حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

السياسة الروسية في الوطن العربي

عبد الإله بلقزيز
من يتابع حركة السياسة الخارجية الروسية، في عهد الرئيس بوتين، يلاحظ أنها أصابت حظا كبيرا من النجاح في توسيع صداقات روسيا ونفوذها في العالم، بعد انكماش وانكفاء فُرِضا عليها، غداة انهيار الاتحاد السوفياتي، أو فرضتها على نفسها في عهد بوريس يلتسين. وعلى الرغم من أن النظام الشيوعي انهار فيها، منذ ما يقل قليلا عن ثلاثين عاما، وأصبحت جزءا من المنظومة الرأسمالية العالمية اقتصاديا، إلا أنها لم تبرح تعد العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية وكثير من دول أوربا، ويشدد عليها الخناق العسكري والاقتصادي، وتنهال عليها العقوبات الأمريكية والأوروبية وكأن العالم لا يزال رهين حالة الحرب الباردة بين العظميين! ومع هذا كله، أبدت السياسة الخارجية الروسية نشاطا مذهلا لفك الحصار عنها، والاستعادة التدريجية لما فقدته من نفود في العالم، في الوقت عينه الذي كانت تعاني فيه اقتصاديا، وتعيد بناء صناعتها العسكرية وتستعيد السمعة إلى كفاءة أسلحتها في مواجهة الأسلحة الغربية.
وقد تكون البلاد العربية من أهم المناطق الاستراتيجية التي أنجزت روسيا عملية اختراق سياسي ناجح لها، في السنوات العشر الماضية، فاستعادت فيها بعض النفوذ التقليدي المفقود، معززة إياه باستراتيجية تعاون اقتصادي مع طيف من الدول العربية كانت العلاقة بها باردة أو معدومة، إبان عقود الحرب الباردة. وتراوحت أدوات العودة الروسية إلى المنطقة العربية بين السياسة والاقتصاد والتدخل العسكري والأمني في أزماتها، تبعا لمقتضيات كل حالة. لكنها – خلافا لسياساتها السوفياتبة السابقة – لم تكن، يوما، طرفا في المنازعات والتمحورات العربية، التي ولدتها أحداث «الربيع العربي» وتداعياتها والانقسامات العربية عليها، بل تمسكت بعلاقاتها بما يقي المنطقة من هزات دراماتيكية تصيبها مثلما تصيب روسيا: أمنا قوميا ومصالح. وها إن نتائج هذه السياسة العربية لروسيا تظهر للجميع تسليما بفاعليتها. واليوم، ما من دولة عربية لا تعترف جهرا – أو سرا – بأن الدور الروسي في الوطن العربي كبير، وبأن أي حليف عربي لها أو صديق في مسيس حاجة إلى التعاون معها، والاستفادة من استعدادها لبذل الجهد في استتباب الأمن الإقليمي ونزع أسباب التأزم والتوتر، والتأليف بين السياسات المتناقضة.
وسلكت في الأزمة السورية مسلك المتدخل عسكريا وسياسيا فيها. رفدت الجيش السوري بالسلاح وأجهزة الرصد والمستشارين العسكريين في مواجهاته مع الجماعات المسلحة، وعززت من قدرته على صدها؛ وشاركت بالغارات الجوية في تدمير تجمعات الجماعات الإرهابية ومراكزها؛ وأسقطت قرارات في مجلس الأمن ضد سوريا (بمعية الصين)؛ واستوعبت الأدوار السياسية والعسكرية التركية في الأزمة السورية، فقضت عليها بالانتظام تحت سقف تفاهمات سوتشي فاكة ارتباط السياسة التركية بالسياسة الأمريكية في الساحة السورية؛ ورعت حوارات بين أطراف المعارضة السورية وبينها والحكومة السورية؛ واستوعبت مطالب الاستقلال الكردي في الشمال فلم تمكن لها، بل نسقت مع أنقرة ودمشق لوضع حد لها؛ وخلقت من الوقائع الميدانية ما أشعر الوجود العسكري الأمريكي في الشمال السوري بلا جدواه والحاجة إلى الرحيل… إلخ. وبموازاة نجاحاتها في سوريا، وقفت موقف دعم لمصر في مواجهتها موجةَ الإرهاب، فأعادت تسليح الجيش المصري وتأهيل قدراته الأمنية، ووقفت إلى جانب مصر في مواجهة الضغوط الأمريكية والغربية عليها بدعوى انتهاك الحريات وحقوق الإنسان؛ مثلما دعمت الجيش الوطني الليبي في مواجهة الجماعات الإرهابية والميليشيات. في مقابل هذه الأدوار العسكرية والسياسية، طورت مقاربة تعاونية مع بلدان الخليج العربي كانت ذروتها توقيع اتفاقيات تعاون عدة مع السعودية والإمارات العربية المتحدة، بمناسبة زيارة الرئيس بوتين إلى الرياض وأبو ظبي، محتسبة التعاون هذا حجر الزاوية لبناء علاقات استراتيجية أبعد مدى؛ كما أملت ذلك دول الخليج نفسها. لكن روسيا، التي ترتبط بعلاقات تحالف مع إيران في الوقت عينه، لم تنس الحاجة إلى التخفيف من وطأة أزمة العلاقة الخليجية الإيرانية واستيعاب تداعياتها حفظا لأمن الإقليم واستقراره، لذلك أبدت الاستعداد للوساطة بين أطراف الخلاف.
والحق أن النجاحات الروسية هذه، في اختراقها السياسي الهادئ والمحسوب للمنطقة العربية، ما كان ليستتب لها الأمر لولا الإخفاقات المتعاقبة للسياسة الأمريكية في مجمل البلاد العربية؛ في سوء إدارة نتائج ما سمي «الربيع العربي»، بما فيها محالفتها «الإخوان» والجماعات الإرهابية وإطلاقها تُعْمِل فتكا في الكيانات العربية؛ في عدم كسب الحرب في سوريا ضد النظام والجيش والاضطرار، أخيرا، للانسحاب؛ في خسارتها ورقة «داعش» في العراق؛ في تخليها عن «الحلفاء» الكرد في سوريا؛ في فشلها في احتواء الاندفاعة السياسية الإيرانية في المنطقة؛ في فشلها في إقناع الفلسطينيين والعرب في حياد دورها في الصراع العربي – الصهيوني، بعد انفضاح ضلوعها في منحها إياه ما يرفضه القانون الدولي؛ في إخفاقها في إلجام العدوانية التركية تجاه المحيط العربي…إلخ. من هذه الإخفاقات الأمريكية الذريعة والمتعاقبة، تتغذى الاندفاعة السياسية الروسية الناجحة.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى