شوف تشوف

الرأي

أمريكا الجريحة لا تستحق سياسييها

فدوى مساط  

بنهاية هذا الأسبوع، سيرتفع عدد العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة إلى أكثر من ستة ملايين شخص حسب وكالة بلومبيرغ الاقتصادية في نيويورك. وتتوقع الوكالة أن يبلغ عدد العاطلين عن العمل خلال الأشهر القليلة القادمة عشرات الملايين مما سيؤثر بشكل كارثي على سوق العقار والخدمات وعلى الاقتصاد المترنح بشكل عام.
هذه التوقعات السوداوية دفعت أمريكا إلى الكفر مؤقتا بمبادئها الرأسمالية التي تقدس الدولار، والتحول إلى دولة «اشتراكية» تقية توزع الأموال والخدمات مجانا على مواطنيها. فقد أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومعه أعضاء الكونغرس بمجلسيه: النواب والشيوخ، عن تمرير ميزانية عاجلة لمساعدة الأمريكيين على تجاوز «محنة كورونا» تفوق قيمتها تريليوني دولار، أي 2000000000000.
ويتوقع أن يتوصل كل مواطن أمريكي وكل شخص مقيم بالولايات المتحدة حامل للغرين كارد بشيك قيمته 1200 دولار خلال شهر أبريل، بالإضافة إلى تعويض 500 دولار عن كل طفل.
كما ستقوم الإدارة الأمريكية بالتفاهم مع الأبناك الكبرى في البلاد وشركات القروض الكثيرة التي تعد عصب الاقتصاد الأمريكي، من أجل السماح للمواطنين بتأجيل دفع أقساطهم لمدة ثلاثة أشهر.
هذه الإجراءات أثارت الكثير من الجدل بين الجمهوريين الذين خصصوا أكثر من نصف ترليون دولار لمساعدة شركات الطيران والفنادق الكبرى «ضمنها سلسلة فنادق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه»، وهي أكثر الجهات المتبرعة لحملة الحزب الجمهوري بشكل عام، وللرئيس ترامب على الخصوص، وبين الديموقراطيين الذين طالبوا بمنح كل من يوجد داخل البلاد شيكات الدعم، بمن فيهم المهاجرون غير الشرعيين الذين لا يدفعون الضرائب..
هذا الجدل احتدم لدرجة نعت الرئيس دونالد ترامب لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بـ«المرأة المجنونة»، فيما تصدى له حكام الولايات الديموقراطيون، وعلى رأسهم حاكم نيويورك أدرو كوومو، الذي هدد ترامب باندلاع حرب حقيقية بين الحكومة الفيدرالية والولايات الخمسين قد تؤدي إلى انفصال ولايات كثيرة عن الحكومة الاتحادية، إذا استمر باستخدام عبارات مسيئة للقيادة الديموقراطية ومحاولة مساعدة «أصدقاء» الحزب الجمهوري عوض مساعدة الشعب الأمريكي…
هذه التهديدات والاتهامات تحولت إلى خبز الأمريكيين اليومي، إذ يتجمعون حول شاشة التلفزيون لمشاهدة نشرات الأخبار، لكن ما إن تبدأ المذيعات الشقراوات في محاورة الضيوف واستعراض أحداث الساعات القليلة الماضية، حتى تغير الأسر الأمريكية القنوات الإخبارية إلى قنوات الأفلام وبرامج الواقع، هربا من السب والشتم المتواصل بين السياسيين!

محلل سياسي ظهر على برنامج «أندرسون كوبر» المسائي بشبكة «سي إن إن»، قال بحسرة واضحة إن أمريكا لا تستحق هؤلاء السياسيين «الحقراء» في هذه الفترة الحالكة من تاريخها. وتابع المحلل قائلا ما معناه إن أمريكا جريحة اليوم تحتاج أن «يجمع الجمهوريون والديموقراطيون راسهم»، وأن يضعوا الخناجر التي يطعنون بها بعضهم جانبا كي يساعدوا الشعب الأمريكي على تجاوز كارثة كورونا.
لكن أمل المحلل السياسي الغاضب لم يستمر سوى دقائق قليلة فقط، إذ كانت الفقرة الموالية في البرنامج عن تغريدات ترامب التي أثارت غضبا شعبيا داخل أمريكا.
إذ أعرب ترامب في سلسلة من التغريدات على موقع تويتر، عن سعادته البالغة بارتفاع نسب مشاهدة القنوات الأمريكية في الفترة الأخيرة بفضل ندواته الصحافية اليومية عن فيروس كورونا، دون حتى أن يقدم تعازيه لأسر الضحايا الذين حصدهم الفيروس لحد الآن وفاق عددهم خمسة آلاف شخص.
ترامب أضاف بفرح في تغريداته أن الفضل في الإقبال على مشاهدة التلفزيون في أمريكا يعود له لأنه شخصية مهمة ومحبوبة، ولم ينس طبعا أن يهنئ نفسه على العمل الجبار الذي يقوم به هو وفريقه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى