
صبحي حديدي
للباحثين عن عزاء، وإن كان ضئيلا طفيفا يتجاوز نسبة الـ1 في المائة بقليل، حول حاضر ومستقبل تيارات الاشتراكية الديمقراطية بالغرب، أو يسار الوسط على نحو أدق؛ ثمة اليوم نتائج انتخابات البرلمان الألماني، وتقدم «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» على منافسه التاريخي تحالف «الحزب المسيحي الديمقراطي» و«الحزب المسيحي الاجتماعي» البافاري. وأما إذا انطوى العزاء على مقدار، ضئيل طفيف بدوره، من النقد والتمحيص والواقعية، فإن مؤشرات أخرى كثيرة غير فارق الـ1 في المائة تحيل البهجة إلى خلاصات أخرى تدعو أكثر إلى الخيبة.
صحيح أن حزب أولاف شولتس تصدر الانتخابات، وقد تسفر مفاوضات الأسابيع المقبلة عن توليه موقع مستشار ألمانيا خلفا لـ16 سنة من ثبات ميركل بالمنصب؛ إلا أن الصحيح الآخر هو أن نتائج «الاشتراكي الديمقراطي» اليوم، هي ثالث أسوأ نتيجة في العقدين الأخيرين: 23 في المائة سنة 2009، و20.5 في المائة سنة 2017. هيهات، استطرادا، أن تقارن بتلك الذروة التي بلغها الحزب في سنة 1972، حين حصد 45.8 في المائة.
مؤشر آخر، ديموغرافي هذه المرة لكنه عميق الدلالة، يقول إن الحزب يتراجع في صفوف الشباب إلى ما دون 15 في المائة لأعمار 18- 24 سنة، مقابل ارتفاع ملحوظ في صفوف كبار السن بمعدل 35 في المائة لأعمار 70 سنة فما فوق. وهذه ليست علامة على شيخوخة الحزب في صفوف أعضائه وأنصاره فحسب، بل تكمن أهميتها الأولى في أن برامج الحزب وسياساته ومواقفه، ثم عدته الإيديولوجية بأكملها، لم تعد تشكل جاذبية خاصة لدى الشرائح الشابة.
مؤشر ثالث يذهب إلى عمق الخيارات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية في بلد يعتبر اقتصاده في عداد الأقوى أوروبيا، إذ ما زال «الاشتراكي الديمقراطي» يصارع لتنقية برامجه من الأوشاب النيوليبرالية التي تسللت إلى خطه العام، تحت تأثير ميركل والتحالف المسيحي. وما يزيد صورة الحزب سوءا بهذا المضمار، أن حاله هذه في ألمانيا إنما تنعكس أيضا على خياراته بصدد سياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والاجتماعية.
وكان باسكال ديلويت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بروكسيل الحرة، وأحد أفضل المختصين في تاريخ اليسار الأوروبي، قد أنجز بحثا لافتا حول المؤشرات الانتخابية لأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الغربية، فدرس نتائج 692 دورة انتخابية، بـ32 دولة أوروبية، بين سنة 1870 وحتى 2019. وخلاصته اختصرها العنوان الصارخ: «هذه ساعة السقوط النهائي»، الذي يعثر المرء على تداعياته الفعلية في عشرات الظواهر والتحولات، التي اقترنت بدورات انتخابية عديدة شهدت تقدم تلك الأحزاب أو تراجعها.
الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان هم أحفاد آبائهم، الذين شاركوا مطلع سنة 1921 في تأسيس «الاتحاد الأممي للأحزاب الاشتراكية»، صحبة رفاق لهم من فرنسا وبريطانيا والنمسا وإيطاليا وسويسرا وإسبانيا ورومانيا. ولم يكن من دون أسباب معللة أن هذا التجمع، الموازي للأممية الثانية، اللينينية أولا والستالينية لاحقا، قد استحق صفة «الأممية الثانية ونصف»، رغم أن عمر الحركة لم يتجاوز سنتين.
ويساجل الكثيرون بأن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية بأوروبا الراهنة هي وريثة ذلك التاريخ، وبالتالي فإن تقدما طفيفا في ألمانيا والنرويج، مثلا، يصعب أن يطمس التراجع غير الطفيف في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. ولا عجب، بالنظر إلى أن الوريث لم يغادر كثيرا مواقع الأب أو الجد.
نافذة:
الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان هم أحفاد آبائهم الذين شاركوا مطلع سنة 1921 في تأسيس «الاتحاد الأممي للأحزاب الاشتراكية» صحبة رفاق لهم من فرنسا وبريطانيا والنمسا وإيطاليا



