حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الافتتاحيةسياسية

أعطاب التنمية المحلية

كشف الخطاب الملكي الأخير عن عمق الأعطاب التنموية بالمغرب، كما شدد على السرعة والنجاعة في معالجة كل المشاكل التي تحول دون تحقيق التنمية المحلية، باعتبارها رافعة أساسية تساهم في خلق الثروة والتشغيل، ومؤشرا حقيقيا لنجاح السياسات العامة، ما يسائل المجالس لفشلها في أداء مهامها الأساسية. هذه المؤسسات المنتخبة، التي يُفترض فيها القرب من هموم وانشغالات المواطن اليومية، تحولت إلى فضاءات للصراعات الحزبية والشخصية الضيقة، والتدبير العشوائي وهدر المال العام، والتهرب من المسؤولية، وتمييع العمل السياسي وتنفير الشباب من المشاركة في تدبير الشأن العام.

لقد سبق وأكدت العديد من الأصوات المهتمة بالشأن العام والتحليل السياسي لأعطاب التنمية بالمغرب، على أن التنمية المحلية تعكس نجاح أو فشل السياسات العمومية، ما يحيل مباشرة على تأخر وتعثر عدد من المشاريع المحلية، وسوء التخطيط في استغلال مكامن القوة سواء في الفلاحة أو التجارة أو الصناعة أو السياحة، وإهمال التراكمات لسنوات طويلة وغياب التفاعل مع الشكايات والاحتجاجات وارتباك الأولويات وقتل المبادرات الجادة، ما يفاقم من أزمات البطالة ويدفع مباشرة لتراجع مستوى الخدمات وتعميق المعاناة الاجتماعية.

وعندما نقول نجاح التنمية المحلية، فإن ذلك لن يتحقق أبدا من خلال رؤساء مجالس يتركون مكاتبهم فارغة، ومواطنين يُحالون على الإدارات المركزية أو يتم توجيههم نحو مصالح وزارة الداخلية، في حين أن الحلول يجب أن تبدأ من القرب والنجاعة في التفاعل مع الملفات الحساسة، علما أن القوانين المنظمة لعمل الجماعات الترابية تتضمن مسؤوليات واسعة يتملص منها الرؤساء دون حسيب أو رقيب أمام أعين السلطات الوصية والعمالات التي تتدخل للترقيع عوض الزجر وتفعيل القانون والمراسلات الرسمية بشأن ذلك، ودعوة المنتخبين إلى تحمل مسؤولياتهم أو مغادرة المنصب أو العزل طبقا للقوانين الجاري بها العمل.

هناك الكثير من الإجراءات التي يمكن تنزيلها محليا للمساهمة في التجاوب مع المطالب الشبابية، ومواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، ولكن ذلك للأسف هو آخر هم جل القيادات الحزبية الغارقة في الصراعات التافهة، وهشاشة التحالفات داخل المجالس، وغياب الكفاءات في التسيير، والتهافت على كل ما يمكن أن يأتي من المنصب من مكاسب وامتيازات دون تفكير ولو بنسبة ضئيلة جدا في الصالح العام.

إن الممارسات الدخيلة على الديمقراطية، والتطبيع مع الفساد، وتمييع العمل السياسي، وتجميد دور الجماعة كمؤسسة دستورية وهدم الثقة فيها بواسطة تصرفات صبيانية والسماح لذوي السوابق العدلية بقيادة ملفات حساسة واستقبال الوفود الأجنبية والتفاخر بذلك، كلها مؤشرات كارثية تعرقل تطور التنمية المحلية، وحولت جل المجالس إلى عبء على الدولة بدل أن تكون محركا أساسيا لقطار التنمية بالمجالين الحضري والقروي.

ولتنمية محلية ناجحة، لا مناص من تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة محليا بالدرجة الأولى، وليس فقط مركزيا، ودعم التكوين الأمثل للمنتخبين والرفع من كفاءاتهم في التدبير والقيادة وحسن صرف المال العام، وتشجيع مشاركة الكفاءات الشابة في الانتخابات المحلية، فضلا عن تجاوز مشاكل تأخر تسليم المشاريع لسنوات لأن الزمن لا يتوقف ولا ينتظر أحدا، والدقة في برامج العمل وتنزيلها على أرض الواقع وبحث القدرة على تمويلها قبل كل شيء، وليس استهلاك الكلام ولاشيء غير الكلام في حين تُترك المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لتزداد تضخما وتعقيدا ويتم توجيه الاحتجاجات مباشرة بعدها للمركز بمبرر العجز عن الحلول وحرارة السلم الاجتماعي الملتهبة.

فالمغرب ولله الحمد، لا تنقصه الثروات الطبيعية، ولا الأرضية المناسبة لجلب الاستثمارات على رأسها الاستقرار الأمني والسياسي، كما لا تنقصه المؤسسات الدستورية والقوانين التي تحدد مجال تدخل كل جهة، وحتى الميزانيات المرصودة كذلك موجودة، لكن أعطابنا تتجلى في غياب الحكامة في التسيير والفساد الذي تحول إلى كائن هلامي، والمخرج يختصر في كلمة واحدة وهي “المعقول”، كما كان يردد أجدادنا عند كل مشروع أو طلب عمل أو صفقة أو عقد تجاري أو حتى عقود الزواج “واش كاين شي معقول”، لأنه إذا حضر الأخير تحضر التنمية، وإذا غاب كنا كمن يصب الماء في رمال صحراء قاحلة.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى