الافتتاحية

ولادة قيصرية لقناة

وأخيرا، اتفقت الفرق النيابية على مقترح قانون يتعلق بإحداث قناة برلمانية، تتألف من تلفزتين، تسمى الأولى «القناة البرلمانية لمجلس النواب»، والثانية «القناة البرلمانية لمجلس المستشارين» مسيرة من طرف شركتي مساهمة.
حكاية القناة البرلمانية طويلة ترجع لأكثر من عقد من الزمن دون أن ترى النور، وهي قصة تختزل بالفعل ثقافة النخبة السياسية التي تخاف من الإعلام حتى لو كان تحت سيطرتها، وتفضل العيش بعيدا عن عدسات الكاميرات حتى ولو كانت رسمية. انطلق التفكير في قناة برلمانية منذ 2010 مع عبد الواحد الراضي، وتزايد الحديث عن إطلاق القناة في 2012 مع كريم غلاب، بتنسيق مع مصطفى الخلفي، ثم جمد الأمر وعاد الحديث عنه مجددا مع رشيد الطالبي العلمي، لكن دون جديد. واليوم الملف بيد الحبيب المالكي الذي يحاول إجراء ولادة قيصرية للقناة، لكن هذا المشروع مازال يعترضه الكثير من التعثر.
المؤكد أن السبب وراء هذا التلكؤ في إخراج قناة رسمية للوجود لا علاقة له بغياب المصادر المالية، فالبرلمان يتوفر على كل الإمكانيات لإجبار الحكومة على دفع الفاتورة، ولا يعود الأمر لتعارضه مع نصوص قانونية، فالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ليس لها أي اعتراض وسبق لها أن بلغت البرلمان بذلك، والنظام الداخلي نفسه لمجلس النواب يتوفر على تنظيم القناة بعدما تم التأشير عليه من طرف المحكمة الدستورية. المعضلة توجد في إرادة السياسي الذي يرفض أن تلاحق غياباته وضعف تكوينه تغطيات إعلامية.
فعدد من البرلمانيين يدركون أن خلق القناة البرلمانية بالمقاييس المتعارف عليها كما هو الشأن بالنسبة للقناة البرلمانية الفرنسية أو البلجيكية والهولندية أو حتى المصرية، سيضعهم في حرج كبير، لأن مثل هاته القنوات، مهما كان متحكّما في منتوجها، فلا بد أن تقود حتما إلى توسيع النقاش السياسي حتى لا يظل محصورا بين أروقة وكواليس غرف البرلمان، وليطال الفضاء العام والرأي العام الوطني. وبدون شك ستظهر الكثير من عورات ممثلي الأمة وأعطاب العمل التشريعي والرقابي، وحقيقة النخبة المشرعة التي تداري فشلها بالابتعاد عن أضواء الإعلام.
وفي الحقيقة، حتى لو استسلمت النخبة البرلمانية لقدر إحداث قناة برلمانية، الذي قاومته لزهاء عشر سنوات، فماذا يمكن أن يقدمه البرلمان الحالي بإعطابه وأمراضه كمنتوج يتعدى تغطية الجلسات واجتماعات اللجان وغيرها من أمور البرلمان الكلاسيكية؟ فلا يبدو أن المؤسسة التشريعية التي تعاني من الهروب الجماعي وربع أعضائها لا يتوفرون على شهادة الباكالوريا، وطغيان ثقافة الهمزة والسباق المحموم على الامتيازات والبونات، يمكنهم إنتاج خريطة برامج متنوعة وشاملة قادرة على إغراء الرأي العام بالمتابعة.
الأكيد أن نخبتنا البرلمانية ليست في حاجة إلى كل صداع الرأس الذي يمكن أن تحدثه قناة، ولذلك تفضل العمل بمنطق «وكم حاجة قضيناها بتركها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى