حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

 أدباء يكتبون عن أعلام في الفكر والأدب

إعداد وتقديم: سعيد الباز

 

يلجأ البعض من الكتّاب إلى الكتابة عن غيرهم من الأدباء، إمّا على سبيل الاحتفاء والتقدير، أو محاولة إبراز مدى تأثيرهم على تجاربهم الأدبية الخاصة. هذا اللقاء الأدبي أو الفكري يصبح في الأساس فرصة لإلقاء نظرة على أساليب الكتابة وأشكالها التي تساهم في تطور الأدب وتجدده، وقد يتخذ شكلا واقعيا مباشرا في الكتابة عن أعلام فكرية وأدبية، أو شكلا متخيلا غير مباشر يستلهم حياة أديب ومنجزه الأدبي من خلال عمل إبداعي كالرواية على سبيل المثال.

محمد شكري.. بول بولز

 

 

 

اهتم محمد شكري بالكتابة عن الكتاب الذين حلّوا بمدينة طنجة أو أقاموا فيها خاصة بول بولز (1910-1999) Paul BOWLES الذي خصص له كتابا مهما «بول بولز وعزلة طنجة»:

«… إنّ بولز، مثل معظم الذين أزمنوا في طنجة، يفضل الحديث بالإسبانية إلّا مع مواطنيه. قدمني إليه روديتي بصوته اللطيف: إنه كاتب مغربي ريفي. قصصه، التي حكى لي مضمونها جيدة. أرجو أن تروقك فتترجم له بعضها. تطلّع إليّ بول بنظرته الهادئة، الاستكشافية والمبهمة ثم قال خافضا نظرته المتأملة كعادته: ولم لا!

… مساء اليوم التالي حملت معي قصتين: «العنف على الشاطئ» و«بقول الأموات» استعملنا الإسبانية نقلا إلى الإنجليزية، أعجب بولز بالقصتين… سبق لإدوار روديتي أن حكى لبول بوولز شذرات عن حياتي المتشردة إلى حدود العشرين من عمري وحكاها بوولز للناشر بيتر أوين. أقترح عليّ أوين أن أكتب سيرتي الذاتية فأجبته فورا: «ولكنّها مكتوبة، وهي عندي في شقتي» فوجئ بوولز فنظر إليّ باندهاش. اتّسعت عينا أوين الماكرتان وقال: «وإذن فلنوقع الآن عقدا مؤقتا. سأعطيك مائة جنيه تسبيقا عند استلامي المخطوط مترجما من طرف المستر بول بوولز. وافقت بهزة من رأسي ووقعنا، ثلاثتنا، العقد الذي كتبه بوولز على الراقنة دون أن يعلّق بشيء. سأعرف، في ما بعد، أن بول بوولز يحب مثل هذه المغامرة المبهمة لأنّ حياته كلّها كوّنها على ما هو غامض وغرائبي إلى حدّ العدمية.

… زرت اليوم بوولز صحبة هانس والروبيو… وعندما قدمت الروبيو لبول بوولز على أنّه من تافراوت هلّل: «أوه! لقد كنت هناك في الأربعينات، أعجبني كثيرا سوقها كل يوم أربعاء، والجبل المطل عليها.» قال الروبيو: «والصخرة التي تشبه قمتها قبعة نابليون». قال بول: «في كلّ ليلة كانت الثعالب تهاجم الكلاب الشاردة…» قال الروبيو: «أبغوغن؟ (نطق بالسوسية) نعم. لكن ليس كما من قبل هناك بعضها في الجبال البعيدة عن القرى، غير أنّها لا تقترب منها. ما يكثر الآن، في تافراوت هو (بوتكانت) الخنزير البري، (أنزيض وتاروشت) السنجاب والظربان.

قال بول، بصوته الواهن، وقد بدأ يعتدل وينتشي في فراشه: العالم تغيّر كثيرا في كل مكان.

هنري ميللر.. أرثور رامبو

 

 

يعدّ كتاب الروائي الأمريكي هنري ميللر (1891- 1980) «رامبو وزمن القتلة» من أجمل ما كُتِب عن الشاعر الفرنسي ذائع الصيت أرثور رامبو حيث تطرق فيه إلى علاقته بشعر رامبو ومرورها بمراحل معقدة لها ارتباط وثيق بتطور وعيه بالكتابة وصولا إلى مرحلة النضج وبناء موقفه الأدبي الخاص. إضافة إلى ذلك قام هنري ميللر بعملية تشريح كاملة لأطوار حياة الشاعر أرثور رامبو المتّسمة بالكثير من التناقض وسوء الفهم، وإلقاء الضوء على منجزه الشعري الهائل الذي جعل منه أحد أكبر رواد الحداثة الشعرية في العالم:

«… الآن فقط، بعد ثماني عشرة سنة من سماعي اسمه للمرة الأولى، أستطيع أن أراه بوضوح، وأن أقرأه قراءة المتبصر. الآن أعلم كم عظيمة كانت مأثرته، وكم رهيبة كانت محنه. الآن أفهم مغزى حياته وعمله… لكن ما أراه بوضوح أشدّ، هو كيف نجوت، بمعجزة، من معاناة المصير الرديء نفسه.

عانى رامبو أزمته العظمى عندما كان في الثامنة عشرة، حينها بلغ حدّ الجنون، ومنذ ذلك الحين غدت حياته صحراء لا تنتهي. أمّا أنا فبلغت الحدّ بين السادسة والثلاثين والسابعة والثلاثين… العمر الذي مات فيه رامبو. ومنذ ذلك الحين بدأت حياتي تزدهر. رامبو تحوّل من الأدب إلى الحياة، أنا فعلت العكس. رامبو هرب من السعالي التي خلقها، أمّا أنا فقد عانقتها. لقد صحوت من حماقة وضياع الممارسة المجردة للحياة. هكذا توقفت، ووجهت طاقتي وجهة الإبداع. واندفعت في الكتابة، باللهفة والحرارة نفسيهما اللتين وسمتا اندفاعي في الحياة. وربحت الحياة بدل أن أضيعها، وحدثت المعجزات، واحدة إثر الأخرى، وبُدِّلَ كلّ حظٍّ عاثر خيرا. أمّا رامبو، فعلى الرغم من اندفاعه في أرض مناخات ومشاهد لا تصدّق… في عالم فانتازيا غريب وبهي كقصائده، إلّا أنّه غدا أكثر مرارة وانغلاقا وفراغا وأسى.

رامبو أعاد الأدب إلى الحياة، أنا أردت أن أعيد الحياة إلى الأدب. ولدينا نحن الاثنان تَقْوَى الخاصية الاعترافية، والانشغالات الأخلاقية والروحية. كما أنّ التلذذ باللغة والموسيقى أكثر من الأدب، صفة مشتركة بيننا. مع رامبو أحسست بطبيعة بدائية تعبّر عن نفسها بطرق غريبة. وصف كلوديل رامبو بأنّه «صوفي في حالة متوحشة»، وهو وصف ليس له مثيل.

… من أجل أن نعرف «فصل في الجحيم» معرفة كاملة، هذا الفصل الذي امتدّ، لدى رامبو، ثماني عشرة سنة، علينا أن نقرأ رسائله. لقد أمضى معظم هذا الوقت على الشاطئ الصومالي، وفي عدن عدة سنوات.. كيف رضي إنسان عبقري، مفعم بالطاقات العظيمة، أن يسجن نفسه… في غار تعسٍ كهذا؟

… إن رامبو، وهو المغامر، كان مسكونا بفكرة الانعتاق التي ترجمها بصيغة الأمان المالي. في الثامنة والعشرين يكتب إلى أهله أن الأمر الأكثر أهمية وإلحاحا لديه هو أن يغدو مستقلا، في أيّ مكان كان… كانت لديه الجرأة على المغامرة في أراضٍ لم تطأها قدما رجل أبيض، لكن لم تكن لديه شجاعة مواجهة الحياة بدون دخل ثابت. كان لا يخاف أكلة البشر، لكنه يخاف أشقاءه البيض».

غالب هلسا.. ويليام فوكنر

 

قدّم الروائي الأردني غالب هلسا، في كتاب «أدباء علموني، أدباء عرفتهم»، درسا أساسيا في الكتابة الروائية مركزا على الروائي الأمريكي ويليام فوكنر (1897- 1962) ومدى تأثيره في الرواية العالمية وعلى تجربته الخاصة. فهو صاحب الرواية الشهيرة «الصخب والعنف» التي تسمى برواية الروائيين ومن أبرز المؤثرين في الرواية الحديثة، ذلك أنه ابتكر نمطا من الكتابة الروائية من خلال قوالب لغوية جديدة مع تكسير لبنية السرد التقليدي واستخدام لنظام متطور للحبكة الروائية المعتمدة على الزمن المتشابك للأحداث، كما أنه وظف في روايته بيئته المحلية المستمدة من الجنوب الأمريكي، وأضفى عليها بعدا إنسانيا رفيعا.

إنّ غالبية كتاب أمريكا الجنوبية، الذين اكتسبوا الآن شهرة مبالغا فيها، يعترفون بأثر (فوكنر) الحاسم عليهم… وقد كان أثر (فوكنر) حاسما عليّ. فلماذا؟

لقد ولدت ونشأت في مجتمع يتحوّل من البداوة إلى الزراعة، ومن الزراعة إلى التجارة. وأذكر مرة أخرى قول ذلك الطالب الأردني الذي باح لي بأزمته هي أنه لا يستطيع أن يكتب شيئا عن الأردن، ففي الأردن لا يحدث شيء يستحق الكتابة. كان هذا رأيي أيضا… ثم كان الكشف الأكبر عندما قرأت (فوكنر). إنّ حياة كحياتنا ومجتمعا كمجتمعنا –بهذا القدر أو ذاك- يجد هذا التعبير الرائع عنه، خصوصا تلك الوقائع والروابط الروحية التي كنت أعتقد أنها لا تستحق الاهتمام…

كانت البداية رواية (الحرم). أذكر أنني بدأت قراءتها وأنا ممتلئ بإشاعة أن (فوكنر) صعب القراءة. سحرتني الرواية. أذكر أنني انتهيت من قراءتها في الثانية صباحا… ثم أخذت أعيد قراءتها للمرة الثانية… لقد هوجمت الرواية بعنف من غالبية النقاد، باعتبارها ميلودراما تجرح الذوق العام، وأنها رواية إثارة إلخ… ناقد وعالم جمال كبير، هو إرنست فيشر، في كتابه «ضرورة الفن» اعتبرها واحدة من أهم روايات القرن العشرين، وأنا أوافقه على ذلك. (فوكنر) ذاته كان أحد المشاركين في الهجوم على هذه الرواية. يقول إنه كتبها عندما كان يعمل في مخزن فحم، وكانت ساعات عمله في الليل حيث يكون العمل قليلا. ويصفها بأنها رواية رخيصة، ملأها بحوادث مرعبة ومثيرة، في مدة أربعة أسابيع (طبعا عاد ودققها في ما بعد). ويضيف أنّ هدفه من ورائها كان الشهرة والمال. لقد أخذ قول (فوكنر) بجدية كاملة وبنيت على أساسه معظم الدراسات والآراء التي تدور حول هذه الرواية.

… هذه هي القيمة المعرفية لأدب (فوكنر): إنه يعيدنا إلى جذور تجاربنا، تلك الجذور البالغة الحساسية والمتصلة بمخزن الذكريات، المشاعر والأحداث، المقموعة أو المهملة، أو تلك التي ظلت عماء دون تحديد ودون سياق. إن عالم (فوكنر) لا نعيشه كشهود محايدين، ولا نعيش عبره ذلك الجانب المحايد والطريف من عالمنا، بل نعيشه بانفعال وطزاجة التجارب والأحاسيس الأولى.

… الدينامية الأساسية للمفهوم الروائي للتاريخ عند (فوكنر) هي أنّ الوقائع والشخصيات يعاد إنتاجها في الثقافة الجماعية للبشر. أي أنّ الحدث في الواقع لا ينتهي بمجرد وقوعه، بل بعد أن يتسرب عبر مصفاة الجماعة التي تحوّر فيه، وتضيف إليه، وتحذف منه، وتلقي عليه آمالها ومخاوفها وأشكال رؤيتها إلخ… عند ذلك فقط يصبح تاريخا ذا وظيفة مزدوجة: يحكي الواقعة، ويحوّلها في الوقت ذاته، إلى تاريخ للبشر.

 

أنطونيو تابوكي.. فيرناندو بيسّوا

 

 

 

 

الكاتب الإيطالي أنطونيو تابوكي (1943- 2012) Antonio Tabucci أحد أفضل مترجمي الشاعر والكاتب البرتغالي فرناندو بيسّوا الذي تأثر به إلى حدّ كتابة أعمال روائية انطلاقا من حياته وسيرته الغريبة، من أشهرها رواية «هذيان» التي تطرق فيها بشكل متخيّل إلى الأيام الثلاثة الأخيرة في حياته. بداية تعرّفه على فرناندو بيسّوا كانت بالصدفة حيث كان أنطونيو تابوكي متوجّها إلى محطة ليون ليستقل القطار عائدا إلى إيطاليا، وهناك في المحطة، وفي أحد الأكشاك اشترى كتيبا لكاتب «مجهول» بالنسبة إليه: فرناندو بيسّوا. هذا الكتيب كان يحوي الترجمة الفرنسية لقصيدة «دكان التبغ»، وهي قصيدة كان وقّعها بيسّوا باسم أحد «بدلائه» (ألفارو دو كامبوش). يقول تابوكي «كانت الترجمة الفرنسية مدهشة، وقام بنقلها بيير هوركاد. وهوركاد كان أوّل من ترجم بيسّوا في الغرب. عمل ملحقا ثقافيا في السفارة الفرنسية في لشبونة، وأُتيحت له هناك الفرصة للتعرف إلى بيسّوا في الثلاثينيات. قرأت هذه القصيدة خلال رحلة عودتي إلى إيطاليا، وكان الأمر بمثابة اكتشاف بالنسبة إليّ، بمثابة قوة خارقة، لدرجة أنني قررت تعلّم اللغة البرتغالية سريعا: قلت لنفسي إن كان هناك شاعر كتب قصيدة ساحرة إلى هذه الدرجة، فعليّ إذا تعلم لغته). في روايته يجمع البدلاء الأساسيين لفرناندو بيسّوا في لحظاته الأخيرة:

«يجب أن أحلق ذقني أوّلا، قال. لا أرغب في الذهاب إلى المستشفى بذقن نابتة منذ ثلاثة أيام، أرجوكم، نادوا لي الحلاق، السيد ماناسيس، إنّه يسكن على ناصية الشارع.

لكن لا وقت لدينا، يا سيد بيسّوا، أجاب الحاجب، لقد وصلت سيارة التاكسي، كما أنّ أصدقاءك وصلوا منذ بعض الوقت، وهم ينتظرونك عند مدخل البناية. لا أهمية لذلك، أجاب، لدينا الوقت دائما. جلس على الكرسي الصغير حيث كان السيد ماناسيس يحلق له ذقنه عادة، وبدأ بقراءة أشعار سا-كارنييرو.

دخل السيد ماناسيس وحيّاه. مساء الخير، سيد بيسّوا… قيل لي إنك لست على ما يرام، أتمنى ألّا يكون الأمر خطيرا. وضع له فوطة حول عنقه وبدأ يصوبن له ذقنه. أخبرني شيئا يا سيد ماناسيس، قال بيسّوا، إنك تعرف الكثير من القصص الصغيرة المهمة، فأنت تلتقي بالعديد من الناس في «صالونك» أخبرني شيئا ما.

.. كم كانت الساعة؟ لم يكن بيسّوا يعرف شيئا، هل كان ليلا؟ هل كان النهار قد طلع؟ جاءت الممرضة وغرزت له إبرة ثانية. لم يعد بيسّوا يشعر بألمه في الجهة اليمنى. كان حاليا يجد نفسه في سلام غريب، كما لو أن ضبابا كان قد نزل عليه…

سمع طرقا على الباب فقال: ادخل. كان ألبرتو كاييرو يرتدي سترة مخملية ذات ياقة من الفراء. كان رجلا قرويا ويظهر ذلك من ثيابه. سلام، يا معلمي، قال بيسّوا. السلام عليك.

اقترب كاييرو من رجل السرير وكثف ذراعيه. يا عزيزي بيسّوا، قال، جئت لأقول لك شيئا، أتسمح لي أن أعترف لك بشيء؟ أرجوك، أجاب بيسّوا. حسن، قال كاييرو، حين كان يوقظك في الليل، معلم مجهول، يملي عليك أشعارك، حين كان يتكلم فيك، في روحك، لتعرف أنّ هذا المعلم كان أنا، كنت أنا من يتصل بك في العلى. كنت أفترض ذلك، قال بيسّوا، يا معلمي العزيز، كنت أفترض أنه أنت.

لذلك عليّ الآن أن أطلب منك مسامحتي، لأنني سببت لك أرقا كثيرا، قال كاييرو، أرقا خلال ليال وليال، لم تنم فيها، وحيث بقيت تكتب كما لو كنت ثائر الأعصاب. أشعر بالندم لأنني سببت لك متاعب جمّة، لأنني شغلت روحك.

لقد ساهمت في نتاجي، أجاب بيسوا، لقد سيّرت يدي، صحيح أنك سببت لي أرقا، لكنها كانت ليالي خصبة بالنسبة إليّ، لأن نتاجي الأدبي ولد في الليل، نتاجي هو نتاج ليلي.

خلع كاييرو سترته ووضعها على قدم السرير. ليس هذا الأمر الوحيد الذي أرغب في قوله لك، همْهَم، هناك سر أرغب في البوح به لك، قبل أن تفرقنا المسافات بين النجوم، لكنني لا أعرف كيف أقول لك ذلك. قله لي ببساطة، قال بيسوا، مثلما تقول أيّ شيء.

حسنا، قال كاييرو، إنني والدك… لقد قمت بدور أبيك، أبيك الحقيقي… الذي مات من داء السلّ الرئوي حين كنت لا تزال طفلا. حسنا، لقد أخذت دوره.

ابتسم بيسّوا. كنت أعرف ذلك، قال، لقد اعتبرتك دائما مثل والدي… صدقني، كنت أبا بالنسبة إليّ، الأب الذي أعطاني الحياة الداخلية».

 

محمد حسن علوان.. ابن عربي

 

رواية الكاتب السعودي محمد حسن علوان «موت صغير»، الحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة باسم «جائزة بوكر العربية» لسنة 2017، هي بمثابة سيرة روائية عن شخصية أشهر المتصوفة محيي الدين بن عربي المعروف بالشيخ الأكبر. إنّها محاورة روائية تتبع رحلات ابن عربي وتنسج لنا معالم من شخصيته ومسار حياته، وتبرز، كذلك، من خلالها تطوره الفكري والروحي والمراحل التي مرّ منها بكلّ ما اتسمت به من عناء ومكابداته في اتّجاه رؤيته الفلسفية والفكرية التي ساهمت في تأثيرها الكبير في عصره على الخصوص والفكر الإنساني بصفة عامة.

ترسم لنا الرواية، في البداية، رحلة ابن عربي الطويلة من مرسيّة في الأندلس، حيث أصبح الترحال سمة حياته: «… مشيتُ قبل أن أتمّ عامي الأول. نهضتُ من حبوي ذات مساء لا متمايلا ولا متعثرا ومشيتُ كمن هو في الثانية أو الثالثة من عمره. ضحكت فاطمة وتنبأت لي أن أرحل بعيدا ففعلتُ. منذ أوجدني الله في «مرسيّة» حتّى توفاني في دمشق وأنا في سفر لا ينقطع. رأيتُ بلادا ولقيتُ أناسا وصحبتُ أولياء وعشتُ تحت حكم الموحدين والأيوبيين والعباسيين والسلاجقة في طريق قدّره الله لي قبل خلقي. من يولد في مدينة محاصرة تولد معه رغبة جامحة في الانطلاق خارج الأسوار. وفي النزهات التي كان عمّي يأخذنا فيها مع أبنائه قرب النهر كنتُ أتحسس أسوار «مرسيّة» الحجرية بيدي وأتساءل ماذا وراءها؟ هل بلاد مثل بلادنا؟ هل مدن أكبر من مدينتنا؟ هل أناس مثلنا أم غيرنا؟ وأحمل أسئلتي إلى عمي فيجتهد في رسم خريطة صغيرة على التراب ويريني أين تقع المدن المجاورة فالأبعد منها. انطبعت في ذهني تلك الخريطة الترابية وأصبح بوسعي أن أرحل في خيالي جنوبا إلى قرطاجنة وشمالا إلى بلنسية وغربا إلى قرطبة وإشبيلية وغرناطة».

كان ميل ابن عربي إلى عالم التصوف مبكرا ومتناقضا مع نشأته في أسرة تجمع بين الاشتغال في السياسة وأمور الحكم متمثلة في والده أو التجارة في عمه، واعتبر التصوف قدره في الحياة: «… مكثنا في الجبل أسبوعا حفظتُ فيها «رسالة القشيري» عن ظهر قلب. واختليتُ بنفسي طويلا وابتهلتُ إلى الله أن يعينني على الطريق الذي جعله قدري. ثم أرسلني الشيخ وظلّ في صومعته. فاتّجهتُ إلى إشبيلية صباح يوم بارد لم أشعر فيه بالبرد، معتزما سفرا طويلا لم أشعر فيه بالتعب. ولمّا بلغتُ سفح الجبل أرسلتُ عيني إلى قمته حيث اختفت الصومعة. ودمعت عيناي على فراق شيخي فاستيقنتُ نفسي أنّي أصبحتُ مريدا حقيقيا يبكيه فراق مراده. تضاعفت هيبة الشيخ… أضعاف هيبته في إشبيلية. ولم أعرف سرّ ذلك رغم أنّي فكرتُ فيه كثيرا وابتهلتُ إلى الله أن يكشف لي فلم يفعل إلّا بعد سنوات طويلة وأنا في مكة. تدافعت في رأسي الأفكار بشكل غزير وانهمرت مثل شلال من الرؤى فعرفتُ أنّه الكشف فهرعتُ إلى قلمي وكتبتُ: اكتملت في جبل «المنتيار» مكانة الشيخ الروحية. المكان ذكر، المكانة أنثى. آدم كان ذكرا لم يكتمل إلّا بحواء. المنتيار كان جبلا لم يكتمل إلّا بالشيخ. إنّ آدم بلا حواء فرد لا ذرية له. إنّ الجبل بدون الشيخ تضريس لا قيمة له. إنّ المكان بلا مكانة لا يكفي. لابدّ من تأنيث المكان حتّى تكتمل مكانته». قبل رحلته الكبرى دأب ابن عربي على زيارة أعلام التصوف في الأندلس وهو ما زال في بداية حياته تلمسا لطريقته في عالم التصوف، منها لقاؤه بالمتصوفة الشهيرة فاطمة بنت ابن المثنى، وقد ذكرها في كتابه «الفتوحات المكية» بقوله: (خدمتُ أنا بنفسي امرأة من المحبات العارفات بإشبيلية يقال لها فاطمة بنت ابن المثنى القرطبي. خدمتها سنين وهي تزيد في وقت خدمتي إياها على خمس وتسعين سنة، وكنت أستحي أن أنظر إلى وجهها). في الرواية حوار يبرز لنا تطور فكره الصوفي المتميز ورؤيته: «… ذهبتُ لأزور فاطمة بنت المثنى في بيتها وبلغته بعد مشي طويل فإذا هي تقيم في حجرة صغيرة في آخر زقاق يؤدي إلى مزبلة المدينة… قبّلتُ يديها وقدميها وجلستُ إلى جوارها… سألتها بعد كلام طويل:

-أماه، لم أجد وتدي بعد.

-لكنّه وجَدَك.

-فلمَ لم يُفصح عن نفسه؟

-حتّى تصير أهلا لذلك.

-قلتِ حتّى أطهّر قلبي، أليس طاهرا بما يكفي؟

-وكيف طهّرته؟

-حملته على مكارم الأخلاق وصفاء السريرة وحسن النية حتّى صيّرته رافضا كلّ صورة غير ذلك.

-تلك نصف الطهارة يا بنيّ.

-وكيف أتمّ نصفها الآخر؟

-بأن تُصيّرهُ قابلا كلّ صورة!

 

 الغباء البشريّ

كتاب «الغباء البشري» من تأليف المؤرخ الاقتصادي كارلو شيبولا (1922-2000) Carlo Cipolla وترجمة عماد شيحة، منشورات دار الساقي. نقرأ في ظهر الغلاف: «يؤكّد هذا الكتاب أسوأ مخاوفنا: يمكن للأغبياء أن يحكموا العالم. يحاول المؤرخ كارلو شيبولا عبر ما سمّاه «القوانين الأساسية لغباء الإنسان»، اكتشاف ومعرفة، أو ربما تحييد، واحدة من أشدّ القوى المظلمة التي تعيق نمو رفاهية الإنسان وسعادته. إذا وجدت نفسك يوماً يائساً من انتشار الغباء، فهذا الكتاب الصغير والمضحك والمثير للقلق في آنٍ هو من أجلك. وإذا ثبت أنه من المستحيل إنقاذ نفسك من الغباء، يمكنك على الأقل الانتقام بالضحك منه!».

تطرق الكتاب، وهو في أصله عبارة عن مقالة لأستاذ التاريخ الاقتصادي في جامعة كاليفورنيا كارلو شيبولا ذي الأصل الإيطالي، إلى القوانين الأساسية للغباء البشري، وهي المقالة التي حوّلها في ما بعد إلى كتاب صغير الحجم تحت عنوان «الغباء البشري» حدّد فيه تعريفا للغباء البشري بوصفه معطى طبيعيا للإنسان كالذكورة والأنوثة ولون البشرة … ويحاول أن يحدد بدقة القوانين الأساسية الملخصة للغباء البشري محذرا في الوقت نفسه من كونه أكبر تهديد وجودي للبشرية.

الكتاب طريف جدا يحاول أن يقدّم تحليلا اقتصاديا للسلوك الإنساني معتمدا رسوما بيانية وتأطيرا علميا، لا يخلو من روح الدعابة والهزل أحيانا، لكنّه بالغ الجدية، ومثير للجدل وقد ينسف الكثير من القناعات. لكنّ الشهرة التي حازها هذا الكتيب تفسّر مدى انتشاره الواسع وترجمته إلى عدد قياسي من اللغات، ويمنحنا أيضا فرصة قراءته بكلّ يقظة وحذر تامين.

في المقدمة يشرح المؤلف السياق العام لكتابه: «… من المسلم به أنّ الشؤون الإنسانية في حالة يرثى لها. ولكنّ هذا الأمر ليس جديدا، إذ إنّ الشؤون الإنسانية على مدى التاريخ كانت على الدوام في حالة يرثى لها. فالعبء الثقيل من المتاعب وضروب البؤس التي يتعيّن على البشر تحمّلها بوصفهم أفرادا وأعضاء في مجتمعات منظمة هو أساسا ناتج ثانوي لأكثر الطرائق بعدا عن الاحتمال، وأجرؤ على القول أكثرها غباء، لتنظيم الحياة منذ نشوئها. نعلم من «داروين» أنّنا نتشاطر أصلنا مع الكائنات الدنيا من المملكة الحيوانية، وأنّ على الديدان، وكذلك الفيلة، أن تتحمّل نصيبها اليومي من المحن والمآزق والشدائد. غير أنّ البشر يتميّزون، لأنّ عليهم احتمال عبء إضافي، بتحمّل جرعة إضافية من المصائب الناجمة يوميا عن مجموعة من الأشخاص ضمن الجنس البشري عينه… إنّها مجموعة مجهولة وغير منظمة، ليس لها زعيم ولا رئيس ولا لوائح تنظيمية، مع أنّ بمقدورها العمل في انسجام تام كما لو أنّ يدا خفية توجّهها فيساهم نشاط كلّ عضو منها بقوّة في تعزيز وتضخيم فعالية نشاط الأعضاء الآخرين كافّة. إنّ طبيعة أعضاء هذه المجموعة وطابعهم وسلوكهم ستكون موضوع الصفحات التالية.

دعوني أشير في هذه المرحلة إلى أنّ هذا الكتاب الموجز ليس بالتأكيد نتاجا للتهكّم ولا ضربا من الانهزامية، بل إنّه لا يعدو أن يكون كتابا في علم الأحياء الدقيقة. فالصفحات التالية هي في الواقع نتاج جهد بنّاء للكشف عن إحدى القوى الظلامية الأشدّ بأسا، التي تعوق ازدهار الإنسان وسعادته، ولمعرفتها، ومن ثم تحييدها.

يبدأ كارلو شيبولا كتابه بتعريف أساسي للشخص الغبي: «… الشخص الغبي هو شخص يكبّد شخصا آخر أو مجموعة من الأشخاص خسائر، وفي الوقت عينه لا يحقّق لنفسه أيّ مكسب، بل لعلّه يتكبّد خسائر أيضا.

حين يواجه العقلاء لأوّل مرّة هذا القانون الأساسي… يتفاعلون غريزيا مع مشاعر التشكيك والريبة. الواقع أنّ الفطناء يجدون صعوبة في تصوّر وفهم السلوك غير العقلاني. لكن دعونا نتخلّى عن المستوى المتعالي للنظرية وننظر إلى حياتنا اليومية نظرية عملية. نتذكّر جميعا مناسبات تصرّف فيها أحد الأصحاب بطريقة أسفرت عن تحقيقه مكسبا وتكبدنا خسارة: لقد اضطُررنا إلى التعامل مع قاطع طريق. كما أنّنا نتذكّر حالات تصرّف فيها أحد الأصحاب بطريقة أسفرت عن تكبّده خسارة وتحقيق مكسب لنا: لقد تعاملنا مع شخص مغلوب على أمره. يمكننا تذكّر حالات تصرّف فيها أحد الأصحاب بطريقة حقق فيها كلا الطرفين مكسبا: لقد كان شخصا ذكيا، تحدث بالفعل حالات كهذه».

يضيف الكاتب مبينا مقصوده من المكسب والخسارة الذي يتجاوز دلالته المادية الصرفة إلى دلالات متعددة: «إثر هذا التأمّل العميق، علينا الاعتراف بأنّ هذه الأحداث ليست ما يتخلّل حياتنا اليومية أكثر من غيرها. فحياتنا اليومية تتكوّن من حالات نفقد فيها المال/ أو الوقت/ أو الطاقة/ أو الشهية والبهجة والعافية، بسبب تصرّف غير مُحتمل الوقوع يقوم به كائن أخرق ليس لديه ما يكسبه، ولا يكسب شيئا في الواقع من إلحاق الإحراج أو المتاعب أو الأذى بنا. ليس باستطاعة أحد أن يعرف أو يفهم أو يشرح السبب الذي يجعل كائنا أخرق يفعل ما يفعله. واقع الحال أنّه لا يوجد تفسير، أو بشكل أفضل، لا يوجد سوى تفسير وحيد هو أنّ الشخص المقصود هو شخص غبيّ».

ينبّه الكاتب كارلو شيبولا أخيرا إلى وجود اختلاف بين الشخص الذكي، والشخص قاطع الطريق، والشخص المغلوب على أمره بشكل عام عن الشخص الغبي: «معظم الناس لا يتصرّفون باتّساق، ففي ظروف مختلفة يتصرّف الشخص عينه كشخص مغلوب على أمره. يتمثّل الاستثناء المهم الوحيد للقاعدة في الشخص الغبي الذي عادة ما يبدي نزوعا قويا نحو الاتّساق التام في ميادين المساعي البشرية كافة».

 

 تجارب سينمائية نسائية.. جديدة

 قراءات في أفلام مغربية

صدر، عن منشورات دار القرويين، كتاب جديد للناقد السينمائي المغربي عبد الكريم واكريم تحت عنوان «تجارب سينمائية نسائية جديدة.. قراءات في أفلام مغاربية». يرصد المؤلف، في هذا الكتاب، بالقراءة والتحليل تجارب نسائية شابة مهمة في المغرب وتونس، شارك أغلبها في مهرجانات الصنف الأوّل الدولية وغيرها من المهرجانات. يعتبر المؤلف هذا الكتاب امتدادا لمؤلفاته السينمائية السابقة، التي كان يقوم فيها بقراءات في أفلام سينمائية حسب تيمة الكتاب وتوجهه إمّا كونه حول السينما المغربية أو العربية أو العالمية.

عن فكرة الكتاب يقول عبد الكريم واكريم: «راودتني منذ مدة طويلة فكرة تأليف كتاب عن التجارب السينمائية النسائية في المغرب على الخصوص، ووجدتُ الآن أنّ الوقت قد حان لتجسيدها على أرض الواقع لعدّة أسباب أهمّها: التميّز الواضح لمخرجات مغربيات ومغاربيات على الصعيد العالمي وإنجازهن لأفلام نالت التقدير في مهرجانات الصفّ الأوّل عالميا مثل «كان» و«البندقية» و«برلين» و«ساندانس» وغيرها، ومنها ما نال جوائز بها». يضيف المؤلف متحدثا عن فصول الكتاب: «يضمّ هذا الكتاب فصلين: الفصل الأوّل عبارة عن قراءة في أفلام لمخرجات مغربيات ومغاربيات شابات كفيلم «كذب أبيض» للمخرجة أسماء المدير الذي فاز بجائزتين في مهرجان «كان»، وهما جائزة لجنة التحكيم في فقرة «نظرة ما» وجائزة «العين الذهبية» مناصفة، التي تُمنح لأفضل فيلم وثائقي مشارك في كلّ فقرات المهرجان ومسابقاته. ثم قراءة في فيلم مريم التوزاني «أزرق القفطان» الذي حاز جائزة لجنة التحكيم في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، والذي مثّل المغرب باللائحة القصيرة الأولى لأوسكار أفضل فيلم دولي. ثم قراءات في أفلام «ملكات» لياسمين بنكيران، و«ماشية لجهنم» لأسمهان لحمر و«مجنون فرح» لليلى بوزيد وأفلام أخرى… أمّا الفصل الثاني فقد خصصته لحوارات مع مخرجات مغربيات حول تجربتهن السينمائية».

أخيرا يعبّر عبد الكريم واكريم عن تقديره للتجارب السينمائية النسائية الحالية: «السينما النسائية في المغرب وتونس على الخصوص شهدت قفزة نوعية خلال السنوات القليلة الماضية بحيث ظهرت على الساحة مخرجات شابات متميّزات نلن الاعتراف، ليس فقط على الصعيد العربي والإفريقي، بل العالمي أيضا، وقد تمّ اختيار أفلامهن التي تتميّز بجودتها الفنية ورؤيتهن المتميّزة للمشاركة في أهم المهرجانات السينمائية العالمية».

 

 متوجون الفلسطينية ياسمين زاهر تفوز بجائزة «ديلان توماس الأدبية»

منحت جامعة «سوانسي» في ويلز جائزة «ديلان توماس الأدبية» للكاتبة الفلسطينية ياسمين زاهر عن روايتها الأولى (العملة The Coin). وتمنح هذه الجائزة، التي تعدّ من أعرق الجوائز الأدبية في العالم، جائزتها السنوية للكتاب الشباب دون سن 39 عاما، وهي السن التي توفي فيها الشاعر ديلان توماس. تقدّم الجائزة باسم الشاعر الويلزي ديلان توماس (1914- 1935) تخليدا لذكراه واحتفاء بالأقلام الصاعدة والواعدة.

تقول رئيسة لجنة تحكيم الجائزة، ناميتا جوكهال، عن رواية ياسمين زاهر المتوجة: «العملة روايةٌ بلا حدود، تتناول موضوعات الصدمة والحزن بلحظات من الجرأة والشاعرية، تخلّلتها لمسات من الغرابة والفكاهة. إنها رواية تنبض بالحياة، وتُظهر قدرة ياسمين زاهر على تكثيف التعقيد والعمق في كتابة أنيقة ومختصرة».

تعتبر رواية «العملة» أول أعمال ياسمين زاهر الروائية، حيث تجسّد صراع الهوية والمنفى. وتدور أحداثها حول امرأة فلسطينية ثرية تعيش في نيويورك، تعمل مدرّسة في مدرسة للفتيان الفقراء، وتعاني اغتراباً داخلياً واضطرابات نفسية متفاقمة. وفي مواجهة شعورها بالاختناق في أمريكا، يتفاقم هوسها بالنظافة والطهارة، ويتحوّل إلى حالة من الوسواس القهري. ويتقاطع واقعها المضطرب في نيويورك مع جراح ماضيها في الوطن، لتبدأ رحلة ذاتية في محاولة يائسة لـ«تطهير الذات» مما تعتبره قذارة تحيط بها.

وُلدت ياسمين زاهر في القدس عام 1991، ودرست الهندسة الطبية الحيوية في «جامعة ييل»، قبل أن تنتقل إلى دراسة الكتابة الإبداعية في نيويورك. ظهرت روايتها «العملة» في العديد من قوائم أفضل الكتب التي رشحتها كبرى الصحف والمجلات العالمية لعام 2024.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى