الرأي

الحاجة إلى تطوير التشريع

أخي في السويد يصوم ما يقارب من عشرين ساعة، ومن كان في شمال فنلندا سوف يصوم أكثر، وربما قريبا من القطب الشمالي سوف يصوم 24 ساعة في 24 ساعة؟ فهل هذا ممكن؟ معنى هذه الكلمات حاجتنا إلى تطوير التشريع؟ والمسألة ليست في الصوم، بل في جوانب حساسة وخطيرة مثل ميراث المٍرأة بنصف الذكر، وقطع يد السارق بعشرين دولارا؟ وشهادة المرأة بنصف الرجل الفحل؟
أنا شخصيا لو كنت في مناطق تصوم أكثر من عشرين ساعة لأعطيت الفتوى لنفسي بصيام 12 ساعة. ومن أراد أن يصوم 22 ساعة في 24 ساعة فله ذلك، ولكنه ضد توجه القرآن أنه ما جعل عليكم في الدين من حرج، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين. أهمية تطوير التشريع تأتي من ضغط الأحداث؛ فهؤلاء المجرمون من داعش وفاحش قتلوا المرأة ضربا بالحجارة، وأبوها يضرب مع الضاربين، وهم فرحون أنهم طبقوا الشريعة أخيرا وأحيوها بعد موتها؟
والقرآن يقول وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت؟
أتذكر في هذا الصدد مناقشة لي مع أخ فاضل في مونتريال، وأنا أتحدث له عن النسخ في القرآن، وأنه ليس ثمة عبودية في الأرض؟ وبذلك انته حكم ملك اليمين. قال لا ليس من نسخ؟ وسوف تأتي العبودية من جديد فنطبق الآية، أو ربما نفعل من أجل تطبيق الآية أننا نوجد الرق من جديد؟؟ ما شاء الله؟
يروون نكتة عن رجل أهبل حين سئل عن النهر والجسر، لماذا صنع الجسر؟ فأجاب حتى يمر النهر من تحته!.
العالم الإسلامي في مجموعه ينتج فكره ويضخ من الجامع والجامعة وهناك الكثير من المهابيل، بل والقتلة من نموذج فاحش وداعش والقبوريين الذين يبحثون عن مراقد قوم ماتوا قبل آلاف السنين، ليقاتلوا عن حجارة القبور، كما فعل الصليبيون قبل 600 سنة حين اجتاحوا الشرق فأخذوا إلى الموت مائة مليون من الأنام؟
يذكر عالم الاجتماع (الوردي) في كتابه (موسوعة العراق) أن الباب العالي أوعز لشريف مكة أن يبطل أسواق النخاسة، ربما كان تأثرا بما يحدث في العالم؛ فبريطانيا أبطلت الرق وتجارته عام 1833 م، ولحقتها أمريكا بحرب ضروس قتل فيها 600 ألف من الأنام، لحقها قتل الرئيس إبراهام لنكولن ضربا بالرصاص، فلما أصدر شريف مكة الحكم تحرك الرعاع والغوغاء بظاهرات صاخبة أن الشريف يعطل القرآن؟ ومعهم طبعا الكثير من المعممين الذين يدرسون القرآن ميتا (وما هو بميت) ويحفظونه لقوم يعيشون خارج التاريخ، مما دفع شريف مكة إلى التراجع.
كنت يوما في المشفى التخصصي في بلد خليجي، وحاجتنا ماسة إلى أخذ توقيع خطير لعملية جراحية مستعجلة، كان لابد من أخذ توقيع شاهدين. وبالطبع كنا مضطرين إلى أخذ توقيع دكتورة تخدير إخصائية على أنها نصف رجل، وبذلك تعادل هذه الدكتورة الاستشارية مع نصف توقيع بدوي جاهل، وهي التي تعرف الفن جيدا، وهي من سوف تقوم بالتخدير في هذه العملية الخطيرة.
أذكر من بقايا هذا التفكير والسلوك أيضا ما حملته معي إلى ألمانيا في رحلة التخصص، حين كانت تتقدم مني ممرضة راهبة مسكينة قد لوى ظهرها الكبر والعمل؛ فكنت أسحب يدي حين تقدمها للمصافحة، لأن حراس العقيدة كانوا قد أدخلوا في روعنا حرام مصافحة المرأة؟ وأن الرسول (ص) لم يكن يصافح؛ حتى شرح لنا رحمة الله عليه (عبد الحليم أبو شقة) في كتابه (تحرير المرأة في عصر الرسالة) هذه الإشكالية، أنها كانت من خصوصيات نبي الرحمة (ص): (أنا لا أصافح النساء) كما هو الحال في تجاوزه التعدد النساء الأربع، أو عدم زواج نسائه من بعد موته وأنهن أمهات المؤمنين، أو الحجاب وهو الفصل الكامل بين زوجاته ومن يدخل بيوت النبي؛ فكلها كانت من خصوصيات النبي بما فيها عدم أكله الضب. بالطبع كانت مثل هذه النصوص المشبوهة فرامل تعليق وشد وتوقيف للعقل أن يفكر؟
أذكر جيدا أيضا حين مزقت صورة مصطفى السباعي في مسجد (بستان حجر في الميدان) حين ضغط علي أحد المتشددين (الحمويين) بأن هذا حرام، مما جعلني أن لا أخذ لنفسي ولو صورة يتيمة في الجامعة، في مرحلة كلية الطب، حتى أعتقتني زوجتي رحمة الله عليها (ليلى سعيد) فتصورت معها بعد زواجي منها وتابعت أخذ الصور؛ فأنا اليوم من تلك الأيام متعجب.
المهم رحلة التشدد وجنونها ليس لها حواف وحدود، فيمكن أن يفطر اللعاب ويمكن أن تعتبر قطرة الأنف لا تفطر وقطرة الأذن تفطر (ونحن نعرف أن مجرى الأنف يوصل إلى الحلق والسائل في الأذن محجوز بالأذن الوسطى ولا يصل إلى الدماغ) ويمكن أن يدخن الإنسان في رمضان بدون حرج؟
وهنا ألفت نظر القارئ إلى الفرق بين (الفتوى الاجتماعية) و(الفتوى الدينية)، فكاتب مثل (جمال البنا)، رحمة الله عليه، (هو أخو حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ولو بنيت الجماعة على حركية حسن وعقل جمال لتغير ربما مصير مصر؟) ذهب إلى الفتوى بأنه لا حرج من التدخين في رمضان، ونحن لا نصدق أننا ارتحنا من هذا السم شهرا في العام، ولو كان ثمة فائدة للمتشددين من جماعة (النصرة) فهو تحريمهم للدخان بنصوص يؤولونها، وبالطبع أصابوا في نقطة وضاعوا في مائة. وأحيانا يتكلم المجانين بعبارات صحيحة ويتفوه السكارى بجمل صحيحة، حتى يصطدموا بعمود في الطريق.
نرجع إلى الصيام والقيام فقد ذهبت للصلاة في التراويح في المغرب، فرأيت الناس غاصين بالأقدام والمناكب، والإمام حريص أن ينهي قراءة الجزء ولو بصوت يفلق الرأس ويطرد الخشوع؟
قلت في نفسي بل أصلي ما أفهم من القراءة؛ فوضعت لنفسي برنامج قراءة قصص القرآن، بحيث أقرأ القليل من الآيات، وتذكرت قول نبي الرحمة (ص): أفتان أنت يا معاذ؟ فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
المهم أن الناس يبقوا سادرين في الطريق الغلط، حتى يذوقوا العذاب؛ فإما رجعوا؛ وإما زيدت الجرعة، حتى يأتيهم العذاب قُبلا بالجرعة القصوى؛ فينتهي أمرهم، ويقطع دابر القوم الذين ظلموا، وقيل الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى