
يونس جنوحي
لم يكن السفير محمد التازي يتوقع أن يلتحق الملك الراحل الحسن الثاني نفسه بمنزل الجنرال مولاي حفيظ العلوي، فور علمه بوجود العالِم المصري محمد متولي الشعراوي في منزله. حدث هذا سنة 1987. ألقى الشعراوي، في تلك الأمسية، درسا مختصرا كان موضوعه تفسير «البسملة»، وشرح مفرداتها كلمة كلمة والغوص في معانيها..
يقول التازي، في مذكراته، مُعلقا على تلك الأمسية الفريدة:
«في تلك السهرة الفريدة في منزل مولاي حفيظ، اكتشفتُ ملامح جديدة في شخصية جلالة الملك الحسن الثاني. ليست شخصية السياسي المتبصر، ولا شخصية الملك المُهاب ولا شخصية القائد الملهم، وإنما وقفت على ملامح الملك المتدين، تدينا عميقا صادقا عن إيمان راسخ ويقين ثابت، ما أطلق لسانه وأصفى نفسه، فاستنارت بصيرته، فكان كما علمتم.
وانتهت السهرة وكانت هدية الشيخ لجلالته مجموعة من الأشرطة المسجلة عليها خواطره في القرآن الكريم، وهو يأبى أن يسميها تفسيرا، فهو، كما يؤكد، أعجز عن أن يفسر كلام الله، ثم أوصاني جلالته أن أبعث له حين التحاقي بعملي في القاهرة بجميع تسجيلات الشيخ، وقد كان هذا اللقاء مناسبة مقصودة من جلالته ليزيل بها من نفس الشيخ الشعراوي ما يمكن أن يكون قد علق بها من معاملة سابقة، نتجت عن عدم إدراك الشيخ لمقتضيات المراسم المتبعة، وتنبيهه لمراعاتها. واستأذن جلالته في أن أصحبه بعد عودته من لندن لأداء مناسك العمرة، فأذن جلالته طالبا ألا نغفل عن الدعاء لجلالته، وأن نبلغ سلامه وأشواقه لجده عليه الصلاة والسلام».
عاش التازي مع الشيخ الشعراوي ذكريات كثيرة، تنوعت حسب العواصم التي اشتغل فيها سفيرا.. وامتدت علاقتهما إلى حين اشتغال التازي سفيرا للمغرب لدى المملكة العربية السعودية، وهي المحطة الدبلوماسية الأخيرة في مساره الدبلوماسي..
يحكي التازي عن علاقته بالشعراوي، سواء في تونس أو القاهرة، أو المملكة السعودية، ويستحضر هنا أول عمرة أدّاها مع الشيخ الشعراوي. يقول:
«وعاد الشيخ من لندن، وأقام في المغرب بضعة أيام، كان فيها موضع تكريم من جلالته، رحمه الله، وعندما أخذنا نستعد للسفر لأداء مناسك العمرة (..) وفي مطار جدة، المعد للطائرات الخاصة، لم تكن سيارات في انتظار القادم، وأنزلت الأمتعة، التي ستخضع لتفتيش دقيق، باستثناء حقيبتي وحقيبة الشيخ الشعراوي، اللتين كانتا معنا داخل الطائرة، وكان القنصل المغربي في جدة المرحوم عبد الحي في انتظارنا فركبنا سيارته وغادرنا المطار..
وأديت مع الشيخ الشعراوي، رحمات الله عليه، مناسك عمرة ما تزال نشوتها تسري في جسمي كلما استرجعتها، وكان القيمون على المسجد النبوي يفتحون لنا باب جبريل، كل ليلة بعد إغلاق جميع أبوابه، لنبقى في خلوة أمام القبر الشريف، نتلو ما تيسر من كتاب الله، وندعو بما يفتح الله به من أدعية، ولم تنته إقامتنا بالمدينة المنورة حتى اغترفت من بحر علومه جرعات ما تزال موئلي حين تشتد الخطوب، وما أكثرها في هذا الزمن الرديء، فقد ألهمه الله لمعرفة ما لا يعرف بتحصيل ولا يدرك بدراسة، وإنما هو ما يعرف بالعلم اللدني، مصداقا لقوله تعالى: «وعلمناه من لدنا علما»».





