ الصغر. إلى أن حققوا إنجازات تاريخية في كل المجالات، سواء في السياسة أو الفنون أو الآداب أو العلوم الاجتماعية، أو غيرها من المجالات المختلفة.
حسن البصري:
يرصد الكاتب العديد من الأسماء التي تألقت في مختلف المجالات بمن فيهم قراء ومجودو القرآن الكريم وكبار الأزهر، مع تحليل نفسي عميق لكل شخصية، أبرزهم عبد الباسط عبد الصمد والمنشاوي والعقاد وطه حسين، الذي سيصبح وزيرا للتعليم في مصر وأحد أبرز القامات الأدبية.
في حكومة من حكومات زمن حسني مبارك، بلغ عدد الوزراء المنحدرين من الصعيد المصري تسعة وزراء، فقال عنهم في إحدى اللقاءات: “إنهم رمز الأصالة والوطنية، لهم دورهم الكبير في رفعة البلد ورقيها”، مشيرا إلى أن “الدولة تتطلع إلى هذا الجزء الغالي من الوطن باعتباره فى قلب عملية التنمية الشاملة”.
في زمن مضى، كان من النادر أن “ينسل” شخص قادم من البادية إلى محيط القرار وتحديدا إلى تشكيلة الحكومات المتعاقبة على تدبير شؤون الوطن.
في ذلك الوقت، حين نبتت في وطننا مدارس الأعيان والبعثات العلمية الخارجية لفائدة أبناء النخب، كان من الصعب انضمام شخص قادم من مدشر في عمق البادية لأصحاب القرار السياسي، خاصة وأن البادية المغربية التي سقطت من مفكرة التنمية فسكنتها السخرية واختزال “البدوي” تارة و”الجبلي” تارة أخرى في صور نمطية عنوانها السذاجة.
سنكتفي ببعض النماذج رغم أن عددا كبيرا من خدام الدولة يخفون صفحة الدوار من سيرتهم.
العنصر من دوار جبلي إلى وزير للداخلية
ولد امحند العنصر بلسان أمازيغي وبدون ملعقة ذهبية في فمه أواخر فصل الربيع من سنة 1942 بدوار محاط بالجبال يسمى “إسبوتن” بجماعة أيت بازة. وانقطع عن دراسته بسبب ضيق ذات يد والده، قبل أن يتدخل مدير المدرسة الفرنسي الجنسية ويصر على أن يستكمل الفتى دراسته رغم الظروف المادية والطبيعية الصعبة. لينتقل إلى السكن في إيموزار مرموشة، التابعة لإقليم بولمان، حيث تابع دراسته الابتدائية غير بعيد عن مسقط رأسه، ثم الثانوية بمدينة صفرو، وبعدها سينتقل إلى الرباط ليستكمل دراسته في مدرسة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، كما حصل في المدرسة الوطنية للإدارة العمومية بالعاصمة الرباط على دبلوم السلك العالي.
بدأ العنصر مساره المهني عام 1958 موظفا بوزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، فرئيس مصلحة فيها، ثم مديرا جهويا في مدينة أكادير، وارتقى في مساره الوظيفي حيث أصبح لاحقا مسؤولا عن قسم الميزانية والمالية والصفقات والشؤون العامة، ثم مديرا للمصالح البريدية، وكاتبا عاما لوزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية.
انخرط في صفوف حزب الحركة الشعبية سنة 1975، وظل عضوا نشيطا في الشبيبة الشعبية، واللجنة المركزية للحزب، إلى أن تم انتخابه أمينا عاما للحزب سنة 1986، خلفا للمرحوم المحجوبي أحرضان، وظل في قيادة حزب السنبلة إلى غاية مؤتمر 2022 بإجماع الحركيات والحركيين.
تولى العنصر منصب وزير البريد والمواصلات بين سنة 1981و سنة 1992، ثم وزير الفلاحة والتنمية القروية بين 2002-2004، وخلال الفترة الممتدة بين 2004-2007 تولى منصب وزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري، ليصبح في عام 2009 وزيرا للدولة، وفي يناير 2012 عين وزيرا للداخلية وبعدها وزيرا للتعمير وإعداد التراب الوطني، ووزيرا لقطاع الشباب والرياضة، ثم انتخب خلال شتنبر2015 على رأس مجلس جهة فاس مكناس ، كما ترأس جماعة أيت بازة، وبلدية ايموزار مرموشة التي كان له الفضل في إحداثها، فضلا عن رئاسته لجهة فاس بولمان خلال التقسيم الترابي القديم.
انتخب محند العنصر نائبا برلمانيا عن إقليم بولمان منذ عام 1993 إلى غاية 2016، باستثناء الولايات التي تقلد فيها مناصب وزارية، وإلى الآن ما زال محند عميد السياسيين المغاربة، لم تتغير حنكته السياسية بعد كل هذا المسار الطويل من النضال السياسي، ولا يزال أحد الفاعلين المؤثرين في المشهد السياسي المغربي، مع إصراره على إيصال صوت العالم القروي والمناطق الجبلية، والقضية الأمازيغية إلى مراكز القرار.
إدريس البصري يفتخر بانتمائه لدوار لمناصرة
ظل جدل الجذور العائلية لإدريس البصري، أشهر وزير في تاريخ المغرب المعاصر، حاضرا قبل وفاته وبعدها. فقد تعددت الروايات حول الأصول القبلية للعائلة، فأهل تاونات ينسبون العربي البصري، والد إدريس، لجبالة، وأهل الغرب يقولون إن أصل البصري يرجع إلى قبيلة لمناصرة نسبة إلى الولي الصالح سيدي محمد المنصور الذي يوجد ضريحه بالقنيطرة، وهو ما سبق أن أكده أخوه بوشعيب بعد وفاة الوزير، فيما يرى أبناء سطات أن جد البصري غادر لمناصرة ضواحي سطات ورحل إلى الغرب وفيه مات ودفن. كما دار جدل حول أصل والدة الوزير الحاجة إيزة التي يرجع نسبها إلى قبائل السماعلة نواحي وادي زم، فيما يرى البعض أنها تنتسب للزاوية الشرقاوية والأرجح أنها من السماعلة.
عاش البصري حياة الفقر وظل يصر على متابعة دراسته بالرغم من الحاجة، في تلك الفترة رافقه والده الذي كان سجانا وظل يتخلص كل يوم من قساوة مهنته ليهتم بتربية أسرة متعددة الأفراد، بعد أن أنجبت أحد عشر ابنا منهم ثماني بنات والباقي من الذكور، (بوشعيب، إدريس ومحمد)، ولولا وفاة أول العنقود لارتفع الرقم إلى اثني عشر ابنا، أكبرهم سنا رابحة وأصغرهم محمد. نشأ الجميع في وسط أسري عنوانه التعدد والخصاص.
أمام اتساع دائرة العائلة وتوالي الوافدين تباعا، اضطر الأب العربي إلى تغيير نمط الحياة، واتخذ قرارا بمغادرة السكن الوظيفي واقتناء سكن في حي المجازر الشعبي “الباطوار”، هناك ستنتهي معاناة أبنائه مع المدرسة، وحتى يخفف عنهم مشاق التنقل من أجل استكمال الدراسة بالثانوية الإسلامية آنذاك.
كان البصري، الذي عاش في دوار لمناصرة، حريصا على زيارة البادية خاصة في إجازاته، وحين توفي والده عام 1990 التحقت به زوجته بعد ثلاث سنوات، فدفنت بناء على وصيتها في مقبرة لمناصرة بجانب قبر زوجها.
ووفاء للدوار قرر الوزير بناء مسجد في دوار لمناصرة، تنزيلا لوصية أمه، في الوقت الذي صالحت فيه المقبرة والمسجد إدريس البصري مع دوار لمناصرة حيث كان يحرص على زيارة قبري والديه، قبل أن يلتحق بهما ويدفن بعيدا عنهما ضد ما كان يتمناه بالعاصمة.
دوار تمروت يقيم حفلا على شرف الوزير ابن القبيلة
احتفلت قبيلة أيت إيكلت التابعة لجماعة زاكموزن في تارودانت الشمالية، يوم 23 أكتوبر 2023، باستوزار أحد أبنائها، وتعيين ابن دوار تمروت، الشاب لحسن السعدي، كاتبا للدولة لدى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مكلفا بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
عن سن الـ34 عاما، تحول حلم الشاب بالوجاهة إلى حقيقة، خاصة وأن الولد ينتمي للمغرب العميق الذي كان خارج حسابات مخططات التنمية إلا في النكبات الطبيعية.
عاش لحسن كغالبية أبناء الشعب في البادية، ودرس في المدرسة العمومية وتنقل بين الجبال والهضاب وسكن داخليات الثانوية والحي الجامعي، لكنه أبدى ذكاء خارقا في مساره التعليمي.
نقطة التحول في حياة هذا الفتى هي انخراطه في حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث مارس لسنوات العمل السياسي للقرب، في الدوار والقبيلة والجماعة والمنطقة والجهة، ومع انتخاب عزيز أخنوش رئيسا للحزب ارتفعت “كوطة” لحسن خاصة بعد أن أصبح رئيسا لمنظمة الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية، خلفا لزميله، يوسف شيري.
دخل الفتى معركة الانتخابات 2021، وانتخب كأصغر برلماني في تاريخ المنطقة، وأصبح رئيسا للجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب. وهو ما عجل بتعيينه كاتبا للدولة لدى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
لم يقفز لحسن على الحقيبة الوزارية، فهو حاصل على دبلوم نهاية التكوين في سلك الماستر حول الحكامة الترابية والتنمية الجهوية وذلك حول موضوع “السياسات المائية بالمغرب ومتطلبات ضمان الاستدامة”، من الجامعة الدولية لأكادير.
سطع نجمه حين نظمت شبيبة الحزب الشعبي الأوروبي، بشراكة مع الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية، ومؤسسة الكونراد أدناور، اجتماعها السنوي، في ضيافة حزب التجمع الوطني للأحرار بالرباط، بحضور أزيد من 80 عضوا من دول الاتحاد الأوروبي.
هذه الشراكة مع شبيبة الحزب الشعبي جعلت صوت المغرب مسموعا، وساهمت في تقوية علاقات الدبلوماسية الموازية، وعلى رأسها التعريف بعدالة قضية الصحراء المغربية.
العثماني يرابط في زاوية دوار “إداو منو” في سوس
أشار محمد المختار السوسي، في الجزء السابع عشر من كتابه “المعسول”، إلى عائلة العثماني، وسلط الضوء على المناخ الديني الذي ميزها، فقال: “بهذه المناسبة يجب علينا أن نؤدي الحق لهذه الأسرة المباركة العثمانية بجميع فروعها، حتى نؤدي ما علينا من حق أكيد لهذه الأسرة التي تسلسل فيها العلم والصلاح في سوس منذ القرن السادس إلى الآن. ولم أعرف الآن في المغرب أسرة تسلسل فيها العلم أبا عن جد في زهاء ألف سنة إلا هذه”. ووصفها في “سوس العالمة” بأنها “أعظم أسرة علمية سوسية مرتبطة بالدوار”.
كان محمد العثماني والد سعد الدين قيما على المدرسة القرآنية العتيقة بدوار “إداو منو”، التي توجد في منطقة شتوكة أيت باها، والتي تبعد عن إنزكان بحوالي 50 كيلومترا، هناك قضى سعد الدين أربع سنوات في فضاء تنوعت تضاريسه وزادت الحاجة وضعف البنيات التحتية من قساوة العيش فيه، وحدها المدرسة العتيقة كانت ملاذا للأطفال لتعلم حفظ وتجويد القرآن ودروس الفقه والتفسير وكل العلوم الدينية. كما لعبت أسواق المنطقة متنفسا لأبناء القبيلة ولو مرة في الأسبوع.
يعد عبد الله بن محمد العثماني السوسي من رجالات الأسرة العثمانية السوسية، كان فقيها معروفا في المنطقة، حفظ القرآن عن والده، وافتتح مبادئ العلوم على يد أبي العباس أحمد الجشتيمي الشهير بالعلم والأدب، إمام السلطان المولى الحسن الأول، وقد أمضى العثماني عبد الله حياته في الإمامة والتدريس، وهو ما جعل المختار السوسي يصفه بـ”مؤرخ الأسرة”، مضيفا أنه المؤرخ الوحيد الذي يقدر هذا الفن حق قدره، وكانت له صداقة خاصة مع المختار السوسي. كما كان ضمن الوفد من علماء سوس الذي استقبله الملك محمد الخامس في دجنبر 1955، ورفع إليه ملتمسا بإحداث عدد من الإصلاحات.
تبقى الإشارة إلى أن “إدا ومنو” هو دوار يقع بجماعة “إمي مقورن”، إقليم شتوكة آيت باها، جهة سوس ماسة وينتمي الدوار لمشيخة “إداو منو” التي تضم 17 دوارا. يقدر عدد سكانه بـ 1080 نسمة.
الراضي.. سياسي الغرب بين البادية والحاضرة
رغم أن عبد الواحد الراضي من مواليد مدينة سلا في شهر دجنبر من عام 1935، إلا أنه ينتمي للبادية الغرباوية أبا عن جد، حيث إن الفتى ظل يعيش حياة طفولته بين بيت في سانية معنينو بالمدنية القديمة وبيت في أحد دواوير قبيلة بني احسن التي حلت بالمنطقة قادمة من الشرق واستقرت في مناطق متعددة من المملكة.
كان والد عبد الواحد قائدا على قبيلة الصفافعة، أو كما يقول الراضي في أحد حواراته: “لا يمكن أن نتصور القائد في منطقة الغرب بنفس صورة القائد في الجنوب، فوالدي لم يكن يملك سلطات الكندافي أو الكلاوي أو العيادي ولا جاه وجبروت قواد تلك الفترة، لكن القاسم المشترك بينهم كونه من أعيان القبيلة ويهوى الفروسية. ونظرا للمهام المدنية والعسكرية التي كان يتحملها أسلافي لدى سلطات البلاد، قبل الحماية، كانت عائلتنا كثيرة التردد والارتباط مع مدينة فاس عاصمة المملكة”.
يقول عبد الواحد في سيرته الذاتية: «المغرب الذي عشته» متحدثا عن قبيلته وعلاقة والده بالفروسية، “المعروف أن أعيان البوادي والذين كان لهم ارتباط بالإدارة أو بدار المخزن، كانوا يحرصون على ممارسة الفروسية، ولأن الوالد كان يمتلك الخيول وله شغف بها، كان يتردد على مدينة فاس لاقتناء السروج واللجامات ومقومات الفروسية، وما إلى ذلك من الحاجيات. وكانت فاس، كعاصمة آنذاك، شهيرة بصناعة هذه المقومات”.
الصديقي.. كان يحلم بمهنة حارس الغابة فأصبح وزيرا
ولد عبد السلام الصديقي في 31 دجنبر 1951 بدوار “تيزين درا” نواحي أكنول، تابع دراسته في المسيد ومدارس العالم القروي بالريف. وقد بدأ حياته فلاحا في جبال المنطقة، يتحدث بكل عفوية عن محطات من حياته ومساره الدراسي، “أول مرة ذهبت فيها إلى القسم كانت بعد خروج الاستعمار، صدمت عندما تحدثت مع الأستاذ بالعربية لأنني لم أكن أفهم إلا الأمازيغية، من بين 100 تلميذ آنذاك، تمكن 10 تلاميذ منهم فقط من الوصول إلى اجتياز امتحان الشهادة الابتدائية، وفقط 4 تلاميذ هم من تمكنوا من الحصول عليها” يقول الصديقي في حوار صحفي.
درس في مدينة فاس قبل أن ينتقل إلى الدار البيضاء لاستكمال تعليمه العالي حيث حصل على دكتوراه الدولة في الاقتصاد من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء سنة 1988، وقبلها من جامعة غرونوبل الفرنسية عام 1979.
اشتغل في جريدة البيان في القسم الاقتصادي، حين كان أستاذا محاضرا في التعليم العالي.
التحق بحزب التقدم والاشتراكية عام 2010 مكلفا بملف حقوق الإنسان والتنمية بجهة تازة، الحسيمة، تاونات، وفي 2006 تحمل مهام تنسيق البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للحزب، وفي 2011 عين كمنسق للجنة التحضير للبرنامج الانتخابي لحزب التقدم والاشتراكية. ولأنه راكم تجارب عديدة فقد تم تعينه من طرف الملك محمد السادس وزيرا للتشغيل والشؤون الاجتماعية عقب التعديل الحكومي لأكتوبر 2013
على المستوى الجمعوي، ترأس الصديقي جمعية لأبناء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بمنطقة اكزناية وقدم العديد من المحاضرات كشف فيها اللثام عن دور الريف في تحرير البلاد.
قال عبد السلام الصديقي، إنه، وإلى غاية اليوم، مازال يستعمل ويتحدث بالأمازيغية مع عائلته، ولا يتمكن النطق بالعربية أمامهم، كما صرح بأنه لأول مرة يركب فيها القطار في حياته، كان ذلك يوم توجّهه إلى فاس لمتابعة الدراسة، وأن قدوم حافلة “السدراوي” من الحسيمة، كانت تمثل حدثا بالنسبة لهم في ذلك الزمن، كما أن من كان يملك دراجة نارية في تلك الفترة، كان هو بمثابة “الزعيم”، كما كشف أنه خلال العطل المدرسية، كان يشتغل بالحقول ويرعى الغنم”..
من جهة أخرى، أكد الصديقي أنه لم يكن أبدا يعتقد أنه سيصبح وزيرا في يوم من الأيام، وأن أمنيته في الصغر كانت الاشتغال كحارس للغابة.
سياسيون خرجوا من دواوير جبال أزيلال
ما زال اسم محمد التوكاني حاضرا في واويزيغت، خاصة وأن كاتب الدولة السابق في الشؤون الإدارية ظل يتردد على مسقط الرأس خلافا لكثير من أبناء المنطقة، بل إن زوجته الإدريسي إيطو ظلت متمسكة بعرى أزيلال رغم استقرارها في الرباط قبل رحيلها إلى دار البقاء. وفي المنطقة نفسها نشأ العامل حسن فاتح الذي ازداد سنة 1966 بواويزغت قبل أن يشد الرحال إلى الرباط، حيث حصل على دبلوم في العلوم الإدارية، وعلى الإجازة في العلوم السياسية، حيث كانت بداية مساره المهني سنة 1990 أستاذا باحثا بكل من كلية الحقوق والمدرسة الوطنية للإدارة بالرباط، كما شغل سنة 2000 منصب مدير ديوان الوزير المنتدب لدى وزارة الداخلية، وبتاريخ 26 نونبر 2010 تم تعيينه عاملا على إقليم الخميسات، ومن تم عاملا مديرا للممتلكات بالإدارة المركزية، على غرار رفيق دربه في السلطة الترابية نور الدين المعطي، العامل الذي ترك بصماته الراسخة في إقليم ورزازات.
ليس هو الوحيد طبعا، بل إن مصطفى مشهوري، الذي عينه الملك محمد السادس وزيرا للتجارة الخارجية في دجنبر 1995، كان يشغل منصب الكاتب العام لصندوق الإيداع والتدبير، وقبلها رئيسا لقطاع الاحتياط الاجتماعي مديرا للصندوق الوطني للتقاعد، وهو من مواليد 16 ماي 1947 بالقصيبة، حاصل على الإجازة في العلوم الاقتصادية من كلية الحقوق بالرباط سنة 1970.
وتولى مشهوري مهمة القيام بدراسة وإحداث النظام الجماعي لمنح التقاعد سنة 1977 وصندوق التقاعد الخاص بالمحامين بالمغرب سنة 1991 وصندوق تقاعد البرلمانيين سنة 1994 والضمان الحرفي سنة 1995 ومشروع الضمان البحري سنة 1996، ظل مشهوري مرتبطا بالقصيبة من خلال منصبه ككاتب عام لجمعية أحمد الحنصالي.
في المنطقة ذاتها، كان ميلاد محمد البصري، الملقب بالفقيه، سنة 1925 في قرية أدوز بمنطقة تشكل نقطة وصل بين سلسلة جبال الأطلس قرب مدينة دمنات، من أب ينحدر من منطقة الأطلس المتوسط التي يتكلم سكانها اللهجة الأمازيغية، وأم تنحدر من سوس.
نشأ في وسط ديني صوفي يتسم بالتنوع، فالأب ينتمي إلى الزاوية الداودية/الكتانية، في حين كانت الأم محسوبة على الزاوية الناصرية. وهكذا لقنه والده الأمازيغي تعاليم الإسلام ومبادئ اللغة العربية إلى الحد الذي كان يمنعه من التكلم بغيرها، وكذلك علوم النحو ومتون الفقه الإسلامي في المدارس العتيقة كما جرت العادة عند القبائل الأمازيغية منذ مئات السنين..
في قرية “أدوز”، التي تعني بالأمازيغية الربوة أو المكان المرتفع، عاش محمد طفولته بين الركض في المراعي والتجوال في روابي تقع على السفوح الشمالية لجبال الأطلس الكبير.
تبعد القرية عن مدينة أزيلال بحوالي 44 كلم، وعن دمنات بـ 28 كلم، ويعد مسقط رأس هذا الزعيم السياسي، وجهة سياحية معروفة على الصعيد الوطني والدولي على غرار قرى مجاورة كـ “امي نفري وشلالات أوزود” الشهيرة وسد مولاي الحسن الأول وسد بين الويدان.
جلال السعيد.. الوفاء لقبيلة السماعلة
منذ اعتزاله السياسة، اختار جلال السعيد الوزير السابق والأستاذ الجامعي الإقامة بين حقول قبيلة السماعلة، وظل الرجل يعبر عن اعتزازه ببدويته، ومنها تولد دفاعه المستميث عن أبناء قبيلته التابعة لدائرة وادي زم بإقليم خريبكة، بل إنها كانت الدافع الذي جعله لا يتنازل عن اللغة العربية في مداخلاته بكل المحافل، رغم أنه تربى وتعلم في الجامعات الفرنسية.
عاش الرجل حياته في صمت فقد أسره سكون البادية التي انطلق منها محتشما نحو الوجاهة وأضحى الرجل الثالث في تراتبية الدولة، في منزله القروي يعكف على كتابة مذكراته ومراجعة أوراقه والغوص في دهاليز القانون. ظل الرجل عاشقا للعلم والخيل إلى أن أسقطته قرعة ثلث المستشارين.
يقول عنه صديقه فاروق النبهان: “جلال أستاذ جامعي وسياسي قدير، ولم أعرفه من خلال عملـه الأكاديمي كأستاذ بكلية الحقوق، وإنما عرفته من خلال عملـه كوزير، ولاحظت نشاطه الواسع وتعلقه بالسياسة، وانتخب رئيسا لمجلس النواب وكان يتمتع بحكمة ودراية واسعة، ثم انتخب رئيسا لمجلس المستشارين وهي الغرفة الثانية في السلطة التشريعية بعد أن وقع تعديل الدستور وإنشاء مجلس المستشارين، وكان الحسن الثاني عندما وقع الضغط عليه لكي ينتخب مجلس النواب كله مباشرة من الشعب، وليس عن طريق انتخاب الثلث من المجالس المحلية والهيئات المهنية، أدخل تعديلا على الدستور وأقر بموجب هذا التعديل إنشاء مجلس المستشارين، وتم انتخاب الدكتور محمد جلال السعيد رئيسا وهو من الشخصيات التي تحظى بدعم من وزير الداخلية صاحب النفوذ المطلق في البلاد إدريس البصري، وكان هذا الوزير يمسك بمفاتيح السلطة كلها، ويختار الشخصيات التي يمكن لـه أن يتحكم في كل القرارات عن طريقها”.
كان جلال السعيد من الشخصيات التي تملك مؤهلات واسعة وكفاءات متعددة وولاؤه مطلق للقصر، وهذه ظاهرة عامة في المغرب، ولدى كل المسؤولين، ولا تسند أية سلطة إلا لمن تقع الثقة بولائه المطلق، وينتمي الدكتور جلال إلى الحزب الدستوري.
نجاة بلقاسم.. طفولة في هضاب قرية بني شيكر
لم يدم مقام الطفلة نجاة بلقاسم طويلا في قرية بني شيكر القريبة من مدينة الناظور في الريف المغربي، ولم يكتب لها الاستمتاع بطفولتها كاملة في هضاب وجبال المنطقة، إذ هاجرت إلى فرنسا سنة 1982 وعمرها لا يتعدى الخمس سنوات.
وأضافت نجاة بلقاسم، التي هاجرت إلى فرنسا في عمر خمس سنوات، أنها “سعيدة بزيارة منزل أسرتها في قرية بني شيكر رغم أنه لم يعد أحد يقطنه”، معتبرة أن جدرانه تحمل ذكريات لا تنسى.
واستحضرت بلقاسم طفولتها في هذا البيت قائلة إنها “مازالت تتذكر ذكرياتها مع أبناء أعمامها وخالاتها ومساعدة جدها في رعي الغنم والجري مع أختها في الجبال وكذا طهي الأكل مع جدتها”.
وتحدثت الوزيرة الفرنسية عن أهالي قرية “بني شيكر”، مبرزة أنهم “لطفاء ورائعين وسعيدة برؤيتهم والحديث معهم، بل أشعر وكأنهم عائلتي بحكم جذورنا المشتركة”.
التحقت رفقة والدها وشقيقتها الكبرى، في إطار التجمع العائلي والالتحاق بأب هاجر إلى فرنسا وقرر ضم باقي أفراد أسرته تحت سقف واحد في مدينة أبفيل، هناك درست نجاة وتعلمت أولى الكلمات الفرنسية، لتبدأ مشوارها الدراسي بين أبفيل وأميان ثم باريس، وقبل أن تتم سن الـ18 كانت تحمل الجنسية الفرنسية إسوة بأفراد أسرتها.
حصلت نجاة، سنة 1995، على شهادة الإجازة في علم الاجتماع الاقتصادي، لكنها قررت استكمال المشوار، حيث التحقت بمعهد الدراسات السياسية في أميان، وحصلت سنة 2000 على شهادة في القانون الدولي، مما جعلها تعبر صوب المحاماة ضدا على رغباتها وميولاتها إذ كانت تمني النفس بمنصب حكومي لكنها فشلت مرتين في ولوج المدرسة الوطنية الإدارية.
كانت نقطة التحول في حياة نجاة هي انضمامها للحزب الاشتراكي في 21 أبريل 2002 وهي حينها طالبة، وعلاقتها المتجدرة مع كارولين كولومب في 2003، زوجة السيناتور عمدة مدينة ليون، والتي كانت وراء ترسيخ مكانتها في الحزب الاشتراكي، حيث اختارتها سنة 2007 سيغولين رويال لتكون المتحدثة الرسمية باسم حملتها الانتخابية لرئاسة فرنسا في مواجهة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
وفي سنة 2012، تم تعيين نجاة وزيرة لحقوق المرأة وناطقة رسمية باسم الحكومة الفرنسية عقب فوز فرانسوا هولاند في الانتخابات الرئاسية، والذي اقتدى برفيقته السابقة حين عين بلقاسم ناطقة رسمية باسمه حين كان يخوض غمار الحملة الانتخابات الرئاسية.





