حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

الداخلية الفرنسية والسياسة الانتخابية.. صراع الأمن والدين والهوية

الوزير السابق روتايو يعيد رسم مستقبل اليمين واستهداف المسلمين بفرنسا

في خضم المشهد السياسي الفرنسي المعقد والمتقلب، برز برونو روتايو كأحد أبرز الشخصيات السياسية. وزير الداخلية الفرنسي السابق ورئيس حزب الجمهوريين الحالي، يشكل اليوم محور التركيز في السياسة الفرنسية على صعيد اليمين التقليدي. توليه الوزارة في شتنبر 2024 جاء في سياق استراتيجية واضحة لإعادة التوازن الداخلي للحزب وإرضاء الجمهور المحافظ، بعد سنوات من الانقسامات والفشل الانتخابي. روتايو لم يكتفِ بإدارة الملفات الأمنية والسياسات الداخلية الصارمة، بل سعى أيضا لتجديد خطاب اليمين التقليدي، مواجهة الإسلام السياسي، واستعادة قاعدة انتخابية متماسكة، ما يجعله لاعبًا أساسيًا في تشكيل مستقبل اليمين الفرنسي والتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027.

 

سهيلة التاور

 

تعد وزارة الداخلية الفرنسية من أكثر الوزارات تعقيدا في الدولة الأوروبية، فهي ليست مجرد إدارة أمنية، بل مركز حيوي لصناعة القرارات التي تمس حياة الملايين من المواطنين مباشرة، وتحدد مستقبل السياسات الداخلية والخارجية، وتعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، بما في ذلك الجماعات الدينية والثقافية. في السنوات الأخيرة، باتت هذه الوزارة محط جدل واسع، خصوصًا في ما يتعلق بمكانة الإسلام في فرنسا، إذ توالت القرارات والخطابات السياسية التي ربطت بين الممارسات الدينية اليومية، مثل الصلاة والصوم وارتداء الحجاب، وبين التطرف، ما خلق حالة من التوتر بين الدولة والمجتمع المسلم، وفتح نقاشًا حادًا حول حدود الحرية الدينية ومكانة القانون الجمهوري في إدارة التنوع الثقافي.

 

إرث كاستانير.. ربط المظاهر الدينية بالتطرف

حين تولى كريستوف كاستانير حقيبة وزارة الداخلية، لم يكن المنصب مجرد وظيفة إدارية، بل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على التحكم بمسائل شائكة تتعلق بالدين والسياسة. إذ أعلن كاستانير في تصريحات سابقة أن علامات التطرف الإسلامي تشمل اللحية وعلامات الصلاة والاجتهاد في العبادة أثناء رمضان، إضافة إلى الامتناع عن تقبيل النساء، ما دفع شرائح واسعة من المسلمين إلى الشعور بالمراقبة والاتهام الزائف بالأصولية، رغم أن هذه الممارسات جزء من الدين والموروث الثقافي. وقد أثارت هذه التصريحات انتقادات واسعة، وأدت إلى مخاوف كبيرة من استهداف المجتمعات المسلمة عبر سياسات رسمية وقرارات إدارية تفرض قيودًا على ممارسة الشعائر.

مع رحيل كاستانير، جاء جيرالد دارمانان إلى الوزارة، وهو شخصية رفعت سقف الخطاب السياسي، موجّهًا رسائل مباشرة إلى مارين لوبان، زعيمة اليمين الشعبوي، منتقدًا ليونة توجهاتها تجاه الإسلام، ومطالبًا بموقف أكثر صرامة، في خطوة تعكس استمرار سياسة وزارة الداخلية في تضييق الخناق على الجماعات الإسلامية بطريقة متدرجة ومدروسة سياسيًا، مع الحفاظ على خطاب يوازن بين الجمهور اليميني المحافظ والوسط السياسي.

 

ماكرون واستراتيجية اللعب على أوتار متعددة

لم تكن هذه الاختيارات بعيدة عن خطة إيمانويل ماكرون، الذي حرص على أن يكون وزير الداخلية قادرًا على مخاطبة طيف واسع من الناخبين، من الوسط إلى أقصى اليمين، في وقت يتعين عليه فيه تقديم نفسه كضامن للأمن الوطني ضد أي مظاهر للتطرف. هذا النهج مكّن ماكرون من الحفاظ على القدرة على المناورة السياسية، إذ يمكنه من إظهار الحزم في مواجهة التطرف، وفي الوقت ذاته توجيه رسائل تطمين للناخبين اليمينيين، ما يسمح له بالاستفادة من قاعدة انتخابية أوسع، ويعزز دوره في الحفاظ على توازن القوى داخل المشهد السياسي الفرنسي، الذي يشهد صراعًا دائمًا بين اليمين التقليدي واليمين الشعبوي، وبين الليبراليين واليسار.

 

روتايو.. وزير الداخلية والمرشح الرئاسي المحتمل

في شتنبر 2024، تم تعيين برونو روتايو وزيرًا للداخلية، في خطوة سياسية استراتيجياً دقيقة، تعكس سعي الحكومة لإعادة التوازن الداخلي وإرضاء الجمهور اليميني المحافظ. رغم قصر مدة بقائه في المنصب حتى أكتوبر، استطاع روتايو ترك بصمة واضحة، ليس فقط في السياسات الداخلية، بل أيضًا في توجيه الحزب الجمهوري، قبل أن يتسلم رئاسة حزب الجمهوريين ويبدأ التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027، معتمدًا على خبرته الطويلة في السياسة الفرنسية. روتايو، ابن منطقة “لا فوندي” المحافظة، استفاد من خلفيته الكاثوليكية والتقاليد الملكية في بناء قاعدة سياسية متينة، واستثمارًا في تراث حزبه القديم، ليعيد صياغة صورة الجمهوريين ويمنحهم فرصة لاستعادة مكانتهم في المشهد الوطني بعد سنوات من الانقسامات والفشل الانتخابي.

 

تاريخ من الفضائح والانقسامات للجمهوريين

لقد عاش حزب الجمهوريين، الذي يحمل إرث شارل ديغول، سنوات من الانكسارات السياسية، وكان أداؤه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة مؤلمًا، إذ حصل مرشح الحزب على نسبة 4.78 في المائة  فقط، فيما قدمت فاليري بيكريس أداء ضعيفًا جدًا، ما جعل الحزب يبدو وكأنه يحتضر على الصعيد الشعبي والمؤسساتي. بعد ذلك، تولى إريك سيوتي القيادة، لكنه دفع الحزب نحو أقصى اليمين، مقتربًا من الخطاب الشعبوي لمارين لوبان وإريك زمور، ما استدعى لاحقًا محاولة طرده للحفاظ على هوية الحزب التقليدية، والابتعاد عن الانزلاق إلى شعبوية مفرطة. كل هذه الأحداث جاءت نتيجة تراكم أزمات طويلة، بدءًا من إعادة تسمية الحزب عام 2015 من “الاتحاد من أجل الحركة الشعبية” إلى “الجمهوريين”، مرورًا بفضائح مالية عام 2017، وصولاً إلى تراجع التأثير الانتخابي والافتقار إلى قيادة موحدة، ما وضع الحزب على شفير الانقسام الداخلي والفقدان التدريجي للثقة العامة.

 

إعادة التوازن وبناء قاعدة صلبة.. مشروع إنقاذ روتايو

حصل روتايو على دعم 74 في المائة  من أعضاء الحزب، ما أتاح له إطلاق مشروع لإعادة ترتيب الحزب وإعادة الثقة في مؤسساته، مع التركيز على جذب الجمهور اليميني التقليدي والحفاظ على قاعدة ثابتة قبل الاستحقاقات الرئاسية المقبلة. وقد ساعدته خبرته الطويلة في مجلس الشيوخ، حيث قاد كتلة الجمهوريين منذ 2014، على ضبط توازن الحزب أيديولوجيًا وتنظيميًا، واحتواء الانقسامات الداخلية، مع الحفاظ على الأداء السياسي في البرلمان وفرض وجود مؤسسي مستقر، ما جعل منه شخصية محورية في إعادة تشكيل السياسة الفرنسية على المدى المتوسط.

 

سياسات داخلية صارمة وتحديات التنفيذ

تم ربط منصب روتايو بتوقعات محددة، تشمل زيادة عمليات الترحيل، تشديد شروط الحصول على الجنسية، ودفع تعديل دستوري يسمح بإجراء استفتاءات حول الهجرة. هذه السياسات، رغم شدتها، جاءت في سياق استراتيجي يهدف إلى تعزيز صورة الحزب أمام جمهور اليمين، وفي الوقت نفسه الحفاظ على توازن مؤسساتي، بما يضمن ألا تتحول السياسات الداخلية إلى أزمات اجتماعية أو دينية. كما أتاح له المنصب الترويج لخطاب صارم ضد ما يسميه “الإسلام السياسي”، في محاولة لإيجاد عدو سياسي واضح يمكن استخدامه لتبرير القرارات الصارمة وكسب تأييد اليمين التقليدي قبل الانتخابات الرئاسية.

 

التحدي الإسلامي.. التقرير والمجتمع المسلم

في إطار مواجهة الإسلام السياسي، أشرف روتايو على تقرير لمجلس الشيوخ صنّف 139 مسجدًا و280 جمعية خيرية و21 مدرسة خاصة على أنها مرتبطة بالإخوان المسلمين، مع متابعة نشاط المؤثرين الإسلاميين على منصات التواصل. التقرير أثار جدلًا واسعًا، إذ اعتبره بعض المراقبين مبالغًا فيه ويخالف الواقع المعقد للتعددية الإسلامية في فرنسا، خاصة التمايز بين الإخوان والسلفيين. تضمنت التوصيات منع ارتداء الحجاب للفتيات دون سن 16 عامًا، ومنع الصيام لليافعين، وكذلك فرض قيود على المرافقين المدرسيين، ما أثار ردود فعل قوية من المسلمين ووسائل الإعلام المستقلة، معتبرة أن التقرير يخلط بين الدين كعقيدة وبين الإسلاموية كأيديولوجيا سياسية، ويضخم المخاطر بطريقة غير موضوعية.

 

السياسة الخارجية وتأثيرها على الداخل

لم يقتصر دور روتايو على الملفات الداخلية، بل امتد إلى السياسة الخارجية، خاصة في الملف الفلسطيني، حيث اتبع مبدأ الحياد، ومنع رفع الأعلام الفلسطينية على المباني الحكومية، مقارنة بتأييد غير مباشر للعلم الأوكراني في سياق الحرب الروسية–الأوكرانية، ما أثار انتقادات حول ازدواجية المعايير. كما أبدى دعمًا واضحًا لإسرائيل في مواجهة إيران، معتبراً أن فرنسا ستتصرف بالمثل إذا واجهت تهديدًا مماثلًا، وهو ما يعكس حساسية الربط بين السياسة الداخلية والخارجية، واستغلال ملفات الخارج لتعزيز المكاسب الداخلية، خصوصًا في معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

روتايو بين المحافظة والشعبوية

يمثل روتايو نموذجًا للسياسي المحافظ، يمزج بين الخلفية الكاثوليكية والفكر البوركي، وبين الحساسية تجاه التيار اليميني الشعبوي، مع سعيه لبناء شبكة دعم سياسي ومالي من اليمين التقليدي، تمهيدًا للانتخابات الرئاسية. يقدم مشروعًا أقل تطرفًا من لوبان، لكن له صبغة محافظة متماسكة أيديولوجيًا، تجمع بين النزعة التقليدية والقدرة على مخاطبة الجمهور اليميني بطريقة مدروسة، ويعد بذلك منافسًا محتملًا للتيار الشعبوي، مع الاحتفاظ بعلاقات قوية داخل المؤسسات السياسية الفرنسية.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى