شوف تشوف

الرأي

الحوار الثقافي وأثره على التماسك الاجتماعي 3.3

خالد الشرقاوي السموني

يضطلع حوار الثقافات بدور مهم، حيث يمكننا من تفادي الانقسامات الإثنية والدينية واللغوية والثقافية من جهة، ويسمح لنا من جهة أخرى بالتقدم سويا قصد التعامل مع هوياتنا المختلفة على أساس قيم كونية مشتركة.
ويعتبر الحوار الثقافي ميزة مهمة تحافظ على وحدة المجتمع وتمنحه ديناميكية، تجعله ينفتح بشكل أكبر على العالم الخارجي، بعكس المجتمعات التي لا يوجد لديها حوار ثقافي، والتي يدفعها ذلك إلى الصدامات والنزاعات والحروب أحيانا، كما يساهم في تحقيق التماسك الاجتماعي باعتباره قاطرة لتحقيق الوحدة الوطنية والتنمية.
إن مسألة التماسك الاجتماعي هي قضية مجتمعية باعتبارها وعاء لقضايا ذات صلة بالهوية الثقافية واللغوية والجغرافية وحتى الدينية، وهي قضايا شائكة وبإمكانها إثارة النعرات والعواطف والتشدد الأعمى للنوع الاجتماعي أو الهوية الثقافية واللغوية أو الدينية.
ولذلك، فإن خلق دينامية الحوار الثقافي داخل المجتمع ودعم وتقوية القيم المشتركة بين الديانات وتكريس وتشجيع قيم ومبادئ السلم والتسامح والعيش المشترك وثقافة الاختلاف، يشكل محددا للتماسك الاجتماعي لأنه تعبير عن الاعتراف بالآخر وبخصوصياته وعن عدم السعي إلى التفرقة على أساس ديني أو لغوي أو إثني.
وينبغي التأكيد في هذا الإطار على ضرورة إيمان المجتمعات العربية بمبدأ التعددية، والعمل من أجل ترسيخ مبادئ السلام والحوار والتنوع الثقافي وتوطيد الديمقراطية والتنمية ومواجهة تصاعد كل أشكال التطرف، مما يساعد في إحداث التماسك الاجتماعي.
كما لا يمكن أن يتحقق تماسك اجتماعي دون أن يكون هناك استقرار سياسي وأمني. ولا يتحقق هذا الاستقرار دون أن تترسخ ثقافة الحوار وروح التسامح والتنوع الفكري، وإرساء قواعد أخلاقية جديدة في المجتمعات تقوم على الاحترام المتبادل، وحل الخلافات عبر آليات الحوار والتفاهم.
فعندما تعيش مجتمعات بشرية من ثقافات مختلفة في فضاء جغرافي واحد، لا بد من استحضار مفاهيم التسامح والاعتراف المتبادل والتعايش، وأن هذا التعايش يتجلى في ظل «التنوع الثقافي» الذي يعني، بالأساس، الاعتراف بلغات مختلفة وبتاريخها وكذا بهويات وأديان وتقاليد وأنماط حياة مختلفة وخصوصيات ثقافية مغايرة.
فالقضاء على العنف والتعصب والتمييز العنصري والتطرف يقتضي بناء مجتمع متماسك يحترم قيم الحوار ومبدأ الرأي ورأي الآخر، ومؤسسات قادرة على احتواء الخلافات المذهبية والعرقية والدينية، لأننا أصبحنا نواجه اليوم عقليات دغمائية ومتعصبة تُنصت لذاتها وتنفي الآخر، وفق نمط فكري مزدوج يؤمن فقط بأفكاره ويكفر بفكرة الآخر، وهذا الفكر يسبب التفرقة.
ولذلك، فإن الحوار الثقافي يمثل حجر الزاوية في بناء تنوع ثقافي متناغم، وأنه هو الوسيلة المثلى لمعرفة الآخر والتعرف على ثقافته ونشر قيم التسامح والتفاهم والاحترام المتبادل بين مختلف الأمم والشعوب، وتعزيز السلم والأمن العالميين وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والإسهام في مكافحة التعصب بكافة صوره وأشكاله، والتصدي لمظاهر التمييز العنصري. وكل ذلك يساهم في تحقيق هدف التماسك الاجتماعي.
ولا سبيل لمواجهة هذه التحديات إلا عبر تضافر الجهود الوطنية والدولية، من أجل تعزيز قيم الحوار الثقافي والحضاري والديني، وتعميق مفاهيمه، وترسيخ قواعده، حتى تكون أساسا للسلام العالمي، ولبناء علاقات إنسانية سلمية بين الأمم والشعوب، في ظل التعددية الثقافية والحضارية والدينية التي يسود فيها الاحترام المتبادل والوئام، ويزدهر التنوع الثقافي الخلاق.
كما ينبغي التأكيد في هذا الصدد على أهمية النظم التعليمية والمؤسسات الثقافية والإعلامية في العالم العربي والإسلامي، حيث أصبحت مطالبة أكثر من ذي قبل بالتعامل مع الواقع الدولي الذي يفرض الوعي بالتنوع واحترام ثقافات الآخرين، وبتطوير رسالتها الإعلامية وأهدافها، مع الحفاظ على هوية مجتمعاتنا في إطار تفاعل إيجابي بناء مع ثقافات الآخرين.
وأيضا من بين الوسائل التي قد تساعد في تعزيز ثقافة الحوار، اطلاع وسائل الإعلام المختلفة بواجبها في بيان أهمية الحوار، فوسائل الإعلام المرئية، والمقروءة، والمسموعة قادرة بلا شك على بيان أهمية الحوار وفوائده من حيث تقريب وجهات نظر الناس، وتجنب الخلافات التي تؤدي إلى الصدامات والصراعات.
كما يمكن للجامعات والمراكز البحثية والمدارس أن تلعب دورا أساسيا في التوعية بأهمية الحوار وفوائده، فضلا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الأسرة في تنشئة الأجيال على اتباع أسلوب الحوار، وتنمية أسلوب الحوار في نفوس الأبناء والسماح لهم بالتعبير بكل حرية عن آرائهم ومعتقداتهم.
ثم إن المثقفين من الفاعلين الأساسيين في حقل حوار الثقافات، ودورهم رئيسي في تقريب وجهات النظر المتباعدة للتخلص من عقدة الكراهية والتعصب التي تضع أمامنا جدارا منيعا للدخول في الحوار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى