الرأي

ويكابرون..

من غرائب هذه الحكومة التي كرست خمس سنوات كاملة من الفشل في قطاع التعليم، أنها لا تعترف إطلاقا بفشلها في هذا المجال، بسبب افتقارها لرؤية واضحة لإصلاحه. فعندما أتيحت لها «الفرصة»، مَنَحتِ القطاع لمحمد الوفا، الذي لم يكن يستسيغ قط فكرة أن التعليم المغربي يعاني أزمة، وهذا طبيعي في وزير لم يكن يميز بين «التميز» و»التمييز»، بل كان يصر، عن جهل طبعا، على أن يعطي للشعب المغربي آمالا كاذبة بأن «تعليمنا مزيان»، لدرجة أن «أوباما ماعندوش إعدادية إقليم النواصر»، حتى جاءت الكلمة الفيصل في الخطاب الملكي لغشت 2013، والذي قال الحقيقة التي حرص الوفا على تزييفها مرارا. وبعد مرور خمس سنوات كاملة، على هذا التخبط، سيخرج علينا رئيس الحكومة في مداخلة حزبية أمام «كوادر» الحزب أخيرا، ليعترف بالفشل في قطاع التعليم، ولكنه بدل أن يحوز القليل من فضيلة الاعتراف والنقد الذاتي، فإنه نسب الفشل لما أسماه بـ «التحكم».
ولأن فضيلة النقد الذاتي لاتزال في عقلنا السياسي الهجين مجرد معجزة لن تتحقق في زمننا هذا، فإنه لن تتأتى لنا الفرصة لنسمع يوما مسؤولا حكوميا يعترف أمام الرأي العام بأخطائه، حتى عندما يتعلق الأمر بزلات لا تغتفر. وآخرها التراخي المشهود مع الريع المنظم مع الخواص في قطاع التعليم، لدرجة السماح لـ14 ألف مدرس بمغادرة القطاع بسبب التقاعد النسبي للعمل في القطاع الخاص هذه السنة لوحدها، ينضافون لعدد مماثل تقاعدوا بشكل عادي، أي أن القطاع فقد في سنة واحدة ما يناهز 28 ألف موظف، علما أن أكثر من 80 في المائة من هؤلاء مدرسو لغات وعلوم، كل هذا، ويقال، والله أعلم، إن الوزارات المعنية بقطاع التعليم تملك مديريات تحمل «زورا» اسم التخطيط، دون الحديث طبعا عن أن المغرب يملك مندوبية بالإسم ذاته، لكن عندما سئل مبديع، وزير الوظيفة العمومية في برنامج حواري، أخيرا، عن عدد المغادرين بالتقاعد النسبي في التعليم، فإن جوابه كان صادما تماما، «إنه لا يعلم». أي أن وزيرا مكلفا بتحديث الإدارة العمومية لم يحدث معطياته. إذن، فكيف لنا أن نطلب منه أن يعطينا توقعات ويصدر قرارات على منوالها، والنتيجة هاهم عشرات الآلاف من التلاميذ المغاربة بدون مدرسين رسميا، علما أن موظفا بسيطا في وزارته يمكنه أن يجمع معطيات السن في القطاع، لو كان فعلا ذا أولوية وطنية، كما يقال، لتناقش الحكومة سيناريوهات الدخول المدرسي المقبل.
طبعا كل هذا لن يحدث، فالجميع سيغادر لعطلته كما خطط لها، في حين أن أبناء الشعب سيكونون بدون مدرسين ابتداء من شتنبر المقبل، فقط لأن المسؤولين المعنيين بالقطاع، لم يقتنعوا بأن تمدرسهم يستحق أن يكون موضوع تخطيط. والسؤال هو ما قيمة الإحصاءات السنوية التي تقوم بها كل القطاعات الحكومية إذا لم تتم الاستفادة منها في هندسة التوقعات؟ ما قيمة «شي حاجة» اسمها مديرية التخطيط والإحصاء في وزارة التربية الوطنية؟ والنتيجة التي يعرفها الجميع هي أن الحكومة التي تشكو التحكم ستنتظر إلى غاية أكتوبر، وسيشرع المسؤولون الجهوييون والإقليميون في التخبط يمينا وشمالا لسد الخصاص، بشباب بدون تكوين وبتعاقدات تعود بنا إلى زمن «السخرة». وطبعا مرة أخرى، فهذه الحكومة ليست فاشلة إطلاقا، بل تم إفشالها، لأن «التحكم» هو سبب عمى البصر والبصيرة الذي تعاني منه، عندما أسندت القطاعات الاجتماعية الحيوية التي لها علاقة بالتعليم لمسؤولين من فصيلة مبديع وبرجاوي وبلمختار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى