شوف تشوف

الرأي

اتفق العرب

حسن البصري

مرت تسع سنوات على إقامة كأس العرب، كانت آخر مشاركة للمنتخب المغربي في هذا التجمع الكروي الذي احتضنته المملكة العربية السعودية. نسي المغاربة هذه المسابقة ولم يبق من ذكرياتها سوى تتويج منتخب محلي بقيادة إيريك غيريتس باللقب العربي، وحصول اللاعب المغربي ياسين الصالحي على جائزة أفضل لاعب، إذ عاد إلى المغرب بحقيبة مثقلة بجوائز الرعاة التي جناها من مبارياته وهي عبارة عن هواتف ذكية، ماتت اليوم بالتقادم.
كنت شاهدا في مدينة جدة على التتويج المغربي بكأس العرب، ووقفت في مقصورة الصحافيين أردد مع زملائي «منبت الأحرار» قبل كل مباراة. لا حديث حينها في أوساط الوفود الرياضية العربية إلا عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي لا يمر يوم دون أن نقرأ في صفحات الجرائد السعودية، خبر مداهمتها لمقر إقامة البعثات الرياضية، حيث اكتفت بالنهي عن المنكر دون الأمر بالمعروف، فقد تصدر خبر مصادرة حفل ساهر ببهو فندق رمادا بمدينة الطائف، مقر إقامة بعض المنتخبات العربية المشاركة ببطولة كأس العرب، حديث المشاركين في الدورة.
مر حين من الدهر على هذه البطولة التي نظمت رغم أنف السياسيين، وأنف رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السابق جوزيف بلاتر، وحدها خياشيم المتوجين استنشقت رائحة الدولار ورقصت فوق منصة التتويج على وحدة ونص.
بين 2012 واليوم، ظل طيف كأس العرب يتراقص أمام وزراء الرياضة العرب كلما اجتمعوا عن بعد أو عن قرب، وفي اجتماع طارئ للاتحاد العربي لكرة القدم قبل سنوات، تقرر إحياء عظام هذه الكأس ودار نقاش حول مكان إجراء دورة العرب، رفع مسؤول عربي رفيع «المحتوى» سبابته وطالب بتنظيم التظاهرة في بيروت من أجل عيون هيفاء وهبي، وتحدث نيابة عن مسؤول لبناني، عن الوضع المستقر في لبنان، وفي لحظة التصويت الحاسمة اتفق العرب على ألا يتفقوا، لهذا غنت هيفاء «مش قادرة استنى».
اليوم تغيرت الظروف وأصبحت بطولة العرب برعاية من «الفيفا»، بعد أن اعتمد السويسري جياني إنفانتينو نظام بطولة كأس العرب للمنتخبات 2021، المقرر إقامتها في قطر، واعتبرها «بروفة» لمونديال عربي. ستشارك الدول العربية في تجمع كروي، وسترصد قطر حوافز مالية قال عنها صحفي يمني من جريدة «الثورة» بعدن، إنها توازي المساعدات المالية التي تقدمها المنظمات الحكومية وغير الحكومية ليمن غير سعيد.
إلى زمن قريب كان عقد قمة عربية سياسية أسهل من تنظيم دورة عربية لكرة القدم، فمجرد التفكير فيها والبحث عن أرض وموعد يرضي كل الأطراف يسببان بعض الأعراض الجانبية، كتقلب المزاج وفقدان شهية الانتصار، بسبب تمزق الغضروف في خريطة الوطن العربي.
في كل البطولات العربية احتجاج على التنظيم، أغلب المنتخبات والأندية تكتب بيانات الاستنكار بمجرد وصولها إلى المطار، في عز الشقاق والنفاق العربيين تنطلق البطولات العربية، ويظل مذيع إذاعة الملعب الرئيسي يصر على أن الكرة قادرة على علاج الأورام التي خلفتها السياسة، وحين تدور الكرة حول نفسها ويتلقى مستضيف الدورة هدفا ضد مجرى اللعب، يوجه المذيع لوما للتحكيم ويختزل أزمة العرب في ضعف حكام الشرط.
في هذه التظاهرة، التي عادت بعد سنوات من الغياب، تبين أن مقولة «اتفق العرب على ألا يتفقوا» ما زالت سارية المفعول، لكن حين رددها أحد الزملاء المصريين على «الهواء مباشرة» تصدى له المشاهدون، ودار نقاش في إحدى الفضائيات المصرية حول المالك الحصري لعبارة «اتفق العرب»، فقال بعضهم إنه الملك فيصل وقال آخرون إنه الشيخ عبده، وأصر مغترب على أن مبتكرها هو ابن خلدون، وتبين مع مرور الوقت أن المتدخلين تناسوا موضوع الحلقة الرياضية والدورة العربية وحظوظ المنتخبات والاتحاد والرجاء، وشرعوا في تحليل الوضع العربي، وهو أكبر دليل على أنهم لن يتفقوا. لأنه على قدر الهمم تأتي القمم.
صدق الكاتب جلال عامر حين قطع الشك باليقين، وقال إن عبارة «اتفق العرب» مقتبسة من إحدى قصص الخيال العلمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى